الخطاب وإلقاء الكلمات في الجموع او الاحاديث الصحفية من الاساليب المهمة التي يقوم بها السياسي في اذاعة ونشر افكاره او خططه السياسية وفي اقناع الناس بالموافقة على مخططاته وافكاره ومشاريعه ورؤاه. وتلك الاساليب هي الغالبة لإذاعة الجديد من المشاريع السياسية في العالم اجمع، والحال نفسه ينطبق على سياسي هذا البلد، ولعل من اوضح الامثلة على ذلك مبادرة السلام العربية التي اطلقها صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد في مقابلة صحفية لتبدأ مبادرة سعودية وينتهي بها المطاف مبادرة عربية يتبناها العالم العربي من مشرقه الى مغربه. وهاهو يستخدم اسلوباً آخر ويعلن عن اقتراحاته لمعالجة الوضع العربي من خلال خطاب امام جمع كبير من المفكرين والعلماء والادباء جمعتهم الجنادرية من كل حدب وصوب. والخطاب السعودي بشكل عام، يعتمد في ايصال فكرته - كما ذكرت في مقال سابق - على وضوح الرؤية، وعلى الصراحة والصدق، وهو يقوم ايضاً على التركيز على الالتزام بالموقف وبالشفافية والوضوح في صناعة القرار، منطلقاً من ايمانه بأيديولوجيات محددة ومفاهيم وعقائد ثابتة، مرده تمسكه بالعقيدة الاسلامية كمنهج حياة. ولعلني في هذا المقال القي الضوء على تلك الخصائص التي يتميز بها الخطاب السعودي الرسمي، ممثلاً لها بالخطاب الصادر عن سمو الامير عبدالله بن عبدالعزيز. نعم فثبات القيمة هو المنهج والاساس الذي يصدر عنه الخطاب السعودي المتميز بدبلوماسيته وثباته وعدم تسرعه، وبأخذه جميع العوامل المحيطة به في الاعتبار. ولعل اهم تلك القيم التي يحافظ عليه الخطاب السعودي هي قيمة الدين والمعتقد وهي قيمة ثابتة لا مساومة عليها، ولا تنازل عنها، ولا تجاوز لها، سواء اكان ذلك في الشأن الداخلي او الخارجي. مع تلك القيمة جنباً الى جنب يلتزم الخطاب السعودي بقيمة الهوية الثقافية النابعة من منطلق عربي اساسه وحدة اصحاب تلك الهوية في الشأن كله. قيمة اخرى يحافظ عليها الخطاب السعودي هي انسانية هذا المجتمع وتعامله مع الآخرين على هذا الاساس المنبعث من احترام قيمة الانسان كجنس آدمي بغض النظر عن معتقده او موطنه او لونه او جنسه. وتلك القيم الثلاث تجتمع منتجة حصيلة يحافظ عليها المخطط السعودي وهي رفاهية المواطن الذي لابد ان يحظى بمستوى محدد من العيش الكريم. ولا ادل على وضوح تلك القيم من ان نص عليها خطاب سمو الامير عبدالله في ضيوف المهرجان الوطني الثامن عشر للتراث والثقافة بل وجعلها هي البداية حيث رحب سموه بضيوفه قائلاً: ارحب بكم في هذا اليوم المبارك.. وفي بلدكم جميعاً..بلد القرآن.. بلد العروبة.. بلد الانسان.. بلد الحياة الكريمة ان شاء الله، فتلك القيم الاربع هي القيم من الاساسية التي يراها سموه كأساس ينطلق منها هذا البلد في جميع مشاريعه الحياتية. ولاشك ان ثبات القيم هنا شكل منهجاً يتسم بسعة التفكير وبعده، فهاهو سموه يلتمس المشورة من ضيوفه مرحباً بما لديهم من مقترحات قد تقود الي النجاح. لقد اشار الخطاب هنا الى الحاجة الى الاسترشاد بالآراء الصادرة عن العقول ذات الرؤى المميزة فالحاجة «تتطلب التفكير العميق في الامور الداخلية والخارجية» ولا شك ان ذلك اشارة واضحة على اهمية المراجعة والتقييم للمنهج بشكل عام مع الاصرار على القيم المذكورة سابقاً، فالحاجة تستدعي المراجعة والنظر والتقييم مع بقاء القيم والحفاظ عليها واستشعار تلك الثوابت في كل حين. ولذلك فقد ركز الخطاب على قضية الوحدة الاسلامية والتي تعتبر الخصيصة الاولى من خصائص الخطاب السعودي ولا ادل على استشعار تلك القيمة من ان ذكرت في هذا الخطاب ست مرات في مواضع مختلفة. لقد جاء الوضوح في بيان اهمية تلك القيمة والاصرار على اهمية الوحدة ولم شمل الامة العربية والاسلامية بطريقة هادئة وبأسلوب متزن «فالكلمة الطيبة تأخذ الحق المبين»، وهو اسلوب ولا شك يميز الخطاب السعودي القائم على منهج حديث واسلوب متحضر في طرح القضايا، هادئ متسم بالاتزان في معالجة الامور. فالوقت الآني كما اشار الخطاب «يتطلب منا ضبط النفس والحكمة والكلمة الهادفة.. والفكر والصبر والتأني والكلمة الطيبة والسعي الحثيث لجمع شمل الامة العربية والاسلامية» وتلك الامور كلها ثوابت راسخة وخصائص مميزة للخطاب السعودي مع ادراك متميز، وسعة افق ووعي للمخططات ولما يدور في الخفاء. فالمقصود ليس بلدا بعينه كما اشار الخطاب بل «المقصود العقيدة الاسلامية.. لابد ان نضع ذلك في اعماقنا وفي فكرنا.. ولكن ان شاء الله الاسلام عزيز بالله ثم بابنائه» انه كذلك ان شاء الله.