الأصل في العادات والتقاليد أنها نشأت تلبية لحاجات مصلحية معينة وقت نشوئها. ثم تقادم عليها العهد، فاشتبكت بالهوية، لتصبح في النهاية لها رعاية وحرمة تصل الى حد القدسية أحياناً في بعض الثقافات، فلا يجرؤ أحدٌ على تغييرها. والعادات والتقاليد ليست شراً كلها، كما أنها ليست خيراً كلها، لهذا كانت بعض هذه التقاليد بمنزلة العقبة الكأداء في طريق تقدم بعض المجتمعات ورقيها. في الصين -مثلاً- كانت العادات والتقاليد لدى بعض القبائل الصينية تقصرُ وظيفة المرأة على امتاع الرجل في الفراش ليس إلا، وهم لهذا السبب لم يروا في نمو قدميها ما يتلاءم مع مهامها لديهم، لأن «الحركة» لا توائم هذه المهام، فكانوا يربطون قدمي الصبية الصغيرة اليافعة حتى يكف نموهما. يقول سلامة موسى في كتابه «غاندي والحركة الهندية»: «هذه الاربطة كانت تشد حول القدم فتقف حركة القدم، فتتألم الصبية، وقد تقضي الليل كله وهي لا تنام من فرط الألم. فإذا ما بلغت العشرين، فرح بها أبواها، وتباهى كلاهما بأن قدم ابنتهما لا تزيد على قدم الطفل. وهي عندما تتزوج يُذكر صغر قدميها بين محاسنها، مع أنها لا تستطيع ان تنهض من فراشها ولا تنتقل من مكان الى مكان آخر إلا وهي محمولة». والسبب أن الرجل الصيني كان لا يريدُ من المرأة إلا ملازمة الفراش، وقد نجح، لكنه خسر انسانيته أولاً، ونصف مجتمعه ثانياً. ولم تنجح الصين حضارياً إلا بعد القضاء على هذه العادات والتقاليد البالية وكثير مثلها. وفي الهند كانت تقاليد بعض أجزائها الهندوسية حتى نهاية القرن التاسع عشر تقضي بأن موت الزوج يحتم ان تحرق أرملته وهي حية مع جثته. وكانوا يرون ذلك من الدين، بينما هو تسلط ذكوري بحت. وفي اليابان، كما يقول «محمد ثابت» عن رحلته الى اليابان في بدايات القرن السابق، كانت تقاليدهم تقضي بأن يُقدم رب البيت لضيفه بغياً تعاشره معاشرة الزوجة لزوجها. وقد كان اليابانيون قبل ذلك يرون من تقاليد الضيافة والكرم أن يُقدم زوجته نفسها لضيفه الرجل. وكان مجتمع يثرب قبل الإسلام يورثُ زوجة الأب للابن الأكبر إذا لم تكن أمه، تماماً كما يورثُ المتاع والممتلكات، ولم تنته هذه العادة القميئة إلا بعد ان ألغاها الإسلام، مثلما ألغى كثيراً من عادات الافتئات على إنسانية المرأة، وإقصائها، بل وحرمانها حتى من الحياة مثل ممارسة الوأد التي كانت شائعة لدى بعض العرب قبل الإسلام. يقولُ عليه أفضل الصلاة والسلام: «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق». وغالباً ما يكون التشبث بالعادات والتقاليد هو سلاح كثير من الثقافات المتخلفة للتسلط على حقوق المرأة تاريخياً، حيثُ يجري اسباغ نوع من القدسية على هذا التسلط، يقول الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه المتميز «المرأة واللغة»: «إن موقف الدين بوصفه وحياً منزلاً وبوصفه دين الفطرة يعطي المرأة حقها الطبيعي، ولكن الثقافة بوصفها صناعة بشرية «ذكورية» تبخسُ المرأة حقها ذاك وتحيلها الى كائن مستلب». كل ما أريدُ أن أقوله هنا ان ازدراء إنسانية المرأة وتخلف المجتمعات صنوان لا يفترقان، كما ان احقاق حقوقها، والارتقاء بإنسانيتها، كثقافة، هي بمنزلة شرط الضرورة لأي تنمية حضارية حقيقية، هذا ما أثبته الإسلام، وهذا ما تقوله مسيرة الإنسان والحضارات.