إن ذاكرة الشعر مليئة بالأمكنة، ومملكتنا العربية السعودية تحفل بتفاصيل المكان، ولو رمنا استعراض ما ذكره الشعر في مناطق وطننا المعطاء لطال الحديث، لكننا هنا نستأنس بأماكن حائل التي شهدت تميزا أدبيا وجغرافيا معا، وذاكرة الشعر ما زالت تحتفظ بذكرها كثيراً؛ لذا فنحن هنا نحاول أن نسترجع شيئاً من تلك الذاكرة، ويعد امرؤ القيس من الشعراء المشاهير الذي توقفوا في بعض قصائدهم عند حائل، وما حولها من أمكنة، وسهول، وجبال، وهو القائل: تبيتُ لبوني بالقُرَيّةِ أُمَّنا // وأَسرَحُها غِبّا بأكنافِ حائلِ وكان في شعره يلمح إلى بعض المواضع الجميلة التي نزلها في براري حائل ك (بلطة)، و(جَو)، و(مِسطَح). يقول: تَظَلُّ لبوني بينَ جَوٍّ ومِسطَحٍ // تراعي الفِراخَ الدارجاتِ من الحَجَلْ على أن هذه الأبيات لا تصور المكان فحسب، بل ترصد بعض آثار الحياة فيه؛ فالإشارة إلى القوم، واللبون (راحلته)، وفراخ الحجل، تسجّل جانباً مهماً من طبيعة الحياة الفطرية التي كانت في ذلك الوقت، والمواضع التي ذكرها امرؤ القيس هنا مواضع ما زالت تحتفظ بطبيعتها وجمالها، وهي من بين البراري الجميلة اليوم في حائل. وممن استلهم منطقة حائل في شعره قديماً الصحابي زيد بن مهلهل الطائي، وهو المعروف بزيد الخيل، وزيد الخير، وهو الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم. فمن شعره يقول: جَلَبنا الخيلَ من أَجَأٍ وسلمى // تخُبُّ نَزَائِعا خَبَبَ الرِّكابِ وفي أخرى يقول: سقى اللهُ ما بين القُفيلِ فطاَبَةٍ // فما دون إرمام فما فوق مُنْشِدِ وقد ألمح إلى حائل وبعض أمكنتها شعراء العصور الإسلامية فيما بعد، كما عند الفرزدق أحد شعراء العصر الأموي، حيث وظف (جبل سلمى) في سياق الصبر والتحمل، يقول: أُصِبنا بما لو أنَّ سلمى أصابها // لَهُدّتْ، ولكنْ تحمّلَ الرزءَ دارمُ ويقول الشاعر العباسي المشهور العباس بن الأحنف الحنفي النجدي، مخاطبا القمر، محدثا إياه عن بُعد حبيبته، مشيراً في ذلك إلى بعض المواضع، ومنها (الأجفر) وهي قرية من قرى الجانب الشرقي لمنطقة حائل: ألا أيها القمرُ الأزهرُ // تَبَصَّر بعينيكَ هل تُبصِرُ؟ تبصّر شبيهَكَ في حُسنهِ // لعلكَ تَبْلُغُ أو تَخْبُرُ فإني آتيكَ وحدي بهِ // وأفضي إليكَ بما أَسْتُرُ (زُبالَةُ) من دونهِ و (الشُّقُو // قُ) و (الثّعلبيّةُ) و(الأجَفَرُ) وقد ذكر البحتري (حائل) في بعض مدائحه، وأشار إلى بعض خصائص المكان، وطبيعة الأرض، ك (النخلة) يقول مثلاً: ذوو النَّخْلاتِ الخُضْرِ في بَطنِ (حائلَ) // وفي (فَلَجٍ) خُطبانُها وهبِيدُها ولو انتقلنا إلى العصر الحديث فإننا نجد الوزير والسفير السعودي غازي القصيبي - رحمه الله - من أميز الذين تطرقوا لحائل، فقد خلّد ذكرها في قصيدته الرائعة ذات اللون الملحمي. يقول: يا حائل المجد كم مجد شمخت به // تندى الشواهق من تذكاره أرجا ما زلتِ تبتكرين المجد ملحمة // إن شاعر هزجا أو فارس لهجا ما زال حاتم يقري الضيف ما تركت // نيران حاتم في ليل الضيوف دجى يا حائل المجد مجدي أن أكون هنا // أنيخ قلبي في سلمى الرؤى وأجا