عقل بن مناور الضميري مؤلف رواية (دوم زين) التي تمثّل لونا من ألوان السرد الذي انبثق من واقع تاريخي جديد بكل ملابساته الاجتماعية في بعدها الاقتصادي وما أفرزه من ظواهر تشكّلت في ظلالها شرائح اجتماعية أفرزت نماذج متعددة، وشبكة من العلاقات التي لا يستطيع التقاطها إلّا بصيرة واعية وإدراك متميّز، وقد تبدو الرواية بتوجّهاتها الحديثة التي غلب عليها التجريب قد ظلّت بمنأى عن الاهتمام بالواقع وتطوراته وانشغلت بالتقنيات الجمالية الجديدة وأن الحقبة التي كانت فيه مشغولة برصد التحوّلات الاجتماعية قد ولّى، ولكن الحقيقة غير ذلك، فما زالت الرواية هي النوع الأدبي الأقدر على التمّاس مع الواقع وسبر أغواره؛ بل إننا نشهد عودة للمرآوية التي تعكس الطفرة المجتمعية الجديدة التي أفرزتها التحولات في بنية العلاقات الإنسانية في توجهاتها العولمية والثقافة الجديدة التي انبنت على التطور الهائل في الخطاب الإعلامي والثقافي. لقد استطاع الكاتب أن يعبّر من خلال بناء شخصياته الرئيسة في الرواية إلى رحاب هذا العالم الجديد ويصوّر ما انتاب العلاقات المجتمعية من تغيّر وأن يمسك بالخيوط الأساسيّة في تواشجها مع التطورات الهائلة التي أحدثتها الأنظمة الاتّصالية الحديثة، وما طرأ من آثار نفسية على السلوك الإنساني وارتعاشات الذات وهواجسها من خلال الشخصيات التي شكّلها عبر روايته وإن بدت ذات طابع رومانسي يسلّط عدسته على الذوات ويلتقط هواجسها ويحلّل مشاعرها فإنه قد عمد إلى تصوير أدق الخلجات في كثير من الأحيان، فضلا عن أنه قدّم بانوراما للخريطة الاجتماعية لطبقة اجتماعية ظلّ شغلها الشاغل التفكير في الثروة وسبل تنميتها متبنّية نهجا ليبراليا في سلوكها علاقاتها وإن لم يكن ذلك صادرا عن وعي مباشر بأفكارها، لقد استشعرت خصوصية المرحلة في بعدها الاقتصادي، وعبّرت عن مرحلة جديدة ونقلة هائلة في ثقافة الطبقة الجديدة التي مثلت انعطافة هائلة في الثقافة والسلوك لا تقل أهمية عن الطفرة الاقتصادية التي حدثت في السبعينيات من القرن العشرين الماضي، ولكن القيم المجتمعية وتحولاتها وانعكاساتها في الأعمال الأدبية لا تصنع فنا إلا إذا اتكأت على رصيد من الخبرة الجمالية القادرة على إدراك العلاقة الخاصة بين الواقع والخطاب الروائي، فالأدب ليس تسجيلا أو استنساخا للواقع وإنما هو إعادة إنتاج لهذا الواقع عبر تشكيل بنية لغوية تستطيع التقاط الذبذبات الخفيّة التي تعكس نبضه وتلتقط هواجسه. وقد استطاع الضميري في هذه الرواية أن يقدم عملا سرديّا تتجلى فيه مهارته في بناء النماذج في حراكها المستمر وطرائق تفكيرها وطاقتها الدلالية في تشخيصها لواقع شريحة اجتماعية تشكلت في ظل المتغيرات المحلّية والعالمية وتجلياتها الثقافية والسلوكية والنفسية، وعلى الرغم مما يبدو من نهج شديد الالتصاق بالواقع فإن ترتيب الأحداث والكشف عن الشخصيات من خلال أنماط السلوك التي تمارسها وتتجلى في نزعاتها وتجلياتها في المواقف والأزمات يعد من الظواهر اللافتة، فالكاتب يتمتع بحساسية رهيفة وقدرة على التقاط الارتعاشات والهواجس التي تساور شخصياته رغم ما يبدو من نزوع رومانسي وتوجه مونولوجي في بناء الرواية التي تبدو معه أحاديّة الصوت، ولكن التعدّديّة تبدو ماثلة عبر تباين الأنماط والنماذج والرؤى وتشكلها من خلال السلوك العملي والعاطفي وحفرها في البنية المجتمعية لإعادة تشكيلها فنيا، وهذا ما تستحق الرواية أن ينظر إليها من خلاله؛ فثمة تحولات جديدة تشهد عودة إلى النفس الملحمي الذي ظل يتردد في الفن الروائي منذ نشأته، وهو يشهد عودة إلى طبيعته الأولى، و قد استطاع الكاتب أن يلج إلى رحاب عالمها الجديد. ** **