في صيف عام 1397ه ابتعثت للدراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبالتحديد في جامعة انديانا في مدينة بلومنجتون، وفي الاسبوع الأول من وصولي لمقر الدراسة، وفي المركز الاسلامي التقيت برجل تألفه وتحبه من أول لقاء، كان هاشاً باشاً، يستقبل رواد المركز بكل ترحاب، يحيي هذا، ويسأل عن أحوال ذاك، ويطمئن على وضع المبتعثين الجدد لهذه الجامعة، ويشارك في استقبالهم في المطار، ويستضيفهم في سكنه حتى تستقر أحوالهم، كان ذلك الرجل القدوة في كل حركاته وسكناته المحرك الرئيسي لإقامة المركز الإسلامي، وشرائه وكان دائم العمل للدعوة عن طريق لجان ثلاثية، دعوة المسلمين للتمسك بدينهم، ودعوة غير المسلمين الجدد للتعرف على الاسلام، وتعليم المسلمين الجدد والعناية بشؤونهم حتى غدا المركز الاسلامي في بلومنجتون منارة دعوة لله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونقطة جذب للمسلمين في تلك الجامعة وغيرها، كان هذا بتوفيق الله ثم بجهود الدكتور/ مانع بن حماد الجهني وزملائه، وكان رحمه الله يعمل ليل نهار بلا كلل ولا ملل ويتنقل في أنحاء الولاياتالمتحدة داعياً، ومحاوراً، ومحاضراً، وقد وهبه الله سبحانه وتعالى مزايا عديدة منها، التواضع، ودمائة الخلق، وروح الفكاهة، ناهيك عن ذكائه الفذ، وقدراته العلمية، وثقافته الشرعية العالية، وتمكنه من اللغة الانجليزية تمكناً جعله يدعو ويحاور بكل يسر وسهولة، وتسامحه ولين جانبه في غير ضعف، ومرت خمس سنوات وأنا أسعد بأخوة د. مانع - وبقربه في العمل الاسلامي، فقد تعلمت منه الكثير وبعد عودته من البعثة كان أول همه هو مواصلة العمل الدعوي برؤية الداعية صاحب الأفق الواسع، والقلب الكبير، فكانت الندوة العالمية للشباب الاسلامي منطلقا لنشاطاته حتى أصبحت الندوة هي مانع، ومانع هو الندوة فوصلت برامجها ومشاريعها الى جميع أصقاع المعمورة، وكان دائم السفر والترحال في الداخل والخارج داعياً، وموجهاً، ومحاضراً، ومرشداً، وكنت وأصدقاؤه نشفق عليه كثيراً، ونطلب منه أن يخفف من ذلك فكان يرد علينا والابتسامة تعلو محياه «الله يغفر لنا تقصيرنا في حق الإسلام والمسلمين». عندما تلقيت خبر وفاته رحمه الله من الأخ د. إبراهيم القعيد الأمين العام المساعد للندوة سابقا، أصبت بالذهول لأنني بفقده فقدت أخاً غالياً وصديقاً عزيزاً، ولأننا بفقده فقدنا علما من أعلام الدعوة الاسلامية في بلادنا وفي العالم الاسلامي قاطبة لقد كان الفقيد رحمه الله ناذراً جهده، ووقته، وماله، للعمل الاسلامي باع الدنيا ومتاعها، وزينتها، مقابل الدعوة، مقابل الجهاد بالكلمة الصادقة، والعمل الحكيم الراشد. يا أبا عمر في صبيحة وفاتك كنت متجهاً لعمل دعوي، وفي صبيحة وفاتك نشرت الصحف خبر اعتمادك لتوزيع عشرات الآلاف من الكتب في بلد اسلامي، أليست هذه النهاية بشائر خير لك إن شاء الله، يا أبا عمر - لقد كانت حياتك كلها كما عرفناك جهاداً متواصلاً في سبيل الله لقد اشتريت الآخرة وبعت الدنيا رجاء فيما عند الله أفلا يحق لنا أن نقول (ربح البيع يا أبا عمر ربح البيع بمشيئة الله) تأسياً بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حق أحد الصحابة رضي الله عنهم. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا بك في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأقول لعمر واخوانه أن مصابنا واحد، وكلنا مكلومون ومصابون في فقيد الوطن والأمة، وإن شاء الله فإنكم خير خلف لخير سلف، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا مانع لمحزونون.. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. د. محمد بن حسن الصائغ وكيل وزارة المعارف لكليات المعلمين