الكتاب: الأسماء والصفات. المؤلف: الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي. المحقق: عبدالرحمن عميرة. الناشر: دار الجيل. بيروت 1997 لا شك أن الإنسان يحتاج الى طبائع متعددة، حتى يستطيع أن يكون في مستوى مسؤولياته التي أوكلت اليه، أو تلك التي ندب نفسه من أجل الاضطلاع بها كمهام، يشعر بالخسارة، كلما شعر بعجزه حيال تحقيقها في الزمان والمكان. فهناك مثلاً طبيعة العبادة وطبيعة التفكير وطبيعة التعبير الجميل وطبيعة العمل والحركة. وهذه الطبائع تتفرّق في الناس، وقلما تجتمع في إنسان واحد على قوة واحدة. وإذا اجتمعت معاً. فواحدة منها تغلب الطبائع الأخرى، وتجعل الإنسان أسير الطبيعة الأقوى في ذاته. الإمام البيهقي والإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، الذي هو من أعيان القرن الخامس الهجري وأعلامه، كان يجمع في ذاته هذه الطبائع والصفات جميعاً، فهو عابد ومفكر وأديب وشاعر، لا يهدأ من كثرة العمل والانشغال بالشؤون الإسلامية المختلفة، وكانت ولادته في "بيهق" عام 384ه. وهي ناحية من نيسابور، وقصبتها خسرو جرد بفارس. ومعنى "بيهق" بالفارسية: الأجود. وقد ذكر المؤرخون عن الإمام البيهقي، انه كان في طفولته حاد الذكاء، متقد الذهن، يتردّد على حلقات العلماء ومنهم أبو الحسن محمد بن الحسين وأبو عبدالله الحاكم والسلمي وأبو بكر بن فورك. وعندما ارتحل الى مكّة المكرّمة، سمع من أبي عبدالله بن نظيف، ثم قام بسياحة في كثير من بلدان الإسلام، فقصد بغداد وانتقل الى خراسان، فكان شيوخه أكثر من مائة شيخ. تفقّه البيهقي على يد ناصر العمري، كما قرأ علم الكلام، على مذهب الأشعري. وعندما عاد الى "بيهق"، تولّى القضاء فيها، وقد حمده الغافر، وذكر أنه كان على سيرة العلماء، قانعاً من الدنيا باليسير، متجملاً في زهده وورعه، أمَّا الإمام الذهبي، فقال عن البيهقي: إنه واحد زمانه وفرد أقرانه وحافظ أوانه. وقد بارك مروياته وحسن تعرفه لحذقه وخبرته في الأبواب والرجال. أما إمام الحرمين الشريفين فقال عن البيهقي: ما من شافعي، إلاَّ وللشافعي في عنقه مِنَّة، إلا البيهقي، فإنه له على الشافعي منّة، لتصانيفه في نصرته لمذهبه". أمَّا شيخ القضاة أبو عليّ، وهو ولد البيهقي، فقد قال: "حدّثني والدي، قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب، يعني معرفة "السنن والآثار"، وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه أبا محمد أحمد بن علي يقول - وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة - رأيت الشافعي في المنام، وفي يده أجزاء من هذا الكتاب، وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد، سبعة أجزاء". وحين توفي البيهقي عام 458ه رأى الفقيه أبو بكر محمد بن عبدالعزيز المروزي الجنوجردي في منامه "كأن تابوتاً علا في السماء يعلوه نور. فقال ما هذا؟ فقيل: تصانيف البيهقي". وقد قيل أيضاً أن البيهقي، كان يصوم الدهر من قبل أن يموت بثلاثين سنة. وحين حضرته الوفاة، حُمل البيهقي رحمه الله الى خسرو جرد، وهي أكبر بلاد بيهق، حيث ضم ثراها جثمان هذا الفقيه الإسلامي الكبير. مؤلفات البيهقي في تقديمه لكتاب "الأسماء والصفات"، يستعرض الدكتور عبدالرحمن عميرة مؤلفات ومصنفات الإمام البيهقي التي فاقت المائة جزء كما يقول، وقد خص بعضاً منها بنبذٍ، فيها الكثير من الفائدة، لأنها تسلّط الأضواء على هذه المصنفات القيّمة والجليلة. 1 - السنن الكبرى والصغرى: وهو كتاب فقهي هام. ذكرهما الإمام السبكي فقال: ما صنف في علم الحديث مثلهما تهذيباً وترتيباً وجودة. وقد قام عدة علماء باختصار سنن البيهقي مثل ابن عبدالخالق الدمشقي والحافظ شمس الدين الذهبي والشعراني. 2 - كتاب "المعرفة": وهو كتاب معرفة السنن والآثار، الذي ذكره السبكي فقال: لا يستغني عنه فقيه شافعي. 3 - كتاب شعب الإيمان وهو المسمّى الجامع المصنّف في شعب الإيمان. وقد اختصره القونوي وابن حمويه. 4 - كتاب مناقب الإمام الشافعي وكتاب الدعوات الكبيرة، وهما ليس لهما نظير فيما سبق من المصنفات كما يقول السبكي. وللبيهقي أيضاً كتاب مناقب الإمام أحمد، وكتاب "أحكام القرآن للشافعي" وكتاب الدعوات الصغيرة وكتاب البعث والنشور وكتاب الزهد الكبير وكتاب الآداب وكتاب الأسرى وكتاب الأربعين وكتاب فضائل الأوقات. موضوعات الكتاب جعل البيهقي كتابه "الأسماء والصفات" في ثلاثة أجزاء وأكثر من ثمانماية صفحة. ويتناول الجزء الأول إثبات أسماء الله تعالى بدلالة من الكتاب والسنة والإجماع. وقد عدّد الأسماء التي أخبر النبيّ أن من أحصاها دخل الجنة. كما بين أن لله أسماء أخر. وجمع أيضاً أبواب معاني هذه الأسماء، متوقفاً عند الأسماء التي تثبت وجود الله وتبرهن على الاعتراف بهذا الوجود. وقد جعل أسماء الله في عدة مجموعات: مجموعة لإثبات الوحدانية ومجموعة لإثبات الإبداع والاختراع له. ومجموعة تتبع نفي التشبيه عن الله. وأخرى تتبع إثبات التدبير له دون سواه، كما أورد ما جاء في حروف المقطعات في فواتح السور انها من أسماء الله عزّ وجل. والبيهقي إذ يؤكد على صفة الحياة والعلم والقدرة، بالإضافة الى الجلال والجبروت والكبرياء والعظمة والمجد والمشيئة والإرداة. في الجزء الثاني من الكتاب، أورد البيهقي جماع أسماء الله عز وجل التي تثبت صفة السمع وصفة البصر والرؤية مستخرجاً ذلك من آيات القرآن الكريم: وكان الله خبيراً بصيرا سورة فاطر 31، وقوله إنني معكم أسمع وأرى طه 46. كذلك أورد ما جاء في إثبات صفة الكلام وصفة القول وصفة التكليم والتكلّم وإسماع الملائكة. وما ذكر في الذات والنفس والصورة، في قوله تعالى: إنّي سقيم سورة الصافات 89. وقوله تعالى: واصطنعتك لنفسي سورة طه 41. وقوله تعالى: إن كنت قلته فقد علمته. تعلم ما في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك، إنك أنت علاّم الغيوب المائدة: 116. واشتمل الجزء الثالث من كتاب البيهقي على ما جاء في إثبات الوجه صفة لا من حيث الصورة، وذكر العين واليدين واليمين والكف والأصابع والساعد والذراع والساق، ويفتتح هذا الباب بقوله تعالى: يوم يكشف عن ساق، ويدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم سورة القلم الآيتان 42 و43. وفي أبواب أخرى من هذا الجزء الثالث، يذكر البيهقي ما جاء في تفسير الروح وما روي في الرحم وبدء الخلق. بالإضافة الى ما جاء في العرش والكرسي والظلّ والصفّ والتقرّب والإتيان والهرولة. كذلك ذكر ما جاء في الضحك والعجب والفرح والنظر والغيرة والملال والاستحياء واعادة الخلق والصبر والظلم. منهجية التحقيق وأهمية هذا المصنف الجليل للبيهقي، ليست في مادته وحسن طباعته وخلوه من الأخطاء الطباعية تقريباً، بل في المنهجية التي اتبعت في تحقيق الكتاب، حيث أن المحقق الفاضل عاد الى أكثر من مخطوطة لهذا الكتاب. كما وقف على المطبوعة وصحح الأخطاء وصوّب التحريفات. كذلك قام بتخريج الأحاديث تخريجاً كاملاً، وتتبع آيات القرآن الكريم فرقمها وأشار الى سورها. ولم ينس التعريف بالأعلام الذين وردوا في متن الكتاب، وجلّهم من العلماء المشهورين. وقد ذيل الكتاب أخيراً بعدة فهارس، للأحاديث والأعلام والموضوعات والقرآن الكريم. فجاء هذا المصنف في حلة فاخرة، تستأهل المادة العظيمة التي جمعها بين دفتيه.