لقد أصبحت المؤلفات الفارسية منذ القرن الخامس الهجري تنافس أخواتها العربيات في مختلف ابواب الثقافة الاسلامية فقل ما وجد عالم ايراني لم يؤلف كتبا فارسية الى جانب مؤلفاته العربية، فلو أخذنا امثال الإمام ابي حامد الغزالي وابي الريحان البيروني والشيخ الرئيس ابو علي بن سيناء لرأينا اوضح الأدلة الى ماذهبنا اليه. والسبب في بروز هذه الظاهرة العلمية لدى الفرس وغير الفرس ترجع الى حقيقة ان الامم الاعجمية عندما اعتنقت الاسلام لم تصبح عربية بمجرد اعتناق الاسلام والايمان بالرسالة المحمدية بل ظلت محتفظة بلغاتها الام الى جانب تعلمها للعربية لغة الدين والعلم والادب. ولو التمس الباحث دور المؤلفات التاريخية الفارسية في اضاءة جوانب هامة من التاريخ الاسلامي، لوجد ذلك الدور ظاهرا بيناً في الموضوعات الفارسية التي تعد بحق مكملة للموضوعات العربية, وقد تناول المرحوم الدكتور ابراهيم امين الشواربي عميد الدراسات الفارسية في العالم العربي، هذا الموضوع منذ نصف قرن ونشره في مجلة كلية الآدب جامعة الملك فؤاد سابقا جامعة القاهرة حاليا. فالمغول منذ ان خرجوا من مواطنهم في آسيا عام 614هْ وظهور الفاتح الدموي جنكيز خان، وقيام الايلخانات في ايران وبسط سيرة المغول فيما وراء النهر الى سقوط بغداد, كل هذا التاريخ الطويل المفعم بالاحداث الدامية قد كتب بتفصيل مذهل وعجيب باللغة الفارسية التي يجهل المثقفون العرب الكثير عنها. فلو رجع الباحث العربي الى كتاب مثل (كشف الظنون في سماء الكتب والفنون) لحاجي خليفة لأدرك اهمية بل حتمية الرجوع الى المصادر الفارسية ليعرف دورها في تكميل مصادر دراسة الثقافة الاسلامية، فالى جانب الكتب العربية الامهات التي يرصدها صاحب الكشف نجد ثبتاً آخر بأسماء الكتب الفارسية التي تتناول نفس القضايا حيث اشبعتها بحثا ودراسة وتحليلاً بحيث لايعذر الباحث الجاد اذا لم يعرج عليها. والآن من هو البيهقي؟ هو أبو الفضل محمد بن الحسين البيهقي الكاتب ، ولد سنة 385هْ في قرية حارث آباد في مدينة بيهق تلقى العلم على يد كبار علماء مدينته، التحق بديوان الرسائل في عهد السلطان محمود الغزنوي، كان البيهقي شديد الذكارء ذكاء لفت اليه نظر استاذه ابو نصر بن مشكان رئيس ديوان الرسائل. وقد ظل البيهقي يترقى في ديوان الرسائل الى ان اصبح رئيسا لذلك الديوان، حيث الف تاريخا من اعظم التواريخ التي ألفت في اللغة الفارسية الحديثة. من القواعد الصارمة التي كان يسير عليها البيهقي خلال تدوين تاريخة الذي عرف بتاريخ البيهقي، هو اتباع المنهج الدقيق الصارم في نخل الاخبار قبل كتابتها وجرح الاحداث وتعديلها ونقدها وتنفذها. ولقد ادرك البيهقي خطورة البحث التاريخي يقول في مقدمة تاريخية: .لا توجد في كتب التاريخ الفارسية حسب علمي هذه التفاصيل الدقيقة لأن المؤرخين السابقين كانوا يكتفون بذكر نتف قصيرة غير مشبعة، اما أنا فحين شمرت لتأليف هذا الكتاب فقد جلت في الزوايا وفتشت ليس خبايا تاريخ ايران فحسب بل كل تاريخ يتناول حياة الامم المعروفة وقع في يدي. كان البيهقي على دراسة واسعة بكيفية استنطاق الوثائق التاريخة وترجع الروايات بعضها على بعض، ونقد المادة التاريخية الخام التي تعامل معها لم يكن يقبل الروايات علي علاتها بل كان يستعين بميزان الجرح والتعديل ذلك الميزان الحساس الذي اخترعه علماء الحديث النبوي الشريف وتابعهم عليه كثير من الباحثين في فروع الثقافة الاسلامية المختلفة. ان تاريخ البيهقي يعد احد معالم التاريخ الاسلامي، لايسع الباحث في التاريخ الاسلامي جهله او الاستغناء عنه. ومن حسن الحظ فقد قام استاذي المرحوم الدكتور يحيى الخشاب احد الرعيل الاول في الدارسات الفارسية في مصر بنقل تلك الموسوعة التاريخة الى اللغة العربية فجزاه الله خيرا ورحمه.