تشكل تكاليف الزواج كابوسا مزعجا لغالبية الشباب من ذوي الدخل المحدود في المملكة، فحينما يخطط الشاب لمستقبله مع زوجة تشاطره حياته يصطدم بالتزامات مادية تبدأ ب«المهر والشبكة والأثاث والولائم والحفلات»، إضافة لما تفرضه العادات والتقاليد والأعراف، أو حتى المظاهر الاجتماعية من مصاريف يصعب على الشاب تحملها وحده، الأمر الذي يعكر صفو الحياة الزوجية للشاب قبل أن تبدأ. حيث تعيش بعض الفتيات في مستوى مادي عال قبل الزواج وخلال فترة «الزفاف وشهر العسل»، ثم انخفاض هذا المستوى بشكل مفاجئ أثناء الحياة العادية وما فيها من مشاكل اقتصادية وصعوبات، والذي ينعكس سلبا على الحياة الزوجية ويساهم في خلق مشاكل كثيرة قد تنتهي بالطلاق وذلك خلال الأشهر أو الأيام الأولى من الزواج. استطلعت «اليوم» ضمن الملف الشهري السابع عشر «الأعراس.. والتكاليف الخفية»، آراء المختصين حول هذا الجانب، إذ أكد حجّي طاهر النجيدي، مدير مركز التنمية الأسرية بالعمران وما حولها، أن 46% من الخلافات الزوجية سببها الظروف المادية. وقال النجيدي: «استقبل مركز التنمية الأسرية بالعمران وما حولها 25747 حالة في الاستشارات الأسرية والنفسية وإصلاح ذات البين وتأهيل المقبلين على الزواج ودورات تطويرية وندوات ومشاركات مختلفة منها 334 حالة خلافات زوجية كانت محكومة بالنسبة للزوجين بالطلاق لكن نجح المركز في 233 من هذه الحالات في إنهائها بالصلح والتراجع عن قرار الطلاق بنسبه 70% وكانت نسبة 46% من هذه الخلافات سببها ظروف مادية، فمسؤولية الإعلام وخطباء المساجد والكتاب تتوجب إعطاء جرعات إضافية في التنبيه عن البذخ والإسراف غير المحمود. أسباب الطلاق مبينا أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق سببها الخلافات المادية، وفي الغالب تكون بفعل تراكم الديون على الزوج نتيجة الضغوط التي مورست عليه في الخطوبة والزواج من قبل الزوجة وأهلها بمفهوم «أننا لا نحب أن تكون ابنتنا أقل مستوى من قريباتها أو صديقاتها في حفل الزواج»، والذي يعود إلى حب المظاهر المزيفة. وأضاف: «هنا يتحمل الزوج أعباء هذا التمظهر بديون وقروض يصعب عليه تسديدها أو جدولتها ثم تتحول إلى ضغوط نفسية تنعكس على استقراره الأسري وعلاقته الزوجية التي تبدأ بعدها المشاكل والخلافات نتيجة لهذه الظروف التي يمر بها الزوج وتؤدي في النهاية إلى الطلاق». وتطرق النجيدي إلى أن أسباب الطلاق متعددة ومختلفة، وقال: «نفتقر في المملكة إلى المراكز المتخصصة في الدراسات العلمية عن نسب الطلاق وأسبابه، كذلك الحلول المقترحة التي تساعد على اتمام الزواج وتتضمن جميع المؤشرات الاجتماعية». تكلفة الزواج وتحدث المستشار القانوني الدكتور محمد بن حسين الشيعاني، عن ظاهرة الطلاق البائن في المملكة العربية السعودية في دراسة ميدانية، مبينا أن ارتفاع تكلفة الزواج تمثل نسبة 18% من أسباب كثرة وقوع الطلاق من خلال دراسة حالات بعض المطلقين والمطلقات. وتوصل إلى أن من أهم أسباب ارتفاع معدلات الطلاق المتعلقة بالاقتصاد ارتفاع تكلفة الزواج، كما أن اشتراطات أهل الزوجة قبل وأثناء وبعد حفل الزفاف من أهم الأسباب المؤثرة تأثيرا كبيرا في وئام الحياة الزوجية بعد انقضاء مراسم العرس. وأضاف: «بعد ذلك يجد الزوج أنه تورط في الديون قبل الزواج نتيجة لهذه الطلبات خاصة إذا وجد أن الزوجة لا تكف عن مطالباتها له بعد الزواج من كثرة الخروج إلى المنتزهات أو السفريات، فكل هذه العوامل تؤدي بالزوج إلى الطلاق كنتيجة حتمية للهروب من واقع مرير سببته الديون المتراكمة عليه ليقوم بتلك الشروط الثانوية القاسية والتي باتت في عرف بعض العائلات من أوجب الواجبات وبغيرها فلن يكون هناك زواج أو حفل قران». مبينا أن سبب كثرة المطالبات المالية من قبل أحد الزوجين يعود إلى سببين هما الاتكالية من قبل بعض الشباب في الاعتماد على أبيه في دفع مصروفات الزواج وتوابعه أو الاعتماد على القروض الشخصية والبنوك لسد احتياجات الزواج التكميلية. وزاد على ذلك، أن الدلال وعدم تأهيل الفتيات لما بعد الزواج ورسوخ بعض الأفكار في أذهانهن حول مسؤولية الزوج الانفاقية واستعداده لتلبية كافة الطلبات كحق زوجي لا يسقط ولا يؤجل. الضغوط المادية وأشار رئيس لجنة المحامين بغرفة الأحساء الدكتور المحامي يوسف بن عبداللطيف الجبر، الى أن العلاقة الزوجية علاقة ود خالد، وكتاب احترام متبادل، وبيت سعيد بالعواطف الصادقة والأريحية الفائقة، ومن المناسب أن تبدأ الخطوات الأولى في هذه الحياة بإنسانية بعيدة عن غلواء المادية، وإلا تشوهت مقاصد الزواج النبيلة، وتحول إلى مشروع تجاري. وقال الجبر: «من المواقف التي تابعتها في دوائر الأحوال الشخصية وجدت أن الضغوط المادية تصنع فجوة بين الزوجين، وتكسو الارتباط بينهما بألوان قاتمة، وكثيرا ما تزعزعت قواعد البيوت بسبب الخلافات المالية واستنزاف موارد الأسرة، ولأن الأمور بالبدايات فأنصح الجميع بتيسير تكاليف الزواج وتوفير المال للحياة الزوجية القادمة التي تتطلب ميزانية جارية». وأضاف: «بخصوص الفكر القضائي تجاه الاشتراطات المالية هنا، فالقضاء يعتبر ما دون في عقد الزواج عملا بالأثر المشهور (مقاطع الحقوق عند الشروط)، فما اتفق عليه الزوجان يلزم تنفيذه، مع الترغيب في المسامحة والتنازل، وأذكر هنا مواقف نبيلة جدا لأزواج تجاوزوا الحب الجم للمال وتنازلوا لمصلحة ديمومة الزواج واستقرار أركانه ومراعاة للأولاد، وهذا هو منطق العقل الإنساني». حالات الزواج والطلاق وقالت الباحثة القانونية والأكاديمية رحاب الرحيمي، تشهد كثير من المحاكم مشاكل أسرية متنوعة وبشكل يومي تدور معظمها حول القضايا الأسرية، ومن ضمنها قضايا الطلاق، إذ كشفت بيانات إحصائية صادرة من وزارة العدل إجمالي صكوك الطلاق بين السعوديين الصادرة في مختلف محاكم المملكة خلال العام الماضي ب40394 صك طلاق، وإجمالي عقود النكاح التي تمت العام الماضي ب133687 عقد نكاح. وأضافت: «هذه النسبة لصكوك الطلاق تعتبر نسبة مخفية في مجتمعنا، وإذا نظرنا إلى سبب الطلاق قد لا نستطيع تحديد سبب واحد، فهي عدة أسباب ومن وجهة نظري قد تكون تكاليف الزواج المبالغ بها سببا من أسباب الطلاق، فقد تجد أحيانا أهل الزوجة مثلا يطالبون أو يشترطون أن يقام حفل الزواج بصالة معينة أو أن تكون أطباق الحلوى من محلات معينة». الأهل والتكاليف الإضافية مبينة أن تلك الأمور تعتبر تكاليف اقتصادية مرهقة للزوج من دون أي اعتبار للالتزام بالمعايير الواقعية، وللاستشهاد فقد وردني عدد من الاستشارات بهذا الخصوص، فتيات يطلبن الطلاق بضغط من أهلهن لأن الزوج لم ينفذ شروطهم الخاصة بحفل الزواج، فالواجب على الأهالي مراعاة أن الرجل لديه التزامات أهم بكثير من تلك الأمور الثانوية. ومن ضمنها المهر وتأمين سكن خاص وغيرها من الالتزامات، فاختصار حفل الزفاف على أهل الزوج والزوجة والأقرباء وبعض الأصدقاء المقربين قد يخفض مصروفات الزواج، فتنظيم حفل زفاف كبير وبتكاليف باهظة ليس من الأمور الرئيسية، فللأسف أي مشروع زواج يبنى على المظاهر قد يكون مصيره الفشل. وبينت الرحيمي، أن الهدف من الزواج هو سُكنى الرجل للمرأة، ومودة ورحمة، وبناء أسرة، وليس مباهاة في ليلة الزواج بمبالغ طائلة، فالهدف ليس الماديات التي تصرف في هذه الليلة وتكون وبالا على الزوج والزوجة، وقد يُهدم هذا الزواج لأن الزوج سيتحمل مبالغ كبيرة من أجل المفاخرة. عواقب «الهياط» وأشارت إلى ان المبالغة وصرف الأموال الطائلة تثقل كاهل الرجل وتشرع باب القروض المالية من البنوك على أوسع أبوابها والاستدانة من الآخرين مما يؤدي إلى الدخول في قضايا ومطالبات مالية، وقد يصل الأمر بسببها إلى إيقاف خدماته وتعطل مصالحه، وفي نهاية الأمر قد يكون السجن مصيره إذا لم يقم بسداد هذه الديون، كل هذه المعمعة كانت بسبب التكاليف أو ما نسميه بالعامية «الهياط» من أجل ألا تكون الزوجة أقل من قريناتها، فالحياة الزوجية لا تبنى على المظاهر الزائفة وإنما تبنى على الحب والحنان والصبر والكفاح وتقدير الظروف والسير في خط متوازن مع متطلبات الحياة. ارتفاع المهور والمباهاة أمر شاق على الشباب ويرى المأذون الشرعي لعقود الأنكحة الدكتور نواف دخيل الله السلمي، أن من خلال عمله كمأذون أنكحة ومصلح أسري منذ زمن تنحصر العقبات في عقبات اجتماعية وثقافية ونفسية واقتصادية، ومن أهم العقبات ارتفاع الصداق والمهور والمباهاة بذلك وهو أمر على كاهل الشباب شاق وعلى عواتقهم بالديون لا يطاق. وأضاف: «لذا جاءت الشريعة الغراء والسنة السمحاء بالدعوة للتيسير في المؤونة طلبا للبركة واستجلابا للهداية، كما أن الحديث عن الزواج حديث ذو شُجُون ولكن لابد أن يُعلم أن الشرع والعقل والعرف يدعو للتيسير في النكاح وإزالة العقبات والمعوقات له». أحاديث الزواج مستشهدا على ذلك بأحاديث صحيحة، فقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلا بما معه من القرآن، وقال لآخر: «التمس ولو خاتما من حديد»، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وأنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور. النكاح لبناء الحياة موضحا أن النكاح ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر، كما أنه أمر تقتضيه الفطرة، قبل أن تحث عليه الشريعة، إنه حصن وهدوء وألفة وسمو، مبينا أن الزواج، سنة العالمين والبشرية على مر السنين، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طَول على النكاح لتزوجت، كراهية أن ألقى الله عزبا». ومن نافلة القول أنه ينسحب بموضوع غلاء المهور الشروط الصعبة والشاقة التي تُوضع على الزواج حتى جعلته بيعا وشراء وليس حبٌا وصفاء، وقد مرت بي شروط عجيبة واختراعات جديدة غريبة وضعت الزواج في أول عتبات الفشل وبدايات الخوف والوجل فليتق الله أولياء الأمور وليشتروا السعادة لبناتهم بدل الشقاء بالتيسير ثم التيسير ثم التيسير في المهور والشروط وحفلات الزفاف. إحصائيات حديثة أما النسبة للزواجات التي باءت بالفشل فأقول لم يمر علي عقد كان يسيرا ميسرا وفشل وبالمقابل فعقود كثيرة لم يكتب لها الاستمرارية من التكلف والتعقيد والمغالاة، ونقل في تصريحه ل(اليوم) أن عدد قضايا الطلاق في محاكم الأحوال الشخصية ودوائر الأحوال الشخصية في المحاكم للعام الماضي، بلغت 35268 قضية في حين تم توثيق 133687 عقد نكاح «زواج» في العام نفسه. مضيفا ان نسبة الطلاق وصلت إلى 26.3%، ويرى أن نسبة 45% منها بسبب ارتفاع المهور والشروط الاستعلائية والتعقيدية من الطرفين، كما يجب أن تقوم الجهات المعنية بدور تكاملي من وزارات الدولة الشؤون الإسلامية والاجتماعية والعدل والداخلية وغيرها بالتعاون ووضع الضوابط لذلك دون إخلال وجفاء. شروط الفتيات والعنوسة في حين يجمع عدد من الشباب المقبلين على الزواج على أن هناك عدة أمور دخلت على المجتمع السعودي مؤخرا فيها الكثير من الظواهر السلبية التي تتجاوز حدود المغالاة في طلبات الزواج الكثيرة وارتفاع المهر وأسعار السكن إضافة إلى ارتفاع أسعار الذهب في السوق العالمية التي أثقلت بشكل كبير على الشباب مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وعدم قدرة الشباب على استيفاء جميع الطلبات. والأشياء المطلوبة منهم في مقتبل العمر جميعها أمور أدت إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، إضافة إلى السكن في شقة فاخرة ووجود الخادمة والسائق، حيث أدت إلى وجود ظاهرة العزوبية وذلك نتيجة طبيعية لما يعانيه الشباب من ظروف يصعُب معها- بل يكاد يستحيل- على الكثير منهم توفير مسكن مستقل بعد سنوات طويلة من العمل أو توفير تكاليف الزواج الباهظة. حيث إن معظم الشباب يعانون هذه الأيام ظاهرة الغلاء في متطلبات الزواج، كما أن الشاب إذا فكر في إتمام مراسم زواجه فعليه في البداية أن يوفر ميزانية، للوفاء بمطالب أهل العروس، الأمر الذي بات يرهق كاهل المقبلين على الزواج، ويضعهم مرغمين تحت طائلة الديون، وكثرة التكاليف أدت إلى هذه الظاهرة الغريبة ولم تكن معهودة من قبل. وإن مظاهر المغالاة في المهور وحفلات الزواج وغلاء الأسعار وارتفاع أجور السكن لا تزال من الأسباب المباشرة في تأجيل كثير من الشباب فكرة الزواج، بل والإقلاع تماما عن الفكرة لدى بعضهم، والكثير من الشباب الراغبين في حياة زوجية مستقرة يواجهون صعوبات في توفير فاتورة الزواج تضاف إلى ذلك تكاليف صالات الأعراس النسائية والرجالية بأجورها الخيالية، ناهيك عن متطلبات الزواج من ذهب وهدايا وحفلات ما قبل وما بعد العرس. مجموعة من العرسان تم زفافهم جماعيا بالأحساء جزء كبير من مهور النساء يذهب على الملابس والإكسسوارات الديكورات المبالغ فيها تكلفة اضافية ترهق الطرفين