ينطلق الغلاة والمارقون من جماعة الإخوان والتيار السروري وأرباب الإسلام السياسي في تكفير الحكومات واستباحة دماء رجال الأمن من منطلقات أهمها الفهم السقيم لنصوص الشريعة، والإعتماد على مالم تثبت صحته من الأحاديث لبناء أحكامهم الفاسدة على ما لا أصل له أو فهم بغير الفهم الصحيح الذي يكون ظاهراً في النص تارة، ومؤول تأويلا صحيحا تارة اخرى. إنطلق المتطرفون في تكفير حكومة المملكة العربية السعودية ودوّل الخليج العربي خاصة في وقت أزمة الخليج ودخول القوات الإمريكية لدفع الباغي الصائل صدام حسين -عامله الله بعدله- بأحاديث ضعيفة وتأويل فاسد للنصوص الشرعية . وكان حديث "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، هو الحديث الأشهر والأقوى في تهييج العامة ضد الحكومات التي يفتون بكفرها وردتها وخروجها من الملة. هذا الحديث "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" ضعيف لا يصح الاستدلال به، أخرجه جماعة من أهل العلم من طريق سفيان ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس….إلى آخره. وقال عقبه:(فهذا الحديث فيه خلاف ما قد روينا قبله في هذا الباب من الذين أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإجلائهم من جزيرة العرب: لأن الذين أمر بإجلائهم منها فيما رويناه فيما تقدم منا في هذا الباب هم اليهود والنصارى، والذي في هذا هم المشركون وهم خلاف اليهود والنصارى. غير أنا نخاف أن يكون ذلك إنما أتي من قبل ابن عيينة لأنه كان يحدث من حفظه فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود والنصارى المشركين ولم يكن معه من الفقه ما يميز به بين ذلك" والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك، غير أن الجماعة أولى بما حفظوا في ذلك مما حفظه الواحد مما خالفهم فيه). وتعقب الحديث الشيخ الألباني في"السلسلة الضعيفة [13/121]" فقال: هو وهم من ابن عيينة لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود والنصارى المشركين "ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك. والحق هو جواز بقاء غير المسلمين في الجزيرة العربية لاسيما إذا أقتضت المصلحة ودعت الحاجة، ومنه فعله -صلى الله عليه وسلم- حين فتح خَيْبَر وأعطاها لليهود للعمل فيها فلاحةً. ولو كان الحديث صحيحاً فالحكم قطعي لا إستثناء فيه لعدم ورود نص استثنائي. وقد ذهب جمع من المحققين إلى جواز دخول المشركين المساجد ومنها مسجد المدينة وأي مسجد سواء في الجزيرة العربية أو غيرها، عدا البيت الحرام. قال ابن حزم في [ المحلى ] : ودخول المشركين في جميع المساجد جائز . حاشا حرم مكة كله – المسجد وغيره – فلا يحل البتة أن يدخله كافر . وهو قول الشافعي وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة : لا بأس أن يدخله اليهودي والنصراني ومنع منه سائر الأديان . [أبحاث هيئة كبار العلماء ج7 سنة1423ه-2002م]. وفي الحديث تعارض مع حكم جواز دخول المشركين سائر بلاد الجزيرة العربية فيجوز للكافر أن يقيم فيها بعهد وأمان وذمة . وقد ذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى التفريق بين الكفار والمشركين، فقال: إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وسائر الكفار فقال تعالى : {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّين}؛ فكيف نجمع هنا بين هذه الآية وتفسير أبي حنيفة وغيره لها، وبين المعنى الظاهر للحديث الضعيف "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. هذه الأحاديث التي يزعم المتطرفون أنها من صحيح الشيخين البخاري ومسلم، هى وإن وردت في كتب الصحاح إلا إنها ليست كذلك، لأن في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث معلقة ومراسيل معلوم أمرها عند أهل العلم ولا يصح الاحتجاج بها لضعفها، لكن اتخذتها أرباب الإسلام السياسي ذريعة لتهييج العامة على الحكام المسلمين العرب في دول الخليج. وماكان محرماً في زمن الصحوة صار مباحاً في حاضرنا اليوم، ولكم أن تمعنوا النظر فيما كانوا يفتي به السروريون والإخوان في السابق، وتنظروا إلى يفعلونه في الحاضر لتعلموا أنهم كذابون يفعلون اليوم باستمتاع لما كانوا يحرمونه بالأمس. فتحريم التصوير والاختلاط وقيادة المرأة للسيارة وسفرها بغير محرم، والسفر لبلاد الكفار أكبر شاهد على تناقض الصحويين وسلبهم لسعادة المجتمع وامتهانهم ما كانوا يحرمونه على العامة بالأمس القريب. ختاماً: لعل أحداً يرد عليّ بحديث: عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال "لا يترك بجزيرة العرب دينان. فأقول هو ليس بعيداً عن الأول لأنه ضعيف مثله، أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الأوسط وفيه: ابن إسحاق مختلف فيه. وقد روى نحوه مالك في الموطأ ومن طريقه عبدالرزاق في المصنف والبيهقي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله مرسلاً. وروى عبدالرزاق عن سعيد بن المسيب رحمه الله مرسلاً نحوه أيضًا . فلا يصح له طريق. @A_2016_s عضو الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد في المسجد الحرام بمكةالمكرمة -سابقاً-