إنه لحبيب الى القلب، تشتاق اليه النفس، وينشرح بقدومه الصدر، وتبتهج لرؤيته العين، لماذا لا يكون كذلك، وهو الذي يحمل إلينا الصفاء والسعادة، ويزف الينا لذة الذكر والعبادة، ويفد الينا أحسن الوفادة؟ لماذا لا يكون حبيباً ذلك القادم الذي ننتظر قدومه وهو الذي يقول فيه محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «الصيام جُنة، اذا كان احدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله او شاتمه فليقل: اني صائم، إني صائم»؟ هكذا نستقبل الحبيب الذي يقف حاجزاً بيننا وبين الآثام، والمعاصي، مقبلاً علينا بوجهه المشرق، وهيئته الحسنة، انه جُنة تحول بيننا وبين ما لا يجوز، والجُنَّة في اللغة هي السُّترة التي تحمي الانسان مما يسوء من القول او الفعل، ولذلك جاء التوجيه النبوي الكريم في الحديث الشريف للصائم الا يرفث ولا يجهل ولا يتجاوز الحد على احد من الناس، لأن الصوم جنة له من ذلك، وحماية له من الوقوع فيه، ويستكمل الحديث الشريف دائرة البلاغة والبيان، لاستكمال دائرة الفضل والخير والاحسان، فيقول: «فإن امرؤ قاتله او شاتمه، فليقل: اني صائم، اني صائم»، وهكذا تسعدنا بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُوتي جوامع الكلم، بهذه التوجيهات المتكاملة التي تحيط بالامر من كل جوانبه، ففي اول الحديث توجيه بعدم الرفث، والجهل على الآخرين، وفي آخره توجيه بالصبر على ما قد يعترض الصائم من الاساءة من غيره حتى تكتمل صورة الصيام، وترقى بالروح الى الأعلى، وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم في آخر الحديث الى ان يقول: «اني صائم، إني صائم» وكررها مرتين، وانما كررها مرتين للدلالة على استمرار صبر الصائم على من يسيء اليه، وليس المقصود هنا العدد بحد ذاته، ولكنه المقصود - كما يوحي به التكرار - الاستمرار في صبرك أثناء صومك على من يسيء اليك بشتم او غيره، مهما كرر ذلك، وبالغ فيه، وبهذه التوجيهات النبوية الكريمة يصبح الصوم «جنة» لصاحبه من السوء. أفلا يحق لنا بعد هذا ان نفرح كل الفرح بقدوم هذا الحبيب الذي يزورنا كل عام حاملاً هداياه العظيمة من الاجر والفضل والخير؟ نعم نقول: مرحبا، ثم مرحباً - ايها الحبيب - وكيف لا نرحب بك من اعماق قلوبنا وانت الذي يقول فيك الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، هل هنالك فضل لقادم الينا اعظم من هذا الفضل؟ «فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» ما أجمل هذا وأعظمه، وما اسعدنا بهذا البيان النبوي الذي تستخدم فيه الكلمات هذا الاستخدام البديع، فهنالك أبواب جنة تفتح، وأبواب نار تغلق، وشياطين تصفد، ومعنى ذلك ان هذا القادم الحبيب يجمع لنا الخير من اطرافه ونواحيه، ويقدمه الينا على طبق من نور لا غبش فيه. هل هو فتح واغلاق وتصفيد حقيقي حسي؟، ام انه تصوير مجازي يقرب الينا صورة ما يجري في شهرنا الحبيب رمضان؟، الذي أراه ان نتيجة الامرين واحدة من حيث الاثر الذي تحدثه الصورة في نفوسنا، وقد سبق للعلماء ان وقفوا عند هذا الامر، فمنهم من رأى انها حقيقة واقعة، فتفتح ابواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين علامة على دخول هذا الشهر وتعظيماً لحرمته، ورحمة بالمؤمنين الصائمين من ايذاء الشياطين، ومنهم من رأى انه تعبير مجازي، كما ذكر ذلك «القاضي عياض» في شرح صحيح مسلم، فيكون اشارة الى كثرة الثواب والعفو، والى قلة اغراء الشياطين للصائمين وضعف اغوائهم فيصيرون كالمصفدين بالقيود، ويكون فتح ابواب الجنة تعبيراً عما يفتحه الله سبحانه وتعالى لعباده من الطاعات في رمضان دون غيره من الشهور من صيام وقيام وصدقة وكف للنفس عن الاذى. لهذا الفضل العظيم، ولهذا القدر الكبير نقول لرمضان «مرحباً بك أيها الحبيب». إشارة: لا تقولوا: ذهبت أمجادنا فالهدى يُرْجِعُ ما قد ذهبا