للبذل روحٌ تتألَّق وتهتزُّ حينما تبرز أمامها حاجات المحتاجين، وأَريحيَّة تبدو على ملامح الباذل الكريم، تشيع بها روح الفرحة وتشرق شمسها الساطعة في قسمات وجهه، وتبرز معانيها من خلال نبرات صوته وهو يعبِّر عن فرحته بما يقدِّمه من بذلٍ وعطاء. وليس من باب المبالغة كما أظن قول الشاعر: تراه إذا ما جئته متهلِّلاً كأنك تعطيه الذي هو باذلُه ولو لم يكن في كفِّه غير روحه لجاد بها فليتّقِ الله سائله لأن هنالك كرماء من البشر لهم هذه الطبيعة الحيَّة، وتلك ا لأريحيَّة التي يصوِّرها الشاعر، وإنَّ من علامات كرم الإنسان، وصفات شيمته أن يسعد بالبذل، والإنفاق في وجوه الخير دون تردُّد، أو منٍّ على أحد. وعندما نستعرض سير الأنبياء عليهم السلام، ودعاة الإصلاح، وعظماء القادة المصلحين على مدى التاريخ البشري، فإننا نجد صفة الكرم والجود والسخاء من الصفات المشتركة بينهم مع التفاوت الذي يحدث بين البشر دائماً. وها هو ذا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام لا يردُّ سائلاً أبداً، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ولا يتوقَّف دون حاجة محتاج، ولا سؤال سائل أبداً. وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أنَّ الكرم من الصفات التي يحبّها الله عز وجلّ في عباده، وأنَّ الإنفاق على المحتاجين من أعظم الأعمال التي يتقرَّب بها الإنسان إلى ربه عز وجلّ. ولذلك فنحن نشعر بالسعادة حينما نرى روح البذل والسخاء تسري بين المسلمين لأنها دليلٌ على وجود الخير في نفوسهم، وعلى قربهم من فعل الخير وحبهم له وهذا عاملٌ مهم من عوامل صلاح الإنسان. وفلاحه في الدنيا والآخرة، وهو ما نتوق إليه دائماً، حرصاً منَّا على أن تظلّ روح المسلم متألقة وضميره يقظاً، وعقله راجحاً، وإحساسه حيَّاً، يشعر من خلاله بآلام الناس وآمالهم، ويشارك إخوته قضاياهم ومشكلاتهم، ويُسْهم في رفع معنوياتهم، وقضاء حوائجهم، وتفريج كرباتهم. وها نحن نعيش هذه الروح الزكيَّة، وهذا الشعور الحيّ عندنا نحن المسلمين بالرغم من كل المآسي والآلام التي تحيط بنا وبأمتنا، وبرغم ما نراه من أحداثٍ يمكن أن تكون «مُحْبطةً» للناس لولا إيمانهم بالله، واعتمادهم عليه. في بلادنا الطيبة «المملكة العربية السعودية» نرى التفاعل الصادق مع قضايا المسلمين البعيدة والقريبة، الكبيرة والصغيرة، تفاعلاً يؤكد للعالم أجمع أن هذه البلاد تكوِّن قلعةَ الحبِّ للمسلمين، ودوحةَ الحنان التي تمتدُّ فروعها لتظلّل كلَّ محتاج، وبائس، ومشرَّدٍ أرهقت قلبه الآلام.ولسنا وحدنا في عالمنا الإسلامي نعيش هذا التألُّق الروحي والعاطفي في التفاعل مع قضايا المسلمين فهناك ملايين المسلمين في الخليج، ومصر والشام والعراق والمغرب العربي، وأنحاء العالم يتفاعلون، ويحسُّون ببعضهم، وهذا فضلٌ عظيم من الله على هذه الأمة، نعم، لسنا وحدنا، ولكننا نشعر بأننا نضيف إلى تلك المشاعر هذا الإحساس الأعمق بخصوصية بلادنا في تفاعلها مع قضايا المسلمين، لأن فيها المسجد الحرام والمسجد النبوي، وفيها المشاعر المقدَّسة، وفيها نزل القرآن على خاتم الأنبياء، وفيها هذا العمق التاريخي الاسلامي الأصيل الذي يضرب بجذوره في أعماق تُرْبة العقيدة الإسلامية الصافية، وفيها هذا التلاحم القويِّ بين الناس جميعا حكاما ومحكومين، وهو تلاحم متميِّز اذا قيس بما يقابله في أنحاء العالم الإسلامي المعاصر. هذا كلُّه ظاهرٌ للعيان مع أننا نتوق، ويجب أن نظلَّ توَّاقين إلى تصحيح الأخطاء، ومعالجة السلبيَّات، وتجاوز الخلافات التي قد تهزُّ ما ثبت من أركان هذا الكيان الكبير.. حملة التبرعات لاخوتنا المسلمين في العراق الحبيب واحدة من حملاتٍ متميّزة تؤكد أنَّ قلوبنا ستظل مع المسلمين لأنهم جزء منَّا ونحن جزء منهم، ولأنَّ ديننا الذي لا نرضى به بدلاً، يوصينا بالتعاون والتواصل والتّواصي بالخير، وينهانا عن الفرقة والخلاف. ولاشك ان علاقة العقيدة والأخوَّة في الله تحولان دون الإهمال أو التقصير في مساعدتهم ودعمهم.فنحن من أمةٍ مسلمة مأمورةٍ بمساعدة المحتاج بصفةٍ عامةٍ، فكيف إذا كان هذا المحتاج جاراً وأخاً في العقيدة؟؟ حملة مباركة في بلدٍ مبارك، جزى الله كلَّ من أسهم فيها خير الجزاء. إشارة: بيننا جسر من الحب كبيرٌ