مرت مجتمعاتنا ولا تزال تمر بتغيرات متسارعة يخشى إن تفاقمت أن تؤدي إلى انقلاب في كثير من المفاهيم الإيجابية المستقرة في المجتمع والمستمدة من القيم الإسلامية والعادات العربية الحميدة التي أثبتها الإسلام لاتساقها مع مبادئه الكلية في نفس الوقت الذي ألغى تلك العادات العربية الجاهلية السلبية السائدة قبل الإسلام. ونتيجة لهذه التغيرات التي زاد من حدتها وتسارعها هذا الانفتاح الإعلامي الواسع والذي جلب لنا قوالب وحملات إعلامية مبرمجة ومدروسة تصب جام تركيزها لكسر الحواجز الاجتماعية المحافظة في المجتمع مع تمحور برامجها ورسائلها الإعلامية الموجهة نحو الشباب من الجنسين من أجل ضمان نتائج مستقبلية ناجحة قد ظهرت معالمها البائسة بارزة للعيان في شكل ممارسات ومواقف تصدر من بعض فتياننا وفتياتنا هي صدى لتأثيرات هذه الحملات الإعلامية المغرضة والتي لا تمت لقيمنا بأي صلة وهي للأسف في تزايد وانتشار يثير التشاؤم. لست مبالغاً في ذلك وإنما هي حقائق لا تخطئها العين يعضد مصداقيتها حجم الوقوعات المتزايدة لنوع من الأفعال الجرمية والسلوكية الخاطئة المستحدثة في المجتمع حجماً وكيفاً بقدر يجعل الراصد لها في حيرة بأيها يبدأ بالتحليل والمناقشة بهدف الوصول إلى طرح معالجات تتصدى لهذا الوضع من أجل إيقاف مدة الكاسح أو على الأقل التخفيف من غلوائه وفق عمل جمعي وجهد كلي منظم رائده الإصلاح والتصدي لهذه الحملات الإعلامية المغرضة ليس بحجبها فحسب بعدما تخطت الحجب ودخلت معاقل الحصون بل عن طريق جهد فاعل حثيث لخلق بدائل فعالة تصيغ العقول والمفاهيم وفق قيم المجتمع ومبادئه بما يحمي المجتمع من هذه الحمى الإعلامية المستعرة التي إن فرطنا في التغاضي عن مخاطرها فسنجني الندم في وقت لا تنفع معه ساعة مندم واللبيب من وعض بغيره وتدارك أمره في زمن التدارك وقبل فوات الأوان. ومما لفت نظري بعد المتابعة والرصد انقلاب حاد وخطير في نظرة كثير من فتياتنا لمشروع الزواج - إن صح التعبير - صحيح أن هذا المشروع يعد أهم مشروع في حياة الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة مما يلزم معه أن يعطي قدراً من الحرص والاهتمام في اختيار الشريك المناسب في هذا المشروع الحياتي المقدس الذي على ضوئه يتحدد نمط حياة كلا طرفيه، إلا أنه لا ينبغي أن يتحول ذلك إلى مجرد مظهر من مظاهر الترف الاجتماعي الزائف. فعقد الزواج بما يحتويه من مضامين إنسانية وروحانية ينبغي أن يكون له نظرة أرقى من كونه مجرد عقد مادي بحت. لقد كانت حياة الأوائل في مجتمعنا حياة بسيطة بمعنى الكلمة يغلب عليها العوز والفقر ومع ذلك كانت تسودها مظاهر الود والتكافل حتى غدا الطلاق عندهم لا يذكر لقلة حدوثه كما أن مظاهر العنوسة والتأخر في الزواج لكلا الجنسين شبه معدومة! صحيح أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى حدوث هذا الوضع الجديد بكل ما فيه من رزايا، لكن المشكلة الحقيقية والخطيرة في نظري أن يكون سبب بعض هذه المظاهر السلبية ليس نتاج ظروف اجتماعية طبيعية قد تكون عذراًَ شافعاً لهكذا وضع لكن أن يصل الأمر إلى أن يكون نتيجة تغير في المفاهيم والقناعات في النظرة للزواج فهذا هو بعينه محور الإشكال. كيف بفتاة لم تبلغ العشرين لا تفكر إلا في زوج مترف ذي مال مهما بلغ سنه ومهما تدنى تعليمه من أجل أن يحقق لها بعض المظاهر المادية المترفة كالخدم والسائقين والسفريات وهلمَّ جرا! دون أدنى تفكير في مآلات تلك الحياة وجوها العام في الحاضر والمستقبل. ثم كيف بصنف آخر من الفتيات اللاتي بلغن من العمر مبلغاً متقدماً وقد يكون بعضهن مطلقات أو أرامل ثم يقيدن أنفسهن بقيود من المواصفات الشكلية والجانبية بقدر يفوت عليهن فرصاً للزواج كان من الأولى بهن استثمارها قبل فوات الأوان. إن إعطاء الفتاة قرارها المستقل بشكل مطلق رغم ما فيه من مميزات تكفل لها الحق في اختيار شريك حياتها إلا أن المبالغة في ترك العنان على الغارب بهذا الشكل قد يفضي إلى مفاسد لا تحمد عقباها ما لم يكن لولي الأمر العاقل الحكيم تأثير إيجابي يحمل الفتاة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تسويف أو تردد لا ينفك عن طبع ملازم للمرأة بتأثير تكوينها الذي يغلب عليه الحس العاطفي المتخوف. إن كثرة حالات الفشل الأسري والطلاق رغم دور الرجل المحوري فيها بتخليه وضعفه عن تحمل المسؤولية في هذا الزمن إلا أنه لا يمكن تبرئة الفتاة من دور سلبي عمَّق هذه الظاهرة بتمرد قد تبديه نتيجة استغنائها بدخل وظيفي أو بسبب مطالب لا تنتهي رائدها اللهث وراء كماليات زائفة أو استشراف لحياة ترفيه مثالية يغريها بتمني تسنمها أحلام تغذيها بها صويحبات لها قد أخذ منهن الانغماس في الشهوات مبلغه لعيش استقراطي يحفلن به بفعل علو مادي بلغته أسرهن بشكل مفاجئ غير متدرج فأحدث لديهم فجوة حضارية جعل همهم التمسك بقشور الحياة بحثاً عن سعادة مفقودة فانخدعوا بها وخدعوا غيرهم ممن لم يبلغ مبلغهم المادي وهم لم يحصلوا على السعادة المنشودة فتعب من جاراهم دون طائل، وما دروا أن السعادة ليست مظاهر مادية مهما بلغت حينما تفقد السكينة والمودة. إن لدى فتياتنا وصفة استشارية من أعظم معلم على وجه الأرض إذا التزمنا بها نلن مبتغاهن بحياة سعيدة مستقرة والمتمثلة في قول رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..) الحديث. فلم يكتفِ عليه الصلاة والسلام بشرط الدين فقط بل ثنّى بالخلق الذي يعد محوراً مهماً في الحياة الزوجية إذ ليس كل متدين خلوقاً، كون الخلق في مجمله طبع جبلي يزيده التدين تهذيباً ورشاداً. ولا ينفي ذلك الإقرار بعوامل ومعايير أخرى مساعدة تحدد اختيار الزوج المناسب كالتوافق الاجتماعي والتعليمي والعمري وتوفر قدراً من المستوى المادي المعقول لكن لا ينبغي أن تكون المعايير المادية هي العنصر الأساس في قرار قبول الزوج من عدمه بفعل هذه الحياة المعاصرة التي طغت فيها المظاهر المادية الجوفاء كون المبالغة في هذه الجوانب لها مردودات سلبية كارثية على البنيان الأسري والأخلاقي في المجتمع المسلم. ينبغي للفتاة إذا كانت حريصة على بناء حياة أسرية سعيدة تحفها السكينة والمودة أن يكون نصب عينيها عند اتخاذ قرار الزواج الانطلاق من معيار موضوعي متوازن بعيدا عن المثالية المفرطة بل يكون جل تركيزها على معرفة شخصية الرجل المتقدم لها عقلاً وسلوكاً، صحيح أن في ذلك صعوبة بالغة خاصة إذا كان الشخص المتقدم غريباً عن بيئتها المحيطة لكن الفاحص المتفرس من ذويها حينما تعتمد عليه سيكون قادراً بإذن الله على الوصول إلى قدر معقول من التقييم المبدئي وفق معطيات ومعلومات لا تخفى، مع توكل وتفويض مطلق لله سبحانه واستخارة واستشارة ومن ثم عزم أكيد واثق على اتخاذ القرار المناسب ومع هذا فلا أبخس فتيات حق الإشادة بهن وهن كثر بحمد الله لم يعرن هذه العوامل الزائفة أي اهتمام بل إن ما يتميزن به من وعي وعقل راجح قد هداهن بتوفيق الله إلى قرار صائب فاخترن الزوج المناسب ممن تقدم لهن وفق معايير شرعية فحظين بالتوفيق والسعادة وهن طلائع قدوات لبني جنسهن. فحري بفتياتنا وهن حفيدات أمهات مربيات نهلن من سيرة خير سلف من زوجات الأنبياء والصحابيات الكريمات أن تكون همتهن عالية كما الثريا لا يخدعهن سيل خادع من كلام معسول يستفرغه فئام من بني قومنا أشباه رجال ونساء ظاهره فيه الرحمة والإصلاح وباطنه هوى وفساد عظيم لا ينفك عمن استوحش من خصال الفطرة الطاهرة فابتغى نمطاً من العيش مادي الطابع غربي النكهة لا يجمع أواصره إلا حب زائف كسراب خادع بقيعة لا يلبث إلا أن يتجلى عن حسرة وندامة، فعليك أختي بالتمسك الواثق بالشرع الإلهي والهدي النبوي واعلمي انه لن يصلح أحوال هذه الأمة إلا بما صلح به سلفها في جليل الأمور ودقيقها ولكل وجهة هو موليها فلا تجهدي بالركض إلا في ميدان فسيح بائن المعالم حتى تصلي بحول الله إلى الهدف المنشود بأقل جهد وتضحية. والله الموفق،،، ص . ب 31886- الرياض 11411 - فاكس: 4272675