برزت في الآونة الأخيرة حالات الانتحار أو الشروع به،ولعل ذلك يأتي بسبب الاكتئاب الذي يتعرض له المرء والشعور بالحزن الشديد نتيجة تعرضه لمشاكل نفسية أو اجتماعية وهذا يؤثر على الدماغ الذي يضغط على الجسم ويتحول لحالةٍ من الانحطاط الجسدي والتعب المستمر والتوتر فلا يستطيع التفاعل مع المجتمع وتكون أفكاره مشتتة وذاكرته ضعيفة، على الرغم أن تفكير المكتئب سليم ومنطقه لا يتأثر بالحالة النفسية التي يعيشها، بيد أن هذا المنطق يوصله إلى نتائج تشاؤمية، وهذه النتيجة تحوله إلى انطواء أو نرجسية وإحساسٍ بنقصٍ لا يجعله يتفاعل مع الآخرين ويشعر بأنه فردٌ تائه وسط أشخاصٍ أصحاء، كما أنه يصبح ذا حساسية شديدةٍ للنقد. وحالة الاكتئاب هذه تؤدي إلى سيطرة فكرة الموت وبأنه أفضل و(أريح) من الحياة حيث يكون هاجس الموت والتفكير فيه أبسط من بذل مجهودٍ في العمل والتفاعل مع الحياة بكل ما فيها من إيقاعٍ وصخبٍ وصراع، هذا عدا خوفه من الاعتداء عليه من قِبل الآخرين أو سيطرة فكرة المؤامرة ضده وأنه شخصٌ مطلوبٌ أو مطاردٌ من لدن أشخاص أقوياء أو يكنون له عداوة إضافة إلى أن الشخص المكتئب عادة تصاحبه أمراض وهمية تكون تعبيراً عن الحالة التي يعيشها مما يفقده القدرة على الاستمتاع بالحياة وتوظيف العلاقات الإنسانية والاجتماعية كاللقاء مع الأصدقاء أو الخروج لنزهةٍ. كما أنه يتجنب الأمور التي تدعو إلى إدخال السعادة والفرح على نفسه بحجة أنها وقتية ولا تستحق أن يبذل فيها جهداً!!. كما يبدو أن مزاج الشخص المكتئب غير مرتبط بالناحية المرضية فحسب بل إنه يزداد حدة ويكون مصحوباً بالقلق في أوقاتٍ معينة مثل أيام الامتحانات بالنسبة للطلبة، والمرأة أثناء الحمل أو الفترة التي تسبق الولادة أو تتبعها، إلا أنه يعود بعدها إلى ممارسة حياته الاعتيادية بما فيها من كآبةٍ ورتابة. وبعض حالات الاكتئاب يمكن أن تزول دون علاج بالإرادة والحزم ورغبة المرء في تغيير طريقة تفكيره، ومساعدة نفسه، بينما بعضها يحتاج لعلاجٍ عند تكرارها، كما أن الدواء لا يمكن أن يحقق السعادة، ولكنه يقلل من العوارض ويعالج الوظائف الحيوية كالتفكير والتذكر والتركيز والانتباه والقدرة على إدارة الحياة ليبدو فيها الشخص سعيداً، حين يقوم بذلك طبيبٌ ماهرٌ يشخّص الحالة فيستطيع أن يُخرِج الإنسان المكتئب من الأزمة التي يعانيها، ولا سيما حين يمنح المريض قدراً من الشعور بالأمن والاطمئنان والحق في تقرير المصير. * والرسول عليه الصلاة والسلام حين يحزبه أمر يقول «أرحنا بالصلاة يا بلال». ومما يؤسف له أنه في حالات الاكتئاب الشديدة قد يفقد المكتئب أحد أقاربه بسبب الموت أو تتعرض صحته للخطر، أو قد يفقد عمله فلا يستطيع الإحساس بذلك بسبب فقده الشعور بالتواصل مع الآخرين. ولابد من الانتباه إلى أن الإيحاء من الشخص المكتئب يكون داعياً للإصابة بالاكتئاب حيث ان هذا الشعور «معدٍ» فعلينا تجنب الأشخاص المكتئبين، هذا إن لم يكن لدينا طاقة كافية لتوظيفها ضدَّ هذا المرض!! ولابد من الحرص على تجنيب الأمهات الحوامل أو المرضعات حالات الاكتئاب لأن الأجنة والأطفال الرُّضَّع يتأثرون بالحالة النفسية للأم، خصوصاً أنها تنتقل لهم عن طريق الحبل السري أو الرضاعة حيث تبدو حالة القلق والتوتر عليهم. وعلى الرغم أن الاكتئاب معاناة يومية تصاحبها مشاعر الحزن والكآبة إلا أنه قد يتفجر الإبداع بشتى أشكاله لدى المكتئب باعتبار أنه ثائر على الوضع الذي يعيشه والوحدة التي يكابدها!!! والملاحظ أن حالات الاكتئاب بازدياد بسبب تعقد الحياة وصعوبتها والبعد عن البساطة في المعيشة والطموح في الحصول على الكماليات والبعد عن تعاليم الشريعة وذلك بإدراك أن الدنيا ماهي إلا ممر وحرث للآخرة فحسب!! كما أنها وسيلة للعمل الصالح وامتحان رباني من الله لعباده على صبرهم واحتسابهم، وقوة إيمانهم، وهنا مكمن السعادة، ومن أدرك ذلك فمن أين يدخل عليه الضيق والحسرة والاكتئاب؟؟ وعلامَ الهم إذاً؟!! [email protected]