أوقف سيارته جانبا على عجل، ترجَّل منها، يده اليمنى معلقة على صدره، الساعة تشير إلى التاسعة مساء، قضى ساعات النهار بين مستوصف الحي ومستشفي المدينة العام وللتو وصل بعد معانات التنقل بين تلك الأماكن المروعة. أمام مدخل المدينة الطبية الفسيحة باستثناء غرفة الطوارئ.. ممسكا بأوراق التحويل رأى على يمين البوابة مرضى يفترشون الأرض، تأمل في وجوههم التي تفتقد لوميض الحياة ثم ولج إلى الداخل.. فوجئ بنفسه مباشرة أمام موظفة الاستقبال التي لم تكترث بوجوده طلبت منه التريث والاتجاه للاستراحة فاستجاب على مضض، تلفت حوله، المكان ضيق ومكتظ عن آخره بالمرضى والمراجعين، يعتلي أكثرهم كراسي متحركة وأسرة الترقيد وكراسي الانتظار، فوضى عارمة رائحة موت خانقة، الأنين. السعال المصحوب بحشرجات الصدور المريضة؛ يصم الآذان.. في غرفة الانتظار الأشبه بغرفة توقيف للشرطة الحال لا يطاق، شبح الموت يلتهم الأكسجين الضئيل المتبقي، جلس لدقائق استمع لأحد المنتظرين يقول: أنا هنا منذ الصباح أنتظر شغور سرير التنويم لأبي المريض.. برودة المكان مع روائح المرضى تنشر الكآبة في النفوس وفي نفسه بعثت مزيدا من التشاؤم أحد الأطفال يشعر بالملل ويتأمل في أوراق المراجعين. وقعت عينه على ملصق ملفه فقرأ بصوت عالي محماس ثم ضرب على رجل والده وقال أبي (هذا اسمه محماس زي اسم المحماس حق قهوة جدي).. خرج من المبنى المريع بعد أن رأى مريضا سيء الحظ يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يهنأ بسريره المنتظر. مات جالسا على كرسي الطوارئ.. غادر صندوق الأموات المزدحم متجها نحو مبنى في الناحية المقابلة للطوارئ لم يشأ أن يلتقط المشهد في خارجه إلا أن وجوه الخارجين والداخلين إليه تتميز بملامح نظرة تكاد من نظارتها تضيء. حتى الشخص الوحيد الذي أنزل من سيارة الإسعاف أُتي بسرير فخم يحظى بأنواع متعددة من التكنولوجيا، ترافقه جوقة من الأطباء والمسعفين والممرضات.. حين رأى موظفة الاستقبال عرض عليها أوراقه بعفوية وعجلة من أمره، تألم في صمت حين اعتذرت منه بلطف قائلة عفوا سيدي الخدمة (لvip).. رائحة العطر الجذاب من أثر يدها الناعمة على الأوراق أنسته الألم المبرح في ذراعه ومفصل كفه برهة من الزمن.