كثرت في الأونة الأخيرة، جريمة الانتحار والتي يعمد الشخص التخلص من نفسه بأي طريقة بعد أن يفقد الأمل في ما كان يريد أن يحققه، أو عندما يصاب بخسائر مالية فيلجأ إلى أن يتخلص من نفسه بأي طريقة ولعل أكثرها (ربط العنق) أو (أخذ إبر).. وهو الانتحار الرحيم، حيث سجلت الإحصاءات أن أعداد المنتحرين في مدينة الرياض خلال عامين 109حالات وهو رقم مخيف. "الرياض" من خلال هذا التحقيق الذي تناقش فيه هذه القضية من عدة جوانب شرعية وطبية ونفسية فقد اتفق الجميع أن ضعف الإيمان بالقضاء والقدر، بالإضافة على ما يشهده المجتمع والعالم من تغيرات اجتماعية وسياسية، وكثرة الفواجع والمصائب التي تصيب الإنسان الضعيف إلى الدخول باليأس والتخلص من نفسه بأي طريقة. (109) حالات انتحار خلال عامين) وكشف الدكتور سعيد بن غرم الله الغامدي استشاري الطب الشرعي والمشرف على مركز الطب الشرعي بالرياض أن عدد حالات الانتحار خلال العامين الماضيين بلغت "109" حالات منهم 85حالة من الذكور والنساء 24وشكل الذكور نسبة 87% أما الإناث شكلن 21% في العام الأول، بينما شكلت بالعام الثاني ما نسبته للذكور 77% والإناث 22%، مشيراً إلى أن نسبة السعوديين من الذكور 33% والإناث 11% من إجمالي المنتحرين، حيث ينتشر بالدرجة الأولى بين الخدم والعمالة وخاصة منهم الآسيويون. ولفت الغامدي إلى أن الانتحار الحقيقي يقصد به أن الشخص يقدم على الانتحار وقتل نفسه وهذه الحالة أكثر ما تكون وسط الرجال الذين بلغوا سن النضج، وذلك بسبب مشاكل نفسية أو اجتماعية أو زوجية أو بسبب أمراض مزمنة لا يرجى شفاؤها بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية، مبيناً أنه غالباً ما يخطط المنتحر لعملية الانتحار ويترك ورقة أو دليلاً يقدم فيه اعتذاراً لأهله أو أقاربه أو يسجل وصيته وما عليه من ديون وأي معلومات تفيد أنه انتحر، وفي الآونة الأخيرة لوحظ استخدام رسائل الجوال، مشيراً إلى أنه يستخدم في ذلذك وسيلة قاتلة فمثلاً الرجل يستخدم وسيلة مرتبطة بعمله حيث يعمد الرجال الذين يعملون في المجال العسكري ويحملون أسلحة فهؤلاء يقدمون على الانتحار بقتل أنفسهم بإطلاق النار، مؤكداً على ان النساء غالباً ما يلجأن للانتحار بأخذ الأدوية أو تناول المواد الكيماوية السامة بالإضافة إلى وجود طرق أخرى للانتحاربالسقوط من أعلى الجسور كجسر وادي لبن الذي ازدادت حالات الانتحار به خلال السنوات الأخيرة من فوقه أو المباني. وحول أكثر حالات الانتحار شيوعاً هي تعليق الجسم من العنق بحبل في نقطة مرتفعة ويسمى (الشنق) وهو أسهل وأسرع طريقة لقتل النفس، أما أشدها إيلاماً هو الإقدام على قتل المرء نفسه بذبح العنق بسكين ونشاهدها في المرضى النفسيين والتي قد يصاحبها محاولات انتحار عديدة. (الاكتئاب الشديد أحد الأسباب) وبين الاستشاري النفسي الدكتور فهد اليحيى ان الانتحار هو انهاء المرء لحياته طواعية وعن قصد، ومحاولات الانتحار تنقسم إلى قسمين هي محاولات الانتحار الجادة والتي يقصد منها المحاول الانتحار فعلاً وفي هذه المحاولات يبذل محاول الانتحار جهده أن ينجح في فعلته فيخطط لها بشكل دقيق ويحاول ان ينفذها ولا يكتشف انتحاره إلا بعد فترة لا يمكن فيها إنقاذ حياته بعدها، وعادة ما يترك رسالة يبرر فيها إقدامه على ذلك، مضيفاً أن محاولات الانتحار غير الجادة ولا يقصد بها محاولة الانتحار فعلاً ولكنها تكون بمثابة صرخة جادة لطلب النجدة ممن حوله، للفت أنظارهم إلى معاناته الشديدة من وضع أسري أو ظرف نفسي الخ، ويجب أن لا نستهين بهذا النوع من المحاولات فهو أولاً ناتج عن معاناة نفسية واجتماعية على نحو ما، وثانياً قد يتطور مع فقد الأمل والشعور بالإحباط الشديد إلى النوع الأول، وأيضاً قد تحدث الوفاة عن غير قصد، كاشفاً إلى أن هناك قرائن تجعل الطبيب النفسي يرجح إذا ما كانت المحاولة جادة فعلاً، أو غير جادة، وعليه أن يزن الأمور كلها بدقة كي يصل إلى نتيجة يطمئن إليها ضميره. كما يجب أن يكون حذراً في تقدير ذلك.. مثلاً، ومن المعروف طبياً أن ابتلاع عدد كبير من أقراص البنادول لا يشكل تهديداً مباشراً على الحياة، وعندما يطلب من الطبيب النفسي تقويم حالة معينة يكون فيها محاول الانتحار قد ابتلع عدداً من أقراص البنادول، على الطبيب أن لا يستعجل في الحكم بأن المحاولة غير جادة لأن بضعة أقراص من البنادول لا تشكل خطورة على الحياة.. بل المهم فكرة المحاولة عن البنادول فربما يعتقد أنه كاف للقضاء على الحياة. وأضاف: أن بعض الشخصيات الهستيرية غير السوية قد تكرر كثيراً من المحاولات السطحية وغير الجادة والهدف هو لفت الانتباه فحسب، فاضطراب الشخصية الهيستيرية يتميز بعدة خصائص تظهر مراراً ولا يصعب على الطبيب النفسي اكتشافها، وكثير من محاولات الانتحار الجادة لا تنجح لسبب أو لآخر وعدد كبير منها يخلف ندوباً وجروحاً وتشوهات.. وحالات عجز وإعاقة، وفي هذه الحال يكون بحاجة إلى رعاية من الطب النفسي ومن تخصصات طبية أخرى. ويبين الدكتور اليحيى علاوة على أن محاولات الانتحار القوية أو الجادة يجب التعامل معها بدقة وحذر.. فتكرار المحاولة وارد.. كما أن كثيراً من المنتحرين قد حاولوا الانتحار وفشلت محاولاتهم قبل أن ينجحوا في ذلك أخيراً. ومن الأسباب الرئيسية هو الاكتئاب الشديد وهو أحد الأسباب الشائعة وراء الانتحار.. ففي الاكتئاب تسيطر على المكتئب النظرة السلبية إلى الحياة والذات والمستقبل وكل نواحي الحياة.. وعند اشتداد الاكتئاب قد يؤدي الشعور بالإحباط الشديد وفقدان الأمل إلى الإحساس بتساوي الحياة والموت فتظهر لديه الرغبة في الموت ومن ثم التفكير بالانتحار، بالإضافة إلى إدمان الكحول أو إدمان العقاقير قد يؤدي إلى الانتحار نتيجة الشعور بفقد الأمل من التخلص من الإدمان أو النتائج النفسية (وخصوصاً الاكتئاب) التي كثيراً ما تظهر لدى المدمنين، والبعض منهم قد يموت نتيجة الإفراط في الشرب (التسمم الكحولي) أو زيادة جرعة المخدر وقد يكون الموت هنا عرضياً لا انتحاراً ما لم يكن الموت بهذه الوسيلة مقصوداً، وتشير الدراسات العالمية أنه لوحظ أن معدلات الانتحار تزيد عند بعض الفئات: فالعاطلون عن العمل أكثر عرضة من العاملين، والانتحار أكثر بين المطلقين والأرامل مقارنة بالمتزوجين، والانتحار أقل بين المتدينين مقارنة بالأقل تديناً، وهو أكثر في المجمعات المدنية عنه في المجتمعات القروية، ومع أن النساء أكثر في عدد محاولات الانتحار، إلا أن الرجال أكثر عدداً في الانتحار الفعلي.وقال إن محاولات الانتحار تمثل صدمة لذوي الشخص وأهله ويشعرون تجاهها بنوع من الخزي والعار، ولذا يتجنبون الحديث عنها مما يؤدي إلى تأخر تقديم العون الطبي، ويشير عدد من الدراسات الأجنبية أن شيوع الانتحار في الواقع هو أربعة أضعاف ما يرد في الإحصاءات الرسمية، مشيراً إلى أن هناك حالات انتحار تكون وليد اللحظة دون تخطيط مسبق - كما هو معروف حالات الانتحار التقليدية - وتكون نتيجة ظرف ضاغط مفاجئ أو فكرة اندفاعية عند تعرض المرء مثلاً لموقف يؤدي إلى الفضيحة أو العار، كما ان بعض الاضطرابات النفسية الشديدة قد تجعل المرء يعرض حياته للخطر.. وقد يموت فعلاً.. دون ان يقصد الانتحار مثلاً، عندما تتملك المريض الذهاني هلاوس وضالات تجعله يعتقد أنه قادر على الطيران.. وغير ذلك.. وهناك عدد من حالات الرغبة بالانتحار تكون مختلطة أيضاً بالرغبة في قتل الآخرين وقد سمعنا عن كثير من الحالات في أمريكا مثلاً حيث يطلق أحدهم النار عشوائياً على الناس في الشارع أو الجامعة أو السوق ثم يطلق النار على نفسه منهياً حياته. ويوضح اليحيى ان بعض الأمهات المكتئبات اللاتي لديهن أطفال صغار (دون الخامسة) عندما يخططن للانتحار يضعن خططاً لقتل أطفالهن بدافع الشفقة والمحبة، حيث ان بعض حالات الانتحار يصعب تحديد ما إذا كانت عملية انتحار أو حادثة.. مثل حوادث السيارات القاتلة وهذه أكثر ما تحدث عند الأغنياء في أوروبا، مثلاً إذا قرر أحدهم الانتحار.. فيقضي على حياته بتدهور سيارته من مكان عال.. ويلجأ إلى هذا الأسلوب ضماناً لأن يحصل ورثته على مبلغ التأمين.. لأن شركات التأمين لا تدفع مبلغ التأمين في حالات الانتحار. وفي تقديري الشخصي ان عدداً من حوادث السيارات القاتلة عندنا (عدد منها فقط) يكون نتيجة رغبة في الانتحار وتدمير آخرين، وأذكر ان شاباً مراهقاً خرج من البيت في منتصف الليل وقال لأهله إذا لم أعد ستجدونني في المقبرة أو مستشفى (الشميسي)، وبعد أربع ساعات تم إدخاله إلى المستشفى إثر حادثة سير شنيعة!! ضعف الإيمان بالقضاء والقدر من جانبه، يقول الشيخ إبراهيم الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض ان قتل النفس حرام ولا يجوز سواء قتل الإنسان نفسه أو أمر أحد ان يقتله أو قدم نفسه قرباناً لبعض المستشفيات الأجنبية لقتلة عن طريق الابر وهذا ما يسميه الأطباء بالقتل الرحيم أو شنق نفسه، مضيفاً ان القاتل لنفسه لا يصلى علة وان القاتل مذنب وقد ارتكب كبيرة قال الله جل وعلا (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً). وبين ان قتل الإنسان لأخيه جرم كبيرة فكيف بقتل لنفسه والانتحار محرم بجميع صورة وألوانه وأشكاله ولا يجوز بدلالة الكتاب والسنة والاجماع وان الأمة اجتمعت على ان الإنسان لا يحل له ان يقتل نفسه وان حق الحياة مكفول للجميع، مضيفاً ان المحاكم تعرض عليها قضايا الانتحار وهي قضايا منتهية وينظر فيها شرعاً لكن الذي انتحر لا يملك أحداً بالدنيا معاقبته لكن يلقى عقوبته عند الله عز وجل. ويبين الخضيري ان الأسباب التي تدفع الشخص للانتحار هو ضعف الإيمان بالقضاء والقدر والسبب الثاني هو القهر الذي قد يتعرض له الشخص بكل صورة وألوانه والأمر الآخر هو الفقر لذلك أوجب الله على المسلمين التكاتف، كما ان أحد الأسباب هو شرب المخدرات وتعاطيها والتي حرم الله عز وجل وجعلها من أخبث الخبائث ولعل الخلافات الأسرية تؤدي أيضاً إلى الانتحار. المتغيرات والتطور السريع خلف الجريمة من جانبه يقول الدكتور علي الجحني عميد مركز الدراسات والبحوث بجامعة نايف للعلوم الأمنية ان ما يعيشه المجتمع في ظل المتغيرات والتطور السريع في وسائل المواصلات والاتصالات وسرعة انتشار الأخبار ونقلها بالصوت والصورة من مكان إلى مكان وفي ظل بروز ظواهر في العمل مثل العنف وأفلام تحمل مضامين في مثل هذه القضية مما يجعل البعض ممن لديهم ميول أو ضعف في الوازع الديني يلجأون إلى جريمة الانتحار، وهذا العمل يتنافى مع الإسلام ومع مبادئه والعقيدة الإسلامية، مضيفاً ان مستخلصات الدراسات والبحوث التي دارت في هذا الأمر ألا تخلو من علامة استفهام ويأتي في مقدمتها ضعف الإيمان والوازع الديني ولتعرض الإنسان المنتحر لمشكلات واحباطات وعلامات استفهام قد تصل به إلى حد التخلص من نفسه التي هي أمانة في عنقه. والله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان بجعله خليفة له في الأرض فأمرنا ألا نرمي أنفسنا في التهلكة وان نحافظ على هذه النفس وعلى هذا الجسم لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه وهو الذي يتوفاه عندما تحين الأقدار. ويبين الجهني ان التربية والتنشئة الاجتماعية والأسرية والظروف المادية والمعنوية والأوضاع الدولية والخارجية قد تسهم في ذلك، ويعزو ذلك إلى ما تقدمه وسائل الإعلام وما تقدمه من ايحاءات فهم يرمزون بطرق معينة إلى كيف يتخلص الإنسان من نفسه بطرق ووسائل معينة عن طريق مستحدثات طبية بغرض مغادرة هذه الدنيا لأن الوازع الديني لديهم غير موجود والأمر الآخر أنه ليس للحياة معنى ولا قيمة إنسانية ولا قيمة دنيوية فهومقطوع الصلة بربه وبالغرض من خلقه، فكل يوم يعمل الإنسان من خير وطاعة وعباده وأمر بمعروف ونهي عن المنكر يؤجر عليه، وما يقوم به بعض المنتحرين ممن يزعمون أنهم يقومون بعمليات استشهادية في بعض المجتمعات التي يقوم بها بعض أولئك إنما هي نتيجة لفكر ضال ومن ثم جرى التغرير بهم وهم يقومون بتلك الأعمال الإرهابية في مجتمعاتنا نتيجة وجود الشبهات والتصورات الفاسدة وفتاوى بعيدة عن الإسلام.. مؤكداً على أهمية ما تقوم به وسائل التربية والتعليم والمساجد والأسرة ووسائل الإعلام في التوعية وتبصير الناس بخطورة هذا الاتجاه وأضراره الدنيوية والآخروية، مشدداً على أنه ليس هناك ما يبرر على الاطلاق القيام بهذه العمليات تحت أي ظروف والمؤمن كما ورد عجباً أمر المؤمن كله خير ان إصابه خير شكر وان إصابه شر صبر واحتسب لذلك، وقد يكون من يقوم بالانتحار شخص أصابه الاحباط بسبب ظروف تحيط به وقد يكون أيضاً مريضاً نفسياً وهو الأساس ولابد من إجراء دراسة لكل حالة على حدة لمعرفة ملابساتها وظروفها وأوضاعها ولا يمكن ان نعمم على كل حالة.