لفتت المكانة الدينية والتاريخية للمملكة في العالم الإسلامي، ولعب موقعها الإستراتيجي، وكذلك صلاتها الجغرافية المؤثرة بعدد من مواقع الحضارات دورا مؤثرا في جعلها محط أنظار واهتمام كثير من الرحالة الأجانب والمستشرقين، الذين خلفوا عنها كثيرا من الحكايات والقصص والمؤلفات والصور الماتعة، موثقين ما رأوه وسمعوه ولمسوه حين وطئت أقدامهم أرض بلاد الحرمين، كاشفين عن إعجابهم وتأملهم العميق في ثراء وتنوع الموروث الحضاري والتاريخي للمملكة، وما تنطوي عليه من أسرار ونوادر وأخبار، خلاف الانطباعات التي كتبها مجموعة من أوائل وأبرز الرحالة والمستشرقين عن الجزيرة العربية ومختلف مناطق المملكة، ورصدتها عدد من المصادر الثقافية والتاريخية. شغف أسهم الإنتاج الأدبي للمستشرقين، ممن حظوا بفرصة زيارة الجزيرة العربية منذ انفتحت أبواب الصحراء لاستقبال وفود الزائرين، بغض النظر عن أهداف تلك الزيارات، في الدفع بأمواج من المتطلعين لإرضاء فضولهم وشغفهم وإثراء معلوماتهم بشأن هذه المنطقة التي بقيت لعقود طويلة طيّ الغموض والجهل بها. كما تأثرت طبيعة هذه الرحلات الاستكشافية بالإمكانات المتاحة لكل عصر، فهناك من الرحالة من اكتفى بكتابة مذكراته ومشاهداته وتأثير السحر الذي تركته المنطقة في وجدانه في مرحلة متأخرة من الزمن، وآخرون وثقوا رحلتهم ومرئياتهم بعدساتهم الشخصية والكاميرا التي تركت ذاكرة زاخرة باللقطات النادرة وأسعف أهل المنطقة أنفسهم بحصاد رحلته الثرية. تأثير تأثر بعض المستشرقين بالحياة في الجزيرة العربية، وعفوية الأهالي الذين احتضنوهم واحتفوا بهم، ووجدوا منهم الكرم والتعامل الحسن والحماية وأرقى أنواع الرعاية، فذاب بعضهم مع الأهالي، واعتنق بعضهم الإسلام، وغير اسمه، وارتدى ملابس أهل الجزيرة، وتأثر بلهجتهم، وحفظ جواهر قصائدهم، وتطبع بأخلاقهم. وقد وثقت بعض التجارب شيئا من تفاصيل اندماج بعض المسشترقين وتركت تأثيرا عميقا في نفوس رحالة حظوا بفرصة زيارة المنطقة والاحتكاك بإنسانها. اعتناق اعتنق عدد من الرحالة والمستشرقين الإسلام تأثراً بأهل المنطقة، ويعد الدكتور «جورج أوغست فالين فلندي» من أوائل المستكشفين الأوروبيين للجزيرة العربية في أبريل عام 1845، وكتب في مذكراته، أنه في حائل «نسي العالم كله»، كما صاحب كثيرين وتكونت له صداقات فيها، حتى أن أحد شعراء حائل قد وعده بتزويجه ابنته، وقد اعتنق الإسلام وسمى نفسه عبدالولي، وزار مكة عام 1845. وكذلك كان هناك واحد من أشهر المصورين الذين زاروا المملكة قبل نحو 88 عاما، والذي أسلم وغير اسمه إلى «عبدالله فيلبي»، وهو أغزر المستشرقين إنتاجا، ويعود له الفضل في توثيق وتسجيل كثير من المعالم في المملكة. تسميات تسمى مستشرقون ورحالة بأسماء عربية تأثرا بالمنطقة وأهلها، وقد أطلقت قبيلة الصيعر اسم «مبارك بن لندن» على الرحالة «وليم ثيسيجر»، الذي خرج من الربع الخالي بكتاب وثق فيه بالصور المعلومات المهمة عن حياة القبائل، وهو كتاب الرمال العربية، الذي يعد مرجعاً مهماً حول الربع الخالي بكافة تفاصيله. فيما ظل المستشرق التشيكي «الويس موزيل» مع قبيلة الرولة طويلا باسم الشيخ «موسى الرويلي»، وله مؤلفات كثيرة عن تراث الشرق، وما شاهده خلال إقامته، وأيضا له صور بالزي البدوي، ولا تكاد تميزه في شكله وهيئته عن أهل البادية العربية، حيث أجاد الملبس وكذلك الشكل. أما المستشرق والضابط الألماني كارل رسوان فقد عاش مع قبيلة من الشمال فترة طويلة، خلال 22 عاما زارهم 11 مرة، في كل مرة يقيم بين أسابيع قليلة وأشهر طويلة، وأصبح واحدا منهم وله معهم أخبار طويلة سواء الشيخ النوري بن شعلان أو ابنه نواف النوري أو حفيده فواز بن نواف النوري الشعلان، وسجل عنهم أخبارا في غاية الأهمية. صور يعد أشهر وأول من صور الحرم المكي، رغم أنه لا يعد من المستشرقين الأجانب، العقيد محمد صادق، قبل نحو 137 عاماً، حيث التقط صوراً للحرمين عام 1880، وزار المملكة ثلاث مرات ما بين 1860 و1880. برودة اكتشف الرحالة والشاعر الإنجليزي «تشارلز داوتي» في عام 1888، غرفة تحتفظ بالبرودة طوال أيام السنة، في أحد مداخل جبل «إثلب» بمدائن صالح، ويعود ذلك إلى أسلوب بنائها الفريد فواجهتها شمالية لا تدخلها الشمس أبداً، مما يعطي شعوراً عميقاً بالأمن والهدوء، ويجعل المكان مهيباً بشكل كبير، فيما يتيح تسلق الجبل منظراً وميزة إضافية عبر إطلالته الرائعة. الأهم من أهم الرحالة والمستشرقين الذين اهتموا بالمملكة، المؤرخ «ديودور الصقلي» الذي يرى أنّ الأنباط أول من استوطن مدائن النبي صالح وعمروها. ويعد وليم ثيسيجر آخر مستكشفي الجزيرة العربية، وقد عبر الربع الخالي أكثر من مرة، وقام برحلات في نجد وعسير خلال إقامته في المملكة بين عامي 1936 و1950. وكان «جورج والن» من أوائل الرحالة الذين قدموا إلى حائل عام 1845، وألف كتاباً سمَّاه (صور من شمال جزيرة العرب)، ليأتي بعده ب18 عاما الإنجليزي «ويليام بالجريف» ويكتب بعض مذكراته من حائل. اهتمام أخذت بعض المواقع اهتماماً أكبر من لدن الرحالة والمستشرقين؛ بالنظر إلى سمعتها المبكرة، وحيوية نشاطها التجاري والثقافي، لذا حظيت بمزيد من التعمق في تاريخها بفضل الأدوار التي بذلها المستكشفون، مما أسهم في توثيق جوانب من قصصها وطبيعة الحياة فيها. وتعد مكةالمكرمة والمدينة المنورة من أكثر المواقع تصويراً لدى الباحثين من المستشرقين، لمكانتهما الدينية، وتقدم طرائق المعيشة فيهما، وقد وثق المستشرقون المواقع في الأماكن المقدسة والمباني، وشكل الحرم المكي والنبوي قبل 150 عاما بصور واضحة ونقية. كما كان لشمال المملكة نصيب جيد من تواجد المستشرقين والعيش مع القبائل التي تتنقل هناك مع الإبل والغنم. وأيضاً حازت «الرياض والقصيم» على نصيبٍ جيد من توثيق المستشرقين عبر الصور لهذه المواقع، حيث وثقوا بها المنازل الطينية والمزارع والأسواق والحياة اليومية.