كان الناس بالآلاف وكلهم مشغلون هذا بقراءة وهذا بمحادثة وهذا بتأمل، وذاك بمناجاة، والآخر ماداً قدميه مستنداً على يديه، وهم على هذه الحال إذا المنادي ينادي (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) فقام الجميع وقوفاً لرب العالمين، انتظموا بخط واحد بصفوف متعددة لا ترى فيها عوجاً وكل هذا بلحظة ولم يكن هناك عامل خارجي لهذا التنظيم إلا تدخل بسيط من الإمام حيث قال : استووا اعتدلوا .. الله أكبر، ولو لم يقل لكانوا كذلك. هذا مشهد مألوف في مساجدنا ويلفت النظر أكثر في المسجدين الحرام والمسجد النبوي. وفي آخر شعبان والناس ينتظرون غداً أهو من رمضان أم من شعبان؟ ثم يأتي البيان أن غداً صيام، فتتجه النفوس جميعاً لشيء يأتي في العام مرة وكأنه لا يغيب عنها في العام إلا مرة من حسن الاستعداد والاتفاق على الانتهاء من السحور والبدء بالفطور وغير ذلك، وغير المشهدين كثير مما أوجبه علينا ربنا في ديننا ويتساءل المرء: لماذا هذه المشاهد الكبيرة لم تؤثر في المشاهد الصغيرة؟ فوضى عامة في استثمار الوقت وحُسن تنظيمه، عدم فهم للأولويات في كثير من مناحي الحياة، عدم تقيد بالدور عند الخباز وعند الطبيب وغير ذلك من الأماكن التي تتطلب منا التقيد بالدور، وعدم التأثير هذا لعله بسبب غفلة البعض أن كل هذه الأعمال - بالنية الصالحة- من العبادة وأن المشاهد الصغيرة من آثار الأعمال الكبيرة فلابد ان يكون للعبادة أثرها على العباد في كل ما يأخذون ويذرون حتى نؤكد للجميع ان الإسلام لم يترك شيئاً من الفضائل إلا دعا إليه ولا شيئاً من الرذائل إلا نهى عنه وحذّر منه، وأن أخطاءنا يجب أن تنسب إلينا فنحن لسنا الإسلام ولكننا مسلمون بانتسابنا للإسلام، والحمد لله. (*) عضو هيئة التدريس في كلية المعلمين بالرس وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية - بريدة.