إن رسوخ فكرة الانتماء الى الوطن كهوية لمن يعيشون على ارضه يدفع المنتمي الى هذا الوطن الى ان يخلص العمل لوطنه، وان يدافع عنه حين احساسه بالخطر يتهدده لذا تهتم جميع الامم بتربية الابناء فيها على حب وطنهم، ولهذا ظهرت الضرورة ان يعلم التلاميذ في مدارسهم منذ التحاقهم بما قبل الابتدائية ذلك، فيكون في برامج التعليم ما نسميه "التربية الوطنية" حتى يصبح بعضهم لبعض قدوة في حب الوطن، والعمل له باخلاص في كافة مجالات الحياة، وحينما تغيب هذه الفكرة فان الانتماء الى الوطن يضعف، فكيف اذا واجه هذه الفكرة عداء ظاهر، واعتبرها البعض تغريباً وان المسلم لا انتماء له الا للاسلام، حتى ان بعضهم ينص في اقواله ان الوطن هو الاسلام، وحتى ظهر لدى الجماعات المتأسلمة، التي تدعي انتماء للاسلام زوراً، ولها من الاقوال والافعال ما يناقض احكامه ومقاصده والانتماء الى الوطن امر طبيعي حتى يكاد يكون غريزياً في الانسان، والحاجة الى ترسيخه ماسة في هذا العصر التي تهدد الاوطان فيه عظيم الاخطار، وهو صدق وحق لا يناقض حكماً للاسلام او قيمه، فوطننا يضم اهم مقدسات الاسلام والانتماء اليه يكاد ان يكون واجباً دينياً قبل ان يكون وطنياً، وقد فطر الانسان على حب الوطن، وقد كانت هجرة سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – درساً في حب الوطن فقد روى سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال لما خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من كة قال: اما والله لاخرج منك، واني لاعلم انك احب بلاد الله اليّ واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجوني منك ما خرجت، وان الانسان ليفارق وطنه الى بلاد الحياة فيها افضل من الحياة في وطنه مادياً، ولكن يظل في حنين دائم لوطنه حتى يعود اليه، وزعزعة هذا الحب بالزعم ان الانتماء الى الوطن يخالف احكام الدين، وان الوطنية فكرة غربية، حتى سمعنا منتمين الى جماعات اسلامية ان الوطن كما زعموا حفنة تراب بخسة، وقد كان الانتماء الى الوطن وحبه في بلادنا زمناً طويلاً وحتى اليوم موضع جدل يثور حوله الاختلاف لمجرد ان يجري على اللسان ذكر الوطن، وغلب الحديث عند تيارات متعددة في الوطن على ان فكرة الانتماء الوطني انما تعني ابتعاداً عن الانتماء الى الدين، وكم حاولنا لفت النظر الى خطورة هذا، حتى رأينا من ابنائنا من يكفرنا ويفجر نفسه في مساجدنا لانه آمن بأن لا حب للوطن ولا انتماء، يكفي انتماؤه للاسلام الذي زعم له انه في خطر ممن يعتنقونه، ورأى ان نصرة دينه في قتلهم ولو كان لدى هؤلاء الذين يستهدفون وطننا بابناء لنا اختطفوا عقولهم وزرعوا فيها اوهاماً جعلهم اعداء لوطنهم، ولو احسنا تربيتهم على حب الوطن وحسن الانتماء اليه، وعرفناهم حقيقة ألا تعارض بين هذا والاسلام، لعرفوا عظيم جرائمهم التي يرتكبونها كل يوم، في حق وطنهم واهله، ولو استطعنا ان نزرع حب الوطن حقيقة في نفوسهم لما تجرأوا على ما يفعلون اليوم في مواجهته، ونحتاج اليوم الى مزيد من الجهد في التربية والتعليم وفي تصحيح المفاهيم، والمواجهة الدائمة للافكار الموهومة التي تروج وتغسل بها ادمغة مراهقين وشباباً، ليكونوا وقود حرب ارهابية على مجتمعاتنا المسلمة قبل غيرها من المجتمعات الانسانية، فنحن اكثر امم الارض تعرضا لهذا البلاء المسمى الارهاب، نحن من تذوق عظيم الآلام بسببه، ومع ذلك يتهمنا الناس به، حتى أولئك الذين يخططون له، وقد يكونون من الذين يمولونه، وما لم نفعل شيئاً في مواجهة شيء كهذا وسريعاً لكنا مفرطين في مزيد من ابناء هذا الوطن يقتلون انفسهم ويدمرون وطنهم، ولابد من خطة واضحة لمواجهة فكرية تجتث جذور الافكار التي ساعدت على ترويج افكار الارهاب بينهم ونواجه من تورط منهم في الفعل بالعقاب الرادع، ولا ننسى ابدا الأخطر وهم المنظرون والممولون وبذلك نقضي على خطر الارهاب الذي يواجهنا كل يوم، فهل نفعل؟.. هو ما نرجو والله ولي التوفيق.