خلق الله الخلق لعبادته وطاعته وخلق كل شيء من اجلهم لاعانتهم على عبادته وبلاغاً الى حين وطلب سبحانه وتعالى من العباد الشكر للمنعم على نعمه الوافرة التي لا تعد ولا تحصى ما ظهر منها وما بطن قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها,, الآية ووعد سبحانه الشاكرين بالزيادة والاجر العظيم ووعد من كفر بنعمته العذاب الاليم قال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد فشكر النعم مؤذن بوعد من الله بزيادتها وتمامها واستقرارها وكفران النعم وجحودها مؤذن بزوالها وانتزاع بركتها وهذان البابان واسعان يحتاجان الى وقفات طويلة وقد اوسعها العلماء والدعاة والباحثون بحثاً ودراسة والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكتب التفسير والحديث والفقه مليئة بما يكفي ويشفي,, ومن منا لا يرغب في زيادة النعمة وبقائها والظفر برضا رب العالمين. وحديثنا في هذه العجالة عن الهاتف الجوال ذلك الفتح العلمي الذي جاء متمماً لوسائل الاتصال الاخرى الناتجة عن الثورة الصناعية والعلمية في علوم التقنية الحديثة في عصرنا الحاضر وهذه جميعها من نعم الله على العباد هيأها لهم واوجد لهم اسبابها وفتح على العالم ما وصل اليه من علوم وصناعات بعضها يستعمل لخير البشرية وبعضها يستعمل لهلاكها قال تعالى: والله خلقكم وما تعملون ، وقال تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس,, الآية ومنها الهاتف المشار اليه الذي قدم للناس خدمة حضارية اينما كانوا وحيثما حلوا وفر خدمة للمسؤول ولصاحب العمل ورب الاسرة وغيرهم للاتصال السريع وانجاز العمل وقضاء الحوائج المختلفة ووفر عليهم الجهد والوقت الى غير ذلك من المعطيات المفيدة لهذه الصناعة الصغيرة في حجمها الكبيرة في فائدتها وجدواها. الا ان المشاهد لاستخدامات بعض الناس لهذا الهاتف يلاحظ اموراً وتصرفات غير محمودة لا تليق بنا وبمجتمعنا حيث حول بعض الناس وهم قلة ولله الحمد هذه النعمة الى ما يشبه النقمة لقد اساءوا استخدام الهاتف الجوال وحولوه الى وسيلة مزعجة ينفر منها الادب العالي والذوق الرفيع لقد ازعج بعض الناس المصلين بأصوات جوالاتهم وافسدوا عليهم خشوعهم وحضورهم الذهني في صلاتهم، الم يعلم هؤلاء ان المساجد للعبادة ومناجاة الله سبحانه وتعالى في ركن هو الثاني من اركان الاسلام والعمل الذي لا يترك حتى في الصلاة وهل هناك اهم منها ان حضور المسلم الى المسجد يتطلب تفرغاً جسمياً وذهنياً للفرض الذي جاء من اجله وترك كافة المشاغل ونبذها حتى نهاية الصلاة والخروج من المسجد لقد ازعج بعض الناس المصلين بأصوات جوالاتهم وكان الاجدر بهم الحضور بأجسامهم وعقولهم والتفرغ لمناجاة خالقهم فهل حضر بذهنه وعقله واستشعر موقفه من وقف في الصف وجواله يجلجل بين الصفوف وجرسه يدق بالموسيقى والصوت المزعج؟ فليتق الله بنفسه من يحضر للصلاة وجواله مفتوح يستقبل المكالمات ولو لم يرد عليها هل هناك مكالمة او مناجاة افضل واعز من مناجاة رب العالمين ان من يحضر للمسجد بجوال مفتوح وقت الصلاة يؤذي المصلين ويزعجهم علاوة على عدم خشوعه في صلاته, ان وقت الصلاة قد لا يتعدى عشر دقائق وحري بنا الحضور الى المسجد بقلب منيب وحضور ذهني متفرغ لعبادة ربنا ومناجاته ليكتب لنا الاجر والثواب، وان من التهاون بأمر الصلاة وخفة ميزانها عند الناس اتاحة الفرصة لوسائل اللهو والعبث وما يشغل البال والفكر والانصراف عن الارتباط بالله سبحانه وتعالى فليتق الله اصحاب الجوالات ويقفلوها او يتركوها في المنزل او السيارة او المكتب فان اهتمامهم بهذا الجانب يعد اهتماما بالصلاة وعملاً على راحة المصلين وعدم ازعاجهم. ومن الممارسات الخاطئة استعمال الجوال واستقبال مكالماته في المقابر اثناء زيارة المقبرة او اتباع الجنائز وذلك لأن زيارة المقابر تذكر بالآخرة وقد ذكر ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة, او كما قال عليه افضل الصلاة واتم التسليم, ان ذهابك -أخي- للمقبرة ليس ذهاباً للنزهة ولا للتسلية وكان الصحابة رضوان الله عليهم يجلسون في المقبرة وكأن على رؤوسهم الطير لعظم الحال والمآل فان مصيرك مصير من ذهبت مع جنازته عاجلاً ام آجلاً فاتق الله اخي مستعمل الجوال في المقبرة وتأمل الموقف الذي انت فيه وانظر الى سكان المقابر يمنة ويسرة, من اب وام واخ واخت وقريب وجار وانظر في حالهم وماهم فيه حتى قيام الساعة ومن مات فقد قامت قيامته والقبر اول منازل الآخرة, ان ميلك الى الترف واللهو والانشغال بمثل الجوال في هذا الموقف العظيم يدل على قسوة القلب والانصراف على الدنيا الفانية. ادع الله لاخوانك المسلمين من اهل المقابر بالمغفرة والعفو والنجاة من النار متبعاً بذلك هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك ان هذا الموقف ليس موقف ترف وانما هو موقف يجب على المسلم ان يكون فيه متذللاً لله داعياً له ولإخوانه المسلمين بحسن الخاتمة واتعجب من انسان يستعمل جواله في المقبرة مرسلاً او مستقبلاً مختلف المكالمات وهو واقف بين القبور يعلو صوته وتتردد ضحكاته والناس من حوله يخيم عليهم الهدوء والسكنية من هول الموقف. متى يتعظ من لم يعظه الموت والاموات, ومتى يلين ويرق قلب من قسا قلبه وهو يسير في موكب الاموات, ان اصابع الحضور وعيونهم تتجه اليك مستهجنة ومستنكرة لهذا الموقف الغريب في وقت قلوب وعيون اقارب واصدقاء الميت تئن حزنا وتذرف الدموع لفقدانها عزيزاً عليها, وما يحصل من استعمال الجوال في المقبرة قد يحصل اثناء تقديم العزاء وبين اسرة واخوان وابناء الميت وان استعمال الجوال في هذين المكانين امر ممقوت وبعيد كل البعد عن الآداب والشيم الاسلامية والعربية لان الذهاب مع الجنازة او التعزية يقصد من ورائها الاجر والمثوبة والدعاء للميت بالمغفرة ولوليه بالصبر والسلوان كما وردت بذلك النصوص الشرعية وليس اتباع الجنازة للتسلية وابداء المظاهر الزائفة والقيل والقال والتباهي بين الناس, لقد تغيرت امزجة الناس وساءت اخلاقهم وتبدلت مفاهيمهم مع اننا في عصر انتشار العلوم. ومن الممارسات الخاطئة استعمال الجوال اثناء الاكل واثناء الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية اذ ان هذه المواقع تحتاج الى الهدوء والسكنية والتفرغ واتاحة الفرصة للآخرين رؤساء ومرؤوسين وعدم ازعاج الآخرين بمكالمات لا تعنيهم وقد لا تكون ذات جدوى او ضرورة. اضف الى ما سبق ما يحدث من استعمال الجوال من اضرار صحية اثبتها الطب على الانسان وحذرت التقارير الطبية من مغبة كثرة استعماله الا ان الناس لم يعوا ذلك ولم يلتفتوا اليه! كما ان كثرة استعمال الجوال تسبب خسائر مالية كبيرة لمستعمله وكان الاجدر بالانسان صرف هذه المبالغ فيما يفيد دنيا واخرى. ان وجود الجوال لدى الانسان نعمة فلا تجعلها نقمة ويمكن ترشيد استخدامه والاستفادة منه في انجاز الاعمال وفي قضاء الامور العاجلة والابتعاد عن الاستعمالات المقيتة فلاافراط ولا تفريط وخير الامور اوسطها وكلا طرفي قصد الامور ذميم, مرة اخرى دعوة موجهة الى مستعملي الجوال لاعمال العقل وترشيد استعمال الجوال ومعرفة الاماكن والاوقات التي يجب عدم استعمال الجوال فيها ليكون وسيلة نافعة. والله من وراء القصد. سليمان بن فهد الفايزي