صرح الأمير نايف وزير الداخلية بعد إعلان محاكمة الحركيين قبل أيام (أما الدمار الذي خلفته تلك الحملة الإرهابية فمن الصعب الإحاطة بآثاره المادية والمعنوية وبخاصة تلك التي طالت سمعة الدين الحنيف . والمنهج القويم والسنة المطهرة، والعمل الخيري، وإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين وزرع الفتنة من خلال محاربة الوطن بأبنائه وخدمة الأعداء في تحقيق مآربهم وطموحاتهم التي عجزوا عن الوصول إليها على مدى قرون طويلة).. ومن ينعم الفكر ويمعن النظر في تصريح سموه في هذا الوطن الذي يحكّم شرع الله في فئة لم تتمسك بمنهج السلف الصالح في أصولها وفروعها بل اتبعت مناهج وأفكار وأدلة فهمت على غير مرادها يقف على حرص ولاة الأمر على تنقية الإسلام من تلك الشوائب وإفهام الآخرين أنه لا علاقة بينه وبين مخططات الحركيين ومشروعاتهم السياسية، والأدهى والأمر وصف تلك التنظيمات والأحزاب بالسلفية الجهادية ويفرحون بإطلاق وسائل الإعلام الجاهلة هذا المصطلح عليهم ليحصلوا على شرعية الغوغاء والدهماء والأحداث والعوام في تحقيق مشروعهم جهلاً بآيات النوازل والفتن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وما دوّنه السلف الصالح من شروحات عليها وقد فهموا النصوص على طريقة أسلافهم الخوارج الذين وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (سفهاء الأحلام)، و(يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم)، وهذا دليل على ضعف فهمهم وقلة فقههم، قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 13-30): (وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن براً تقياً فهو كافر، وهو مخلد في النار)، وقال عنهم ابن عمر رضي الله عنهما (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين)، وأحسن الإمام القرطبي في وصفهم: (وهذا كله من آثار عبادات الجهال الذين لم يشرح الله صدورهم بنور العلم ولم يتمسكوا بحبل وثيق)... ومن أخطر القضايا التي بنى الحركيون تنظيمهم عليها بالإضافة إلى ما تحدثت عنه في الجزء (1) و(2) ما يلي: 1- عملت التنظيمات الحركية والحزبية على محاربة الوطنية في نفوس الناشئة ومناهج التعليم وعدوها شركاً يخرج من الملة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الحركي كنا نسمع كثيراً في الحلقات واللقاءات والمخيمات والفعاليات حينما يتعرف الطلاب على بعضهم يرددون (إخوة دين وليست إخوة طين)... لأن حب الوطن يمنع من تدمير الممتلكات وتفجير الجسور وقتل المواطنين والصواب الذي لا يقبل جدالاً ولا يطرح لمناقشة أن الوطنية فطرة عظمها الإسلام ورفع من شأنها ولذلك اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم، ويؤكد ذلك التقدير والتعظيم حنين الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مكرهاً فقال بعد أن التفت إليها: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) ولم ينس مكة على الرغم من قساوة كفار قريش في سؤاله أبان بن العاص عندما قدم إلى المدينة مهاجراً فقال: يا أبان، كيف تركت مكة؟ فقال: تركت الاذخر وقد أعزق، والثمام وقد أورق كناية عن الربيع فاغرورقت عيناه الطاهرتان صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الأثر العظيم (حب الوطن من الإيمان) قال الزركشي: لم أقف عليه وقال السيد معين الصفوي: ليس بثابت، وقيل: إنه من كلام بعض السلف، وقال السخاوي: لم أقف عليه، ومعناه صحيح، قال المنوفي: ما ادعاه من صحة معناه عجيب، إذ لا ملازمة بين حب الوطن والإيمان، ويرده قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ}فإنه دل على حبهم لوطنهم مع عدم تلبسهم بالإيمان، إذ ضمير (عليهم) للمنافقين، وتعقبه بعضهم بأنه ليس في كلامه أنه لا يحب الوطن إلا مؤمن، وإنما فيه أن حب الوطن لا ينافي الإيمان. ويؤكد صحة الأثر السابق قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا} فكيف يكون الحب لبلاد مثل بلادنا، تميزت بالإسلام والتوحيد والأخلاق والقيم وحب الخير للعالم والإنسانية. 2- عملت التنظيمات الحركية والحزبية على التشويش والإلباس فيما يخص النصوص التي تناولت التعامل مع الآخرين، وتوظيفها لخدمة الفكر الحركي، وإحراج أمة الإسلام، ومن أكثر النصوص التي ركزوا عليها الحديث الصحيح (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، والمضحك والمبكي في آن واحد أن الحركيين احتجوا به لقتل المستأمنين والمعاهدين ثم سجلوا في اعترافاتهم المتلفزة أنهم خططوا لعملية بقيق من أجل أن يحضر المشركون لجزيرة العرب لقتالهم.. فهم لم يفهموا مقصد الحديث بعد عرضه على أحاديث أخرى صحيحة فسرت الجزيرة بالحجاز فقط لغرض السكنى وإقامة دين غير الإسلام، جهلاً بالسياسة الشرعية التي يقدرها الحاكم ولا يمكن لمسلم أن يجرد هذا الحديث من فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح الذين ماتوا واليهود والنصارى في خيبر واليمن ونجران وتيماء، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر البقاء ليهود اليمن وقال لمعاذ حين بعثه لليمن: (خذ من كل حالم يعني محتلم ديناراً)، وأقر اليهود في خيبر على أن يعملوا في الأرض، وأخذ الجزية من مجوس هجر، وفعل الخلفاء الراشدون، فأبو بكر أقر اليهود في خيبر وعمر أجلاهم إلى تيماء بعد نقض العهد، قال العيني: (ولم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه أجلاهم (اليهود) من اليمن مع أنها من جزيرة العرب) وهذا ما نص عليه ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1- 393، والحافظ ابن حجر في الفتح 6- 198... والقصد المتفق عليه ألا يبقى دينان مقيمان وقد شرح الشيخ ابن عثيمين: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) فالمعنى لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب)، وبناء عليه أجاب خادم الحرمين الشريفين حينما سئل في الفاتيكان لماذا لا تقام كنائس في السعودية بأن هذه البلاد هي أصل الإسلام ولا تبنى فيها الكنائس كما أن الفاتيكان لا يسمح ببناء مساجد فيه.. كما أن الدولة تمنح التأشيرات وتشترط على المستفيدين ألا يظهروا شعائرهم ولا يجرحوا مشاعر المسلمين بأي تصرف وقد تقيدت السفارات بهذا، ولو كان المقصد على ما فهمه الحركيون فلماذا أذن الصحابة ببقاء الرقيق من الكفار في المدينة مثلاً ولماذا أذن عمر وعثمان والخلفاء من بعدهما للتجار من غير المسلمين بممارسة التجارة في أرض الحجاز، فالأمر يعود لولي الأمر في تقدير المصالح ولا يحق لهؤلاء الحركيين حتى وإن كانوا محتسبين في تأويلهم القتل ونقض العهود والخيانة. قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى 28- 69: (وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وأما مسألة قتلهم فلا يجوز لأنهم أخذوا أماناً بالتأشيرات من ولي الأمر)، قال ابن تيمية مجموع الفتاوى 28-109: (فإن المحتسب ليس له القتل والقطع) ولا أدري كيف غاب عنهم أن الحنفية والشافعية والحنابلة و الظاهرية جوزوا للكافر سواء كان ذمياً أو مستأمناً أو غيرهما دخول الحرم المدني وقيد الشافعية والحنابلة الدخول بإذن الإمام أو نائبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة في مسجده وهو كافر. 3- ما سبق مرتبط بمسألة الأمان والتأشيرات لأن كل من دخل هذه البلاد من الشعوب الأخرى حتى وإن لم يكونوا مسلمين عن طريق التأشيرة التي تمنحها سفارات خادم الحرمين الشريفين يحفظ له الإسلام دمه وعرضه وأمنه وحريته وماله، لأن تلك التأشيرة بقصد التجارة أو السفارة أو العلاج أو السياحة وغيرها أمان خاص له من ولي الأمر لهم صادر باسمه ممن ينوب عنه، والمسلمون يرعى ذمتهم أدناهم فما بالك بذمة ولي الأمر صاحب الولاية الكبرى جاء في الحديث الطويل (صحيح البخاري 4-169): (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل). وقال صلى الله عليه وسلم لأمراء السرايا: (وأيما رجل من أقصاكم أو أدناكم، ومن أحراركم أو عبيدكم، أعطى رجلاً منهم أماناً، أو أشار إليه بيده، فأقبل إليه بإشارته فله الأمان حتى يسمع كلام الله فإن قبل فأخوكم في الدين وإن أبى فردوه إلى مأمنه).. (جواهر الأخبار للصعدي 6-452). وإن كان طالب التأشيرة كافراً حربياً فإنه يأمن على دمه وماله بإجماع فقهاء الإسلام والدليل على ذلك (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله..)، ويرى جمهور الحنفية وجمهور المالكية والشافعية والحنابلة جواز أن يعطي أي مسلم الأمان للحربي الكافر ويرى بعض المالكية أن ذلك مرتبط بإذن الإمام إن أمضاه أو رده إلى مأمنه.. فالتأشيرة تخرج باسم ولي الأمر، فالأمان نافذ ولا خلاف عليه.. بل إن الإسلام العظيم ينفذ أمان المرأة المسلمة - فضلاً عن ولي الأمر - إن أعطته الحربي ويلزم الوفاء به، وهذا رأي الحنفية وجمهور المالكية وجمهور الشافعية والحنابلة واستدلوا بما روي في جواهر الأخيار (6-452) أن زينب بنت رسول الله أمنت زوجها أبا العاص فأجاز الرسول أمانها، وبما رواه البخاري (4-75) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).. وروى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على القوم) ويرى بعض المالكية والشافعية أن أمانها موقوف على إجازة ولي الأمر. والسلف الصالح لم يكونوا مصاصي دماء يقتلون بالشبهة، ولذلك روي عن عمر بن الخطاب أنه قال للهرمزان حين أدخل عليه بعد وقوعه في الأسر (لا بأس عليك) ثم أراد قتله فقال له أنس: (قد أمنته فلا سبيل لك عليه فعدوه أماناً)... 4- عملت التنظيمات الحركية على تشويه الأجهزة الأمنية وأصدرت الفتاوى بعدم شرعيتها ظلماً وعدوانا لأن تلك الأجهزة الوطنية من مباحث واستخبارات ورجال أمن هي التي تقف بالقوة أمام تحقيق مخططاتهم ومشروعاتهم السياسية، والسلف الصالح يرون شرعية عمل المباحث والاستخبارات وأنهما جهازان إسلاميان لحماية أمن الأمة واستقرارها، بل يرون أن المواطن هو رجل الأمن الأول، يخبر المسؤولين عن كل ما من شأنه الضرر بمصلحة الوطن، ويؤكده ما رواه ابن هشام عن ابن إسحاق في غزوة بني المصطلق (فغضب عبدالله بن أبي سلول، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال: أو قد فعلوها قد نافرونا، وكاثرونا في بلادنا، والله ما عدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم، فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ليدل على مشروعية الأخبار بما يخطط للدولة المسلمة والتأكيد على أن المواطن هو رجل الأمن الأول. وأقر الإسلام أيضا شرعية متابعة المجرمين ودعاة الضلالة لاتقاء شرهم وكشف زيفهم والتحذير من بدعتهم وضلالتهم حماية للمجتمع من خطرهم، قال الإمام الجويني (صبح الأعشى 1-114) إن نبغ في الناس داع إلى الضلالة، وغلب على الظن لا ينكف عن دعوته ونشر غائلته فالوجه أن يمنعه وينهاه ويتوعده لو حاد عن ارتسام أمره وأباه، فلعله ينزجر وعساه، ثم يوكل به موثوقاً به من حيث لا يشعر به ويرشح مجهولين يجلسون إليه على هيئات متفاوتات يعتزون إلى مذهبه ويسترشدونه ويتدرجون إلى التعليم والتلقي منه، فإن أبدى شيئاً أطلعوا السلطان عليه فيسارع إلى تأديبه والتنكيل به). وهناك كثير من الطرق الملتوية التي اعتمدها الحركيون لتنفيذ مخططاتهم كالنصيحة الجهرية لولاة الأمر والعلماء وأجهزة الدولة وهذا يدرك ضرره العقلاء لأنه يساعد على نزع هيبة الولاية والسلطان من نفوس العامة والتركيز على السرية في التنظيم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على آية (خائنة الأعين): (فهذا ونحوه مما يبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستوي ظاهره وباطنه، لا يظهر للناس خلاف ما يبطنه، كما تدعيه الزنادقة من المتفلسفة والقرامطة وضلال المتنكسة ونحوهم). وقد فسر القرطبي (خائنة الأعين) وهو أن يظهر خلاف ما يضمر، وقال عمر بن عبدالعزيز: إذا رأيت القوم يستترون بدينهم عن العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة. والله من وراء القصد.