عند دخولك مبنى الطوارئ أو الإسعاف ستكتشف عالماً آخر لم تكن تعرف عنه الكثير.. قصص وروايات الانتظار، وتراص المرضى كعلب السردين لعدة أيام كانت مجرد حكايات ربما بالغ من رواها .. تلك الجدران هي التي تمنع أصوات الأنين والألم والقهر والانتظار الطويل للمريض ومرافقيه، والتي قد تستمر لعدة أيام في مكان لم يهيَّأ إلا للانتظار لعدة ساعات! كل شيء يسير ببطء حسب ما خطط له لجان يعاني أعضاؤها من قصر نظر! في هذا المبنى سيتوفر لك بمجانبة أن تعيش الحزن بتفاصيله الدقيقة لدرجة تشبعك به فيصل إلى حلقك فيخنقك، الحزن الأسود الذي يخيم على المكان لا يراه إلا المرضى والمرافقون لهم، أما الأطباء والممرضون والعاملون في الطوارئ فكثير منهم يمارسون حياتهم العادية فأصواتهم العالية وضحكاتهم تملأ المكان ونكاتهم ونغمات جوالاتهم الراقصة.. يتعاملون مع المرضى بآلية.. يشعر المرضى بأنهم مجرد سيارات عطلانة تنتظر (الدور) ليتم معاينتها ومن ثم إصلاح الخلل.. الأطباء في تلك الطوارئ لهم غرفة يجتمعون فيها، يجلسون .. يتبادلون أطراف الحديث ويشربون النسكافيه على خلفية صراخ المرضى وأنينهم .. حركة الإسعاف لا تهدأ ليل نهار، ولأن الممرضين مشغولون فإن أهل المصابين هم من يقوم (أحياناً) بإنزال المرضى من سيارات الإسعاف وادخالهم إلى ردهات الطوارئ.. بعض الممرضين السعوديين (الشباب) تشاهد على رؤوسهم آخر القصات فلا داعي لشراء مجلات الموضة فهم ممرضون في كامل الأناقة والشياكة، دقائق على الكاونتر وساعات خارج المكان وجولاتهم لا تهدأ عن الرنين! على كراسي الانتظار يبقى المرضى لساعات في انتظار الطبيب الذي يصف حالة المريض ولا يعالجه، ثم لساعات أخرى قبل أن يبدأ العلاج مع طبيب آخر، ثم تبدأ معاناة الحصول على سرير!! وإذا كانت حالته تستدعي (التنويم) خارج الطوارئ، فإن ذلك يعتبر مصيبة أكبر من مصيبة المرض حلت على المريض وأسرته فهو إما عليه أن ينتظر لعدة أيام، حتى يخرج مريض فيدخل مكانه أو عليه أن يبحث له عن واسطة من الوزن الثقيل ليتوفر له المطلوب! ولأن المخططين لمثل هذه المباني لديهم قصور في نظرهم، فهم قد قللوا عدد غرف الانتظار والأسرَّة المريحة لسبب غير واضح، فالدولة ليست عاجزة عن توفير المباني التي تكفل للمريض راحته في مرضه وبالتالي كرامته وهي التي كفلت له تلك الكرامة خارج المستشفى.. المخططون دائماً هم سبب كل ما نحن فيه.. الدولة لن تقصر أبداً ولا المسؤولون الذين بيدهم القرار.. ولأن المخططين فاشلون فقد بدأ من جاء بعدهم بإضافة غرف جديدة تلحق بمبنى الطوارئ، وربما سيتبع ذلك مرحلة توسعة ثالثة ورابعة! أحد المرضى أمام عيني انتظر لأربع ساعات دون علاج زاد الألم عليه كاد نفسه أن ينقطع.. شكا أهله للمريض، قال له الطبيب (يا زول ما فيك شيء) بعد دقائق أغمي على المريض وفي غرفة الانعاش تم عمل اللازم له، ولكن بعد ان تبين انه قد أصيب بجلطة كان يمكن تفاديها!! إذا كانت كل طوارئ المستشفيات بهذا الشكل الذي وصفت بعض ملامحه فإن المرضى سيواجهون عالم الطوارئ العجيب والذي اكتشفت انه ينظم مسابقة غير معلنة في قدرة المرضى على التحمل والصبر، وهي تشبه مسابقة قفز الحواجز؛ حيث يتم تعريض المريض لعدة حواجز تنظيمية وإدارية لا علاقة له بها فإذا استطاع المريض قفز وتخطي الحواجز مستعيناً بقدرة الله طبعاً ثم لياقته، وقوة صبره، وتجلده، مضافاً إليها ما يجري له من اسعافات طبية؛ فعندها يكون المريض مؤهلاً أساساً لدخول المبنى أما إذا (راح فيها) فيعود سبب ذلك بعد مشيئة الله انه لم يكمل المسابقة، لسبب بسيط يتمثل في أن المريض ليس مؤهلاً لدخول مثل هذه المنافسات والمسابقات التي تنظمها مراكز الطوارئ للمرضى على مدار الساعة!!