يستحيل أن يستوعبه أي عاقل فضلاً عن مسلم يفهم النصوص الشرعية ما جرى مساء يوم السبت الماضي في مدينة الرياض، مجمع لا تنطبق عليه المعايير التي يكررونها في كتبهم ورسائلهم ومواقعهم على شبكة الإنترنت. وهنا أليس من حقنا و«حقهم!!» أن نناقش مطالبهم لنؤكد لهم بأنهم في أعمالهم الإرهابية هذه قد ضلوا سواء السبيل!! لعل أبرز مطالبهم وأوضحها هو أن يعمل بمقتضى الحديث النبوي الشريف والصحيح «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب». وهنا نقول وبالفم المليان سمعاً وطاعةً والحديث صحيح لكن الذي يجب أن يفهمه هؤلاء وإن كانوا يكابرون ويغالطون ويكذبون أن المقصود بهذا الحديث هو إخراج مظاهر الدين اليهودية والنصرانية وهي المعابد والكنائس التي تخصهم؛ ووالله وقسماً بالله أنها غير موجودة في بلادنا؛ وأما الوجود العارض لهم على شكل تنفيذ اتفاقيات ومعاهدات فهو من دون شك لا يدخل في التحذير الوارد في الحديث كما قرره أهل العلم في غير مكان؛ ولا أظن أن هذا الأمر يجهله الكثير من الناس. ومن باب إحالة الكلام لأهله ونقل ما قاله أهل الفقه والاختصاص أنقلُ مبحثاً فقهياً نفيساً لبعض أهل العلم في هذا الموضوع وهو في أصله جواب لسؤال في هذا الموضوع حيث قال المشايخ وما تجده بين القوسين فهو إضافات توضيحية وليست من الفتوى والفتوى على طولها إلا أن فيها حلاً للكثير من الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين في هذا الموضوع المهم في فتوى نشرت في موقع الإسلام اليوم: الحديث ليس فيه حجة لهؤلاء الجواب عن الاستدلال بحديث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» من وجوه: الوجه الأول: هذا الحديث لا يدل على جواز قتل من في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين البتة، لا بدلالة منطوقة ولا بدلالة مفهومة. ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم نجد من قال بذلك من أهل العلم. وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين، ولو كان فاجراً. ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد؛ لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمان أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يعلمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له. فقد ذكر المرداوي في «الإنصاف» (10/348 - 352) (مع المقنع والشرح الكبير) عن الإمام أحمد أنه قال: «إذا أشير إليه - أي الحربي - بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج (أي العدو من الكفار) أنه أمانٌ فهو أمان، وقال: إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمنه، قال الشيخ تقي الدين - يعني ابن تيمية -: فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه» أ.ه. كما أن الأمان يجوز من الإمام الأعظم للكفار، ومن سائر المسلمين لآحاد الكفار، قال في الروض (4/296): «ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا - أي عبداً - أو أنثى بلا ضرورة من إمام لجميع المشركين ومن أمير لأهل بلدة ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين». فيصح الأمان لهؤلاء الكفار من الإمام ومن سائر المسلمين. لهم عهد وذمة وأمان الوجه الثاني: * فهذا فرض الله على المسلمين ما أطاقوه، ولا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم، وقد كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند كثير من أهل الأوثان، بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنه مثل بني تميم وربيعة وأسد وطي، حتى كانوا هم الذين أسلموا، وهادن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ناساً، ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير ما خرج أخذه منهم» انظر الأم (4/188). قال شيخ الإسلام في الاختيارات «ص: 455»: «ويجوز عقدها - أي الهدنة - مطلقاً ومؤقتاً، والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء، وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة». وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/874): «والقول الثاني هو الصواب أنه يجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً، فإذا كان مؤقتاً جاز أن تجعل لازمة ولو جعلت لازمة جعلت جائزة بحيث يجوز لكل منهما فسخها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن ينبذ إليهم على سواء، ويجوز عقدها مطلقة وإذا كانت مطلقة لا يمكن أن تكون لازمة التأييد بل متى شاء نقضها، وذلك أن الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة، والمصلحة قد تكون في هذا وهذا، وعامة عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت كذلك مطلقة غير مقيدة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر مع أن خيبر فتحت وصارت للمسلمين، ولكن سكانها كانوا هم اليهود». الوجه الثالث: إن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة، وليس هذا موضع بسط الخلاف. خروجهم من جزيرة العرب إذا لم يكن هناك حاجة الوجه الرابع: إن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب يُحمل على ما إذا لم يحتجْ المسلمون إليهم في عمل لا يحسنه غيرهم، أو لا يُستغنى عن خبراتهم فيها. ويدل لذلك إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود على الإقامة بخيبر ليعملوا فيها بالفلاحة، لعجز الصحابة وانشغالهم عن ذلك. ولذا أبقاهم أبو بكر طيلة حياته، وعمر صدراً من خلافته؛ لحاجة المسلمين إليهم. ولما كثر عدد المسلمين في آخر عهد عمر، وقاموا بشأن الفلاحة والزراعة؛ استغنوا عن اليهود ونقض بعضهم ذمته؛ فأجلاهم عمر - رضي الله عنه - إلى الشام. يقول الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/189) بعدما ساق مصالحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليهود خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ما بدا لرسول الله أن يبقيهم: «فلما كان زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غالوا في المسلمين وغشوهم ورموا ابن عمر من فوق بيته ففدعوا يده «والفدع ميل في المفاصل من عظام اليد» فقال عمر - رضي الله عنه -: من كان لهم سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم، فقال رئيسهم: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله، فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك: «كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوماً ثم يوماً». وقسمها عمر - رضي الله عنه - بين من كان شهد خيبر يوم الحديبية». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى «28/88-89): «لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحةً؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم - يعني الجهاد - فلما كان زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفتحت البلاد، وكثر المسلمون، واستغنوا عن اليهود؛ فأجلوهم وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: «نقركم فيها ما شئنا». وفي رواية: «ما أقركم الله». وأمر بإجلائهم عند موته - صلى الله عليه وسلم -. فقال: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب». ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين (الجزيرة) بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي المسألة نزاع ليس هذا موضعه» أ.ه. وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/476) - بعد أن ذكر أن الكفار: إما أهل حرب أو أهل عهد، وأن أهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، أهل هدنة، وأهل أمان، قال عن أهل الأمان -: «وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجموا، ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربياً كما كان» أ.ه. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله - شرح صحيح مسلم (مخطوط): - عندما سئل: هل يجوز استخدام العمال من أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟ - فقال: «نعم يجوز ذلك، لكن لا يجوز أن يسكنوا ويكونوا مواطنين، هذا ممنوع في جزيرة العرب لكن إذا دخلوا في تجارة أو عمل غير مقيمين دائماً فلا بأس» أ.ه. ويشهد لذلك ما رواه البخاري في صحيحة «3700» في قصة مقتل عمر رضي الله عنه الطويلة، وفيه أنه لما قتل أمر ابن عباس أن ينظر من الذي قتله، فلما أخبره أنه أبو لؤلؤة - قال عمر: «قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال - أي ابن عباس -: إن شئت فعلت! - أي إن شئت قتلنا، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم!..». قال ابن حجر: في الفتح (7/64): قوله: «قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة» في رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين، عن ابن عباس، فقال عمر: هذا من عمل أصحابك! كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي، فغلبتموني»، وله من طريق أسلم مولى عمر قال: قال عمر: «من أصابني؟ قالوا: أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، قال: قد نهيتكم أن تجلبوا عليها من علوجهم أحداً فعصيتموني». ونحوه في رواية مبارك بن فضالة. وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال: «بلغني أن العباس قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء إن عمل المدينة شديد، لا يستقيم إلا بالعلوج». قوله: «إن شئت فعلت» قال: ابن التين: إنما قال له ذلك؛ لعلمه بأن عمر لا يأمر بقتلهم. قوله: «إن شئت فعلت» قال: ابن التين: إنما قال له ذلك؛ لعلمه بأن عمر لا يأمر بقتلهم. قوله: «كذبت» هو على ما أُلِفَ من شدة عمر في الدين؛ لأنه فهم من ابن عباس - من قوله: «إن شئت فعلنا»، أي قتلناهم، فأجابه بذلك، وأهل الحجاز يقولون: «كذبت» في موضع «أخطأت»، وإنما قال له «بعد أن صلوا»؛ لعلمه أن المسلم لا يحل قتله، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم» انتهى. عمر بن الخطاب أجلاهم إلى تيماء وهي من الجزيرة بالإجماع! فهذا الصنيع من عمر رضي الله عنه - وهو الذي أجلى اليهود إلى تيماء وأريحاء - دليل على أنه فهم من الأمر بالإخراج أنه إخراج خاص بالمواطنين، وأما المقيمون من هؤلاء إقامة غير دائمة، أو الواردون على المدينة - وهي من الجزيرة بالإجماع - فلا يشملهم النهي. ولم يكن عمر - وهو من هو في وقته في دين الله - ليجامل العباس أو ابنه في بقاء العلوج وهو يرى أن ذلك محرم، ولكنه كان يرى أن ذلك - أي عدم استقدامهم - أولى، ولكنه لم يلزم به، مع أنه إمام هدى، وأمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين، ومثله - لإمامته العامة - يسوغ له أن يأمر بما يرى مصلحته، و إن كانت المسألة من مسائل الاجتهاد، ويجب السمع والطاعة له، ومع ذلك لم يفعل عمر من ذلك شيئاً!. فأي برهان أوضح من هذا على دلالة حديث الأمر بإخراج اليهود والنصارى - الذي كان عمر أحد رواته - كما ثبت في صحيح مسلم. * قال: «إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة - أي له عقد أمان مع المسلمين، وليس المقصود أهل الذمة بالاصطلاح الفقهي المعروف. فتحمل - إذاً - دلالة حديث إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب على المنع من استيطان المشركين لجزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت، أو التجارة كما هو شأن الكفار الوافدين. هم أهل وفادة وليسوا أهل إقامة الوجه الخامس: إن الكفار في البلاد في الجملة أهل وفادة وليسوا من أهل الإقامة، وهذا لا يسوغ الدخول لكل وافد من الكفار، فإن هذا يُمنع بمناط آخر، لكن من احتاجه المسلمون ساغ وفوده، وقد قاله النبي في وصيته التي فيها ذكر إخراجهم: «وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» كما في صحيحي البخاري «3053»، ومسلم «1637»، وكأنه تنبيه على الجمع بين الحكمين، وأنه لا تعارض بينهما. ولهذا فإن عمر لما أخرج اليهود؛ استند إلى الحديث؛ لكنه مع ذلك ترك بعض أعيان الكفار من الرقيق وغيرهم لم يخرجهم فتأمل هذا. قولهم فيه اضطراب وظلم الوجه السادس: إن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب يلزم منه أن تكون دماء الكفار من غير الأمريكيين والأوروبيين مهدرةً، وأموالهم مباحةً؛ فليس انتقاض العهد بالإقامة في الجزيرة مخصوصا بالنصارى الأمريكان والأوروبيين وحدهم! فيلزم من القول بإهدار دماء نصارى الأمريكان والأوروبيين القول بإهدار دماء وإباحة أموال نصارى الدول الأخرى، إذ جميعهم نصارى مشركون، وهم في الحكم سواء. ولا شك أن القول با نتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب، ومن ثم إهدار دمه وإباحة ماله يفضي إلى فوضى واضطراب وظلم. ومما يعجب له أنه على مدار عشرات السنين لم يثر هذا الأمر ليكون سبباً لقتال أهل الأمان مع وجودهم بين ظهرانينا. إن هذا ظاهر في أن مسألة جزيرة العرب لم تكن مسألة أصلية لدى هؤلاء، وإنما استدعيت لتقوية الموقف الحادث من هذه التفجيرات. الوجه السابع: إن فساد الوصف لا يلزم منه فساد الأصل، ولو فرض أن الأمان المُعطى لطائفة من الكفار قد تضمن شروطاً فاسدة، فإن هذا لا يلزم منه فساد عقد الأمان وإهدار دم الكافر. ثم إن إنذار العدو «أمريكا مثلاً» بنقض العهد وإعلان الحرب ليس موكلاً لآحاد الناس؛ بل هو موكول إلى أولي الأمر من العلماء والسلطان الأعلى للدولة. ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الجهاد مع ولي الأمر، براً كان أو فاجراً، والسمع والطاعة بالمعروف كما في الحديث: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» أخرجه البخاري «7142» من حديث أنس - رضي الله عنه - . وفرقٌ بين إنكار المنكر وحض الحاكم على إنكاره بقدر المستطاع، وبين الإقدام على التغيير باليد، وارتكاب مفاسد لا حصر لها. ليس كل موالاة للكفار تكون كفراً الوجه الثامن: * واشترط بعض العلماء ألا يخشى المسلم سطوة الكفار وظلمه عن المساعدة، لآية الممتحنة وقصة حاطب بن أبي بلتعة «راجع تفسير القرطبي سورة الممتحنة». قال الشيخ عبداللطيف بن حسن في الدرر السنية (1/466): «وأما إلحاق الوعيد المترتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في حق المعين كحب الله ورسوله.. إلى قوله: وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد، ففعل حاطب نوع من الموالاة بدليل سبب نزول الآية في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآية، فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به ولم يكفر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خلوا سبيله». كما أنه يلزم من هذا تكفير المعين، وتكفير المعين لابد من شروطه وانتفاء موانعه، قال الشيخ ابن تيمية في الفتاوى (12/498): «وأما الحكم على المعين، بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه أنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وقال ابن تيمية - رحمه الله - عن الإمام أحمد في المجلد (23/348): «وإنما يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته والقائلين بخلق القرآن، وقد ابتلي بهم الإمام حتى عرف حقيقة أمرهم، ومع ذلك ما كان يكفر أعيانهم» انتهى. وأيضاً قال ابن تيمية في المجلد (12/466): «وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة». الوجه التاسع: إن كفر الحاكم ليس موجباً لبطلان عقد الأمان؛ لأن الكافر دخل بلد الإسلام على أن الحاكم نافذ الكلمة وله الولاية والسلطة. والأمان ليس من الأمور التي لا تقام إلا بأمر الأمير وحده، ولا يشترط فيها تمام شروط الولاية بل الثابت عكس ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المؤمنين: «يسعى بذمتهم أدناهم» أخرجه البخاري «3179»، ومسلم «1370»، وأحمد «993»، من حديث علي - رضي الله عنه - وكذلك أمان أم هانئ للمشركين: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» أخرجه البخاري «357»، ومسلم (336/82) - كتاب الصلاة، من حديث أم هانئ - رضي الله عنها -، ولذا نص العلماء - كما سبق - على أن الأمان يصح من كل مسلم ولو عبداً أو أنثى. ومهما يكن من شيء: فقد اختلف العلماء في المقصود بإخراجهم، وهي مسألة محل اجتهاد، وفيها خلاف معروف. ومن تمسك برأي سابق للأئمة فلا يجوز الطعن عليه، فضلاً عن نقض العهد برأي آخر، وإلا لسقطت كثير من العقود في المعاملات والعقود بين المسلمين أنفسهم، لوجود من يقول ببطلان أو فساد هذا العقد أو ذاك، ومعلوم أن مسائل العقود والعهود فيها نزاع كثير معروف في كلام الفقهاء، وليس لمن رأى رأياً مخالفاً أن يحمل الناس عليه، أو يفتات على جماعة المسلمين بتنفيذه. والمشايخ أصحاب هذه الفتوى: 1- د. خالد بن علي المشيقح - أستاذ الفقه بجامعة الإمام. 2- أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان - عميد كلية الشريعة سابقاً. 3- د. عبدالله بن وكيل الشيخ - أستاذ الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 4- أ.د. ناصر بن عبدالكريم العقل - أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 5- الشيخ هاني بن عبدالله الجبير - القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة.