جميل تفاعل الأمة مع هذا الحدث العظيم والمصاب الجلل، حينما اغتالت يد الغدر والخيانة الصهيونية هذا القائد الفذ والمجاهد المقدام الشهيد الحي بإذن الله شيخ المجاهدين في أرض الرباط في أكناف بيت المقدس الشيخ الجليل أحمد بن إسماعيل ياسين، إن هذا التفاعل والتأثر البالغ يدل على وعي الأمة ومعرفتها لقدر أبنائها ورجالها المخلصين، إلا أن تاريخ الأمة المعاصر، ومع تتابع سقوط رموز الأمة سواء من المجاهدين أو العلماء العاملين، نجد أن هذا الاهتمام والاحتفاء بهؤلاء القادة لا يبين بجلاء معبر إلا بعد موتهم، وقد لا يتجاوز الحزن المؤقت، ثم ما يلبث الحال إلا أن يعود كما كان. ليس معنى ذلك أن نطالب بعدم التأثر لفقدهم والحزن لفراقهم، فهذا شعور فطري لا يمكن تجاهله، وهو شعور إيجابي إذا ما أثمر عن عمل مضاعف لسد الفراغ الذي خلفه فقد هذا العلم سواء بمثله أو بعمل جماعي إذا عز القائد الفذ، لكن ينبغي على الأمة أن يكون لديها الإدراك الكافي لقيمة ودور قادتها المخلصين والحاجة لهم في قيادة الأمة لأن من يتصف بمؤهلات القيادة المطلوبة يعد نادرا في بني البشر، ولهذا تجد الأمم الواعية تبجل قادتها المخلصين، وتحرص على الحفاظ عليهم، والرفع من شأنهم لدى العامة، لما في ذلك من مصالح عظيمة لوحدة الصف وجمع الكلمة وتقوية الكيان. إن الأمة تعاني بحق من أزمة قيادات، ولذا تصدر للتصدي لقضاياها من ليس أهلا للقيادة، فأوقع الأمة في نكسات متتابعة لا تزال تعاني من آثارها. إن مثل الشيخ أحمد ياسين- رحمه الله- عملة نادرة، ولذا حرص المكر اليهودي على التخلص منه، ومع اغتباطنا بنيله الشهادة التي كان يطلبها خاصة في هذا العمر بعد أن أبلى بلاء حسنا في سبيل أمته وقضيتها المحورية قضية القدس الأسير، إلا أن الأمة فقدته كقائد رمز له رأي راجح ومواقف راشدة يهتدى بها في الليالي المدلهمات، إلا أن ما يخفف عزاءنا هو أن هذه الأمة أمة معطاء، لا تعدم أن تنجب الأفذاذ من الرجال، ولكن لندرتهم لزم الأمة أن تقدر لهم قدرهم ليس بعد مماتهم فحسب، بل وأثناء حياتهم حتى نستفيد من قدراتهم، ونشد من عضدهم للوصول بالأمة إلى طريق المجد والريادة ومواجهة التحديات بعزيمة وثابة وقيادات راشدة، إنه لمن المؤسف حقا أن تجد الكثير من أبناء الأمة لا يدرك أهمية وجود الرمز القائد المخلص في زمن الصراع والمواجهة إلا عند فقده، خاصة في هذا الزمن الذي عز فيه الإخلاص وندرت الأمانة، إن التفاف الأمة حول قيادتها وانقيادها لأمرها دون شقاق أو مخالفة دليل فأل حسن للأمة، بخلاف ما إذا دب الخلاف بين القيادة والأتباع، فإنه نذير شر ودليل فشل مؤكد. إن أمتنا تمر بتحديات وتحولات تاريخية لا تقبل فيها أنصاف الحلول أو التلهي ببنيات الطريق، فالأمر جد وليس بالهزل، لا يكفي لاسترداد حقوقنا المسلوبة ودمائنا المسكوبة النحيب والحزن أو تسطير القصائد الرنانة التي وإن كان لها دور في الحماسة ورفع الهمم، فإن فاعلية ذلك كانت أبلغ في الزمن العربي القديم، أما الآن فإن العنصر المهم في الصراع هو امتلاك القوة بما تعنيه ويشمل ذلك جميع عناصر القوة المادية والمعنوية. ها هي دماؤنا تسيل بتزايد مطرد في كل أرض ليس ذلك بأيدي أعدائنا فقط لهان الخطب ولم نعدم الحيلة لوقف هذا النزيف الدامي، ولو بعد حين لكن الخطب يعظم والمصيبة تشتد حينما يكون سيل هذه الدماء ينزف بفعلنا وبأيدينا في معارك وصراعات يؤججها العدو مستغلا فرط حمقنا وجهالاتنا فيستنيبنا لقتل بعضنا حتى نؤدي دوره المرسوم للقضاء علينا، وكلنا خاسر، فما أتعسنا في هذا الزمان بعدما وصلنا لهذا الوضع المشين، إن فقدنا للوعي الحضاري واختلاف كلمتنا وتناحرنا على أهداف وهمية ومطامع شخصية أوصلنا إلى مستوى من الضعف والذل بقدر لا نحسد عليه، حتى وصل بنا الحال إلى أن نستجدي من عدونا الذي ينحرنا المساعدة والتأييد. أؤكد ها هنا أنه لن ينتشلنا من هذا الوضع المأساوي إلا ما عز به الأولون من أمتنا، ينبغي ألا ننتظر معجزة إلاهية تغير وضعنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والتغيير المطلوب منا لنيل العزة المفقودة وحسب السنن القدرية والكونية وأحداث التاريخ يقتضي منا الحصول على مؤهلات التغيير وتتمثل في عنصرين لا ثالث لهما، هما يسيران لمن يسرهما الله له، إذا صدقت النيات، وقويت العزائم أحدهما التمسك الواثق بدين الإسلام وأخذه بقوة وقناعة وشمولية، وثانيهما الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تحصيل القوة العلمية والمادية وفق مبدأ كتاب يهدي وسيف يحمي، ليس ذلك تنظير منا لحلم وأماني، تراودنا لكنه الحق المبين الذي لا شك فيه ولا ريب، وسيجهد بنا المسير دون طائل إذا تلهينا ببنيات الطريق عن اتباع هذا المنهج الواضح، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، لكن الأمل لا يزال يحدونا لوثبة من الأمة تضمد الجراح وتكفكف الدموع وتعيد الحق إلى نصابه بأن تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس تقودهم إلى الهدى والخير، وتحكم فيهم بالعدل وفق التكليف الرباني الذي يحتاج إلى استحقاقات لم تتوفر للأمة بعد عسى أن يكون ذلك قريبا بحول الله. والله الموفق... ص.ب 31886 الرياض 11418-فاكس 4272675