لقد كثر الحديث وكثرت الكتابة عن مشكلات«غلاء المهور، والعنوسة»، ولم أر طروحات أو حلول تأتي بجديد، ولكن ما يستوقفني هو تجاهل مشكلة وقضية أكثر أهمية، وهي أبغض الحلال عند الله:«الطلاق» . إن ازدياد معدلات الطلاق أمر محزن بالفعل ويحتاج للبحث وراء أسباب ازدياد تلك الظاهرة، ولكي أطرح تلك المشكلة المهمة بشكل موضوعي، لابد أن أتناولها أولا: بمرجعيتي الدينية كمسلمة، وثانيا: كإخصائية نفسية قبل أن أكون كاتبة. لقد دعيت إلى الكثير من حفلات الزواج لعائلات سعودية وأكثرها في أفخم القاعات وفي أكبر الفنادق لفئة الخمس نجوم، سواء أقيمت في المملكة أم في أشهر العواصم العربية مثل بيروت ومصر، وبتكاليف باهظة طبعا. ومن المحزن أن أتبين أن الكثير من هذه الزيجات باءت بالفشل وانتهت بالطلاق وبعضها قبل أن تكمل عامها الأول.. ما هو الزواج ماذا يعتقد الشباب والشابات المقبلون عليه؟ الزواج ليس مظاهر نتباهى بها، أو نسباً للتفاخر، أو شهر عسل دائم. علينا أن نفكر ونتمعن فيما ورد في كتاب الله والسنة النبوية المطهرة. فالزواج فطرة إنسانية ورسالة مقدسة تبنى على أسس وقواعد، والزواج في الإسلام ينمي روح المودة والرحمة والألفة بين الزوجين، فلابد أن يجد كل واحد منهما في الآخر سكنه«الروحي والنفسي»، فيتعايشا في حب ويتشاركا في تحمل المسؤولية ويتعاونا على بناء أسرتهما. - قال تعالى{وّمٌنً آيّاتٌهٌ أّنً خّلّقّ لّكٍم مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً أّزًوّاجْا لٌَتّسًكٍنٍوا إلّيًهّا وّجّعّلّ بّيًنّكٍم مَّوّدَّةْ وّرّحًمّةْ إنَّ فٌي ذّلٌكّ لآيّاتُ لٌَقّوًمُ يّتّفّكَّرٍونّ }. - على كل من يقدم على الزواج أن يكون مهيئاً ومدركاً أنه لابد من مواجهة بعض المشكلات والعقبات في بداية الحياة الزوجية نتيجة اختلاف الطباع وعدم التأقلم بعد بين الطرفين، ففي الزواج نحن نعيش الواقع لا الخيال والواقع مليء بالكثير من المسؤوليات والأحداث والعقبات ولابد من توقع ومواجهة ذلك، وهذه أمور تحتاج للصبر وطول البال ولابد من تقديم بعض التنازلات ولا عيب في أن تبادر الزوجة بذلك، فهذا ليس ضعفا أو انهزاما كما يظن البعض بل على العكس تماما، تلك رجاحة عقل. لأن الحياة الزوجية ليست حرب أو معركة، تنتهي بمنتصر ومهزوم، لأن الطلاق يعني انهزام الطرفين فكلاهما فشلا، ولا يوجد منتصر هنا. وتلك الحقيقة المرة التي يجب أن يعرفها الجميع جيدا. إن عقد الزواج عقد مقدس، ذكره الله تعالى في محكم كتابه بأنه«ميثاق غليظ». والمقبل على حياة زوجية لابد أن يعرف أن الحياة الزوجية هي علاقة حب وإخلاص والتزام بين اثنين التزما أولا أمام الله بذلك، و«الالتزام» هو من أساسيات الزواج، وهذا يعني«الإخلاص»، والإخلاص يعني«الحب» وهذا يمثل القاعدة لا الاستثناء، لأن الاستثناء يعني الخيانة والخداع و«الإنسان السوي» لا يخون ولا يخدع شريكه الذي اختاره وأحبه. لأن الضمير السوي يكون كالرقيب الحريص على تعاليم الدين والمثل العليا والقيم في المجتمع. وعلى كل طرف مراجعة نفسه، ومساءلتها من حين لآخر هل يؤدي رسالته على أكمل وجه بما يرضي الله؟ وعلى الزوجة أن تعرف مسبقاً حقوقها وواجباتها، وأهم تلك الواجبات طاعة الزوج واحترامه وعدم النيل من هيبته فتلك أخلاق المرأة المسلمة وتعاليمنا المتوارثة عن أمهاتنا وجداتنا إلى ما شاء الله. قال تعالى{الرٌَجّالٍ قّوَّامٍونّ عّلّى النٌَسّاءٌ بٌمّا فّضَّلّ اللَّهٍ بّعًضّهٍمً عّلّى" بّعًضُ وّبٌمّا أّنفّقٍوا مٌنً أّمًوّالٌهٌمً فّالصَّالٌحّاتٍ قّانٌتّاتِ حّافٌظّاتِ لٌَلًغّيًبٌ بٌمّا حّفٌظّ اللَّهٍ}. وعلى الزوجة ألا تقوم بأدوار وممارسات تتنافى مع طبيعتها، وتفقدها الكثير من أنوثتها، بأن تكون متسلطة الرأي، أو عنيفة أو خشنة وشرسة الطباع، فهناك بعض من النساء يدفعن أزواجهن إلى النفور منهن والهروب من المنزل والزواج عليهن وعلى الطلاق أيضا، فالزوجة لابد أن تكون أكثر صبرا وتحملا من الزوج، ولابد أن تكون حنوناً ودوداً دائما، فالله خلق المرأة أكثر عاطفة وحناناً من الرجل فتلك فطرتها التي فطرها الله عليها، والرجل مهما كبر في العمر يظل بداخله طفلاً متعطشاً دائما للحنان والعاطفة والحب، فإن كانت له كذلك، فهذا هو السحر الذي لا يحتاج إلى ساحر. وهناك بعض من الأزواج يجهلون مسؤولية الزوج وواجباته ودوره كراعٍ للأسرة ومسؤول عن رعيته فالله خلق الرجال أكثر حكمة وعقلانية من النساء، فلابد أن يحكم ذلك تصرفاتهم، لا أن يسيء البعض استخدام اليمين الثقيل الذي ينزل الطلاق وهو أبغض الحلال عند الله لأتفه الأسباب، غير مدركين أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم هذا الحق ليسائلهم عنه، ويعاقبهم عند إساءة استخدامه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«أكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم» فالزوجة أول من يجب أن يحسن إليهم الزوج، وأول من يجب أن يعاملهم بالمعروف، لأن الزواج في الإسلام يحمل المسلم أمانة المسؤولية الكبرى تجاه من لهم في عنقه حق الرعاية وحسن المعاملة، فالرجل يجب أن يكون عماد الأسرة وسند للزوجة تستمد منه قوتها وشعورها بالأمان والاستقرار النفسي ويجب أن يحقق لها ذلك على أكمل وجه. ولابد أن يعالج الزوجان المشاكل بحكمة وروية ولابد أن يعطي كل منهما للآخر عدة فرص فإن عجز الزوجان عن حل المشكلات واستفحل أمرهما فليلجأوا إلى أحد الأقرباء الكبار العقلاء ممن شهد له برجاحة العقل ليكون حكما عادلا ووسيطا نزيها محايدا،«فالطلاق لابد أن يكون آخر الحلول لا أولها»، بعد أن تستنفد كل الفرص والمحاولات الجادة للإصلاح،«فالإسلام أجاز الطلاق رحمة بالبشر لا للإساءة والظلم». من لايدرك ما هو الزواج وتلك الرسالة المقدسة ولا يريد أن يتحمل مسؤولياته والقيام بواجباته فعليه ألا يقدم على الزواج.. حتى يدرك ذلك جيدا، فلا يظلم نفسه، ولا يظلم الطرف الآخر، ولا يظلم أطفاله..