ضمن فعاليات مهرجان حائل السياحي (حايل.. صيفها هايل 3) نظمت الغرفة التجارية الصناعية بمركز الأمير سلطان الحضاري لقاءً مفتوحاً مع رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك بعنوان (حوار عن الصحافة ) بحضور رئيس وأعضاء مجلس الغرفة التجارية الصناعية بحائل ومثقفي المنطقة والمهتمين بالشأن الإعلامي. وقد بدئ اللقاء بكلمة لعميد كلية المعلمين الدكتور عثمان بن صالح العامر استهلها بلمحة عن الصحافة والتحديات من حولها، وتحدث عن الأستاذ المالك، مشيراً إلى تجربته الطويلة والثرية ومستعرضاً قصة نجاح (الجزيرة) ودورها الإعلامي المؤثر في المحيط المحلي والعربي. بعد ذلك كان الجميع على موعد مع مفاجأة خالد المالك حين قدم قطعة أدبية راقية بعيدة عن محور (الحوار) ولكنها كانت أسرع في الوصول إلى قلوب الحضور النخبوي، حيث كانت ورقته عن عشق حائلالمدينة والمنطقة والإنسان وكأنه أراد أن يجاري (كرم) حاتم الطائي.. فجاء (بحس جميل) يتغنى بحائل، وأهل حائل قبل أن يبدأ الحوار عن الصحافة والمداخلات والأسئلة والإجابات حولها. فيما يلي نص الكلمة التي تحدث بها المالك عن حائل. **** أنا هنا وفي القرية.. في حائل.. بين أجا وسلمى.. وفي ضيافة حاتم الطائي.. وعلى مقربة من أخبار امرئ القيس.. ولست بعيداً من قبر عنترة بن شداد.. وحيث تطل علينا قصة الأربعين عاماً من الحرب بين عبس وذبيان.. أنا هنا حيث أسماء أخرى كثيرة وخالدة؛ كخالد بن الوليد، وزيد الخيل أو الخير، وأوس بن حاتم الطائي، والزير سالم، وغيرهم وغيرهم.. أسماء مرت.. وأحداث توجت وأرخ لها.. من خلال سيرة ومسيرة حائل المجيدة. *** أجل، هأنذا أعود إلى حائل الحبيبة من جديد.. زائراً أهلها.. وسائحاً في ربوعها.. مستمتعاً بوشوشات سعف نخيلها.. وراغباً وحريصاً أن أرى بأم عيني قطرات الندى مع الصباح الجميل على الوريقات المتدلية من أغصان أشجارها.. بل وأن أرى شيئاً من آثار وبقايا هذا الندى الجميل على نوافذ منازلها وكل بلور فيها. *** أيها الإخوة: ولأن من رأى ليس كمن سمع فقد جئت إلى: «دار لها برد النعيم ووشيه ورحيقه للمستهيم الصادي» لكي أكحل عيني بما يسرها عن هذا الجزء الغالي من الوطن الحبيب.. في فرصة جديدة وغالية لا أريد أن تفر من قبضتي دون أن أشم ما تيسر من رحيق أزهارها ووردها وكل مفاتن الجمال فيها.. فهنا في حائل تتكاثر وتنمو وتزدهر وتتوالد أشجار الحب بين الناس.. وهنا في حائل يتحدث التاريخ عن فروسية الرجال وشجاعة الرجال.. هنا تشتعل مواقد الكرم ضمن الكثير من التقاليد العربية الأصيلة. *** نعم، لهذا جئت إلى حائل.. أحث الخطى وبسرعة نحوها.. عاشقاً أرضها.. وشادياً ومغرداً كأسراب طيورها.. راغباً بأن أتعفر في ترابها.. بأن أملأ رئتي من رحيق أزهارها.. محاكاةً واقتداءً بمن سبقني إليها.. ومثلما فعل ويفعل غيري.. ممن أناخ في أديمها.. وقال ما قال عن تجربته وتفاعله وتأثره بها. *** جئت إلى حائل لأستمع وأستمتع معكم إلى مواويل حبكم لحائل وصداه وهو ينساب من أجا وسلمى، ويقترب منا مخترقاً هذا الفضاء الواسع، حاملاً إلى مسامعنا جميعاً كلماتكم المغناة بمعانيها السامية، وبصوت ابن الشمال العذب، وبلهجته المتميزة، ونغمه الجميل.. على امتداد مساحات الجمال في عروس الشمال.. حيث غناها بالفلكلور الشعبي.. وتميزها بالفنون الكثيرة والمتنوعة.. وحيث ظلت وفيةً لماضيها.. متمسكةً بما ميزها على غيرها. *** فهنا في حائل توجد كنوز المعرفة.. وهنا بعض ما أغرى الرحالة والمستشرقين والمؤرخين منذ القدم على زياراتها وتقديم دراساتهم وأبحاثهم واستكشافاتهم عن هذا الجزء المهم من العالم.. ولا شك أن ما يحدث اليوم من تعامل مع المستجدات في حائل بحثاً وتنقيباً ودراسةً، وبكل هذا الاهتمام الكبير، هو امتداد طبيعي لهذا التاريخ البهي الذي تدور أحداثه وتروى قصصه عن حائلالمدينة، وحائل المنطقة، وحائل الإنسان.. «يا أمةً لم تبن من أجسامها غير الكرامة والندى الوقاد» «ما بين فتيان على قمم العلا وشيوخ مجد شامخ الأطواد» *** أيها الجمع الطيب: لقد عدت إلى حائل.. مدينة الحلم الجميل.. بضيائها ومنائرها وقبابها ومعالمها وعلاماتها.. أستعرض تاريخها ومحطات قوافل الرجال فيها.. وأتتبع مراحل الإبهار فيها منذ أن انحنى التاريخ يقدم تحيةً لها إعجاباً بها وإلى اليوم.. ومثلما جئت إلى حائل من جديد يقودني الشوق والحنين إليها.. «شوق يعانقه أجا ويحوطه سلمى بكل محبة ووداد» سأعود منها -إن شاء الله- مبهوراً بكل ما رأيت وشاهدت.. مزهوا بتنوع مصادر التفوق والإبهار في حائل كما في كل مدينة من مدن بلادنا.. وسعيداً بأن تكون حائل -المدينة والمنطقة- شاهداً أميناً وصادقاً في نقل الصورة الحقيقية للوطن ببهائه وجماله، على أنه وطن التميز والتفرد والإبداع. *** أيها الأحبة: وحائل.. إذ هي معشوقتكم.. لا، بل هي معشوقتي أيضاً.. بسهولها وجبالها وكثبان الرمل فيها.. بأوديتها وشعابها وفياضها وعيونها ورياضها.. وروابيها وواحاتها وهضابها.. وبكل شجرها وحجرها.. وحضاراتها.. وآثارها.. وبوصفها درة مدن الشمال.. وملمح المدن.. وملهمة الشعراء.. ألم ينشد شاعرنا: يا حائل المجد مجدي أن أكون هنا أنيخ قلبي في سلمى الرؤى وأجا إلى أن يقول: يا حائل المجد كم مجد شمخت به تندى الشواهق من تذكاره أرجا *** فها هي حائل إذاً التي علمتنا وتعلمنا أصول الضيافة الحقيقية والكرم الأصيل من حاتمها.. وهي التي لم تغب عن الاحتكاك بالحضارة الآشورية.. وكانت علاقاتها حميمةً بحضارات الشام وفلسطين.. ومع دولة المناذرة في الحيرة.. مثلما هو تأثرها بالحضارة البابلية.. ها هي حائل إذاً مع كل هذا التزاوج المتعدد من هذه الحضارات وغيرها تبدو جميلةً وأنيقةً ورشيقةً وجاذبةً للإعجاب إلى اليوم.. *** والحديث عن هذه الديار.. حيث تختزن الكثير من أخبار التآخي بين المعارف والعلوم الإنسانية.. وحيث كان لها السبق في انتشار التعليم أولاً على مستوى مدن منطقة نجد.. في زمن تفشي الأمية والجهل والفقر.. ويوم كان الإنسان لا يشغله التعليم عن البحث بالكاد عن قوت يومه.. هو حديث علي أن أؤكد -بما هو ثابت وموثق- أن حائل كانت إذ ذاك شيئاً آخر في نظرتها إلى التعليم باعتباره هو الثروة الحقيقية التي قادت الوطن إلى ما هو عليه اليوم من تطور ونمو بانتظار ما هو أفضل. *** أيها الأعزاء: قبل قدومي إليكم رحت أقرأ على عجل شيئاً من شعر أو قصة أو رواية قيلت في حائل؛ كي أذاكرها وأستزيد معرفةً منها عن حائل قبل أن ألقاكم هذا المساء.. وما تركت كتاباً وقع بين يدي إلا وتصفحته بقدر ما أسعفني الجهد وساعدني الوقت، بأمل أن يلهمني ذلك إلى شيء يليق بحائل، فأقوله لكم.. فإذا بي أمام زخم من الملاحم البطولية، والتجارب الثرية، والمواقف الكبيرة، والمعلومات المهمة التي تستحق كل واحدة منها أن يتوسع المرء في الحديث عنها، وهو ما لا يتيحه وقتكم الثمين للحديث المفصل عنها هذا المساء، فضلاً عن أن موضوع حوارنا هو عن غير ذلك.. *** وقد فكرت طويلاً وكثيراً مع كل ما قيل عن حائل في الماضي والحاضر، وتساءلت: ماذا يمكن لمثلي أن يضيف لحائل من جديد بعد أن أرخ لها هذا العدد الكبير من الرحالة والمستشرقين.. وبعد أن كتبوا عنها ما كتبوا بما هو بعض حقها لمن أراد أن ينصفها؟! وبحثت عن شيء غاب أو إن كان قد غيبه هؤلاء الأغراب الذين قدموا من إيطاليا وفنلندا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا وغيرها إلى حائل؛ لتوثيق تاريخها الحافل بالأحداث والتطورات والمشاهد والمواقف المهمة على امتداد تاريخ الوطن.. فما وجدتهم قد أبقوا للمتأخرين مثلي من شيء يمكن أن يقولوه، أو يكتبوا عنه؛ ليضيفوا به شيئاً ذا قيمة إلى قصة التحدي الكبير الذي شاب وساد حياة الناس في حائل وميزهم وأعطاهم كل هذه المساحة الكبيرة من صفحات التاريخ. *** ولعلي لا أضيف جديداً حين أواصل إسماعكم انطباعاتي عن منطقة يغنيكم ما كتبه الأسبقون عنها من أن يأتي من هو مثلي بالحديث عن تاريخ يمتد إلى آلاف السنين، وقد كان هذا التاريخ حافلاً بالمواقف والأحداث، وغنيا بالصور الإبداعية التي تحدث بها وعنها الغريب، غير أن ما أريد أن أؤكده لكم أني لم أكتب ما تسمعونه مني الآن بعاطفة من يحب هذه الديار دون تمعن في مدلول كلماتي، وإنما هي انطباعات حقيقية وصادقة، بعضها اعتمدت فيه على قراءات سريعة لما نشر عن بلاد الجبلين منسوباً للرحالة والمستشرقين، وكذلك ما كتبه المختصون من باحثين ومؤرخين وشعراء في العصر الحديث، وبعضها لا يعدو أن يكون لقطات ومشاهدات سريعة لزيارات سابقة أتيح لي أن أقوم بها لحائل، وإن لم تكتمل صورة هذه اللقطات أو تتكامل ملامحها كما كنت أتمنى وأريد. *** وأقول لكم صادقاً: إن حبي لحائل لن يكون أقل من تلك الكلمات المضيئة والمشرقة التي قالتها تلك الرحالة وهي تعود إلى بلادها مبهورةً مما رأته ولمسته وتعرفت عليه من سحر هذه المدينة وجاذبيتها وإعجاب الزائر بها.. فقد ملأت قارورةً من رمل النفود هنا -هكذا تقول- لتصنع منه ساعةً زجاجيةً بعد أن أدهشها لونه القرمزي الفاتح. وبالنسبة لي فإن قارورةً واحدةً لا تكفي لأملأ بها حبي الكبير لشام نجد وقد امتزج هذا الحب وتناغم مع تكويناتها وتشكيلاتها الطبيعية، وأخذ من قيصومها وشيحها والحوذان والخزامى والنفل والأقحوان، ومن رحيق أزهارها وكل شجرة أو شجيرة ذات رائحة عطرية ما يليق بمقام ومكانة وطن الإباء والشموخ. *** أيها الإخوة الحضور: أتذكر الآن أنني جئت إلى حائل في أولى زياراتي لها ضمن فريق من الإعلاميين إبان زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز منذ ما يربو على خمسة وثلاثين عاماً. كانت الزيارة -ولا شك- فرصةً لي للتأمل والمشاهدة واستذكار التاريخ بالقرب من المواقع والآثار التي تحدث عنها الأقدمون والمعاصرون. *** ثم، ومع سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز، كنت أيضاً ضمن إعلاميين آخرين أزوركم هنا كآخر مرة تتاح لي فرصة ثمينة لملء رئتي باستنشاق الهواء النقي من هذه الأجواء، فيما جبلا أجا وسلمى على امتداد نظري مع بقية السلسلة الذهبية من الرموز والأحداث التي قال التاريخ إنها مرت من هنا، وهي إذ ذاك كانت أمامي وخلفي، وعن يميني ويساري كما هي اليوم. *** وكانت هناك زيارة ثالثة يوم دعيت للمشاركة في نشاط منبري جمعني بسمو أمير المنطقة السابق الأمير مقرن بن عبد العزيز ، وقد تزامن تاريخ تنظيمه مع مضي بضعة شهور على تسلم الأمير للإمارة هنا. *** وما بين أولى زياراتي إلى حائل.. وآخر ما اكتحلت به عيناي من معالمها الجميلة.. بين هاتين الزيارتين.. وما بينهما من زيارة أخرى أثيرة عندي.. وإلى أن أهديتموني مساء اليوم هذه الإطلالة الجديدة على معالم حائل.. فقد مضت سنوات.. وتغيرت أمور.. واستجدت قضايا.. ولكن حائل -المنطقة والمدينة- بقيت متمسكةً بشموخها وإبائها وأصالتها ولم تتغير.. إلا بمقدار ما جسدت وتجسد تقاليد السمو والكبرياء والإخلاص من الرجال والنساء فيها. *** قصدت من هذا الرصد -أيها الأحباب- أن أقول لكم: إن محدثكم ليس غريباً على حائل وأهل حائل.. وإن غيابي وإن طال عنها لهو مثل حضوري المتكرر لها، إنها في ذاكرتي وعقلي ووجداني، أثيرة وعزيزة عندي، ولها مكانة ومساحة في قلبي باتساع تاريخها ومكانتها ومكانها في هذا التاريخ. *** أيها الإخوة: أردت بما سمعتموه مني.. أن أوجه التحية لحائل.. الأرض والإنسان.. بعد أن شغلني الإعجاب والانبهار بها وبكم عن موضوعنا هذا المساء.. فعذراً إن أخذ مني ذلك بعض وقتكم.. وشكراً لمن دعاني لأعانق: «جبلان ما شهدا على غير الهدى والنبل والتمكين والإسعاد» والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.