وكإيقاع الخسارة الداهم كان فقدك لأن فقدك بكل المعايير خسارة.. الرجال. الرجال تظل مواقعهم شاغرة من الصعب ملؤها بغيرهم حتى لو حاولوا.. وواقع مواقعك كبيرة كبيرة رحلت معك.. ودّعتنا برحيلك وهي ملتاعة حزينة. افتقدناك مربياً للأجيال (كاد المعلم أن يكون رسولاً).. ولقد تعلمتَ.. ,علمتَ. افتقدناك منظر ثقافة أصيلة ترفض ثقافة السخافة.. لا ترضى عن أصالة الرسالة بديلاً. افتقدناك متواضعاً رغم شموخك.. علو هامتك.. وسمو قامتك جافيتَ الشهرة التي يلهث خلفها أنصاف الرجال.. لأنك الرجل.. والرجل ترفُّع وتواضع.. أبا ناصر.. إذا كان اليتم فَقْد عزيز ترك معقده في الدنيا إلى ما هي أرحب فإن جمعينا بفقدك يتامى.. نطعم الوحدة والوحشة بغيابكَ عن الأهل والدار.. لا عبرة بأيام أو أعوام من يرحل.. وإنما العبرة بإنجازات ومكونات من يعمل وكنتَ العالم العامل ولقد علمتَ علّمتَ دون إدعاء أو ضجيج. عَلَّمتَ فكان لك المريدون الكثر. وأنا واحد منهم كنت لي خيرَ مَثل.. علمتنا دروس الأخلاق دون نفاق فحفظنَاها.. وما حفَّظناها.. علمتنا أن الحياة قيمة أكبر من المال لأنها محصلة آمال.. فأخذنا المال معه كآمال.. علمتنا وأنت المعلم أن العطاء في صمت هو جوهر العمل وأكسيره.. ومُحركه.. علمتنا أن نخطو خطواتنا في تواضع غير مبهورين.. ولا مختالين.. ولا متخاذلين. علمتنا معرفة المعرفة التي لا يضل بها سالك.. ولا توصد أمامها مسالك.. كثيرة هي الأشياء الجميلة التي أَوْدَعَتها حياتك الثرة.. وودَّعتنا راحلة معك لأنها زادك في مرحلة كلنا كأنتَ في حاجة معها إلى زاد يثري محصلته.. أبا ناصر.. أيها الراحل الأستاذ. الزميل. الصديق. الإنسان بفقدك كلنا مكلومون .. أيتام نتقبل فيك العزاء كأسرتك الصغيرة لأننا بحق وصدق أسرتك الكبيرة الكبيرة.