نشرت وكالات الأخبار العالمية خبر بيع عمل رقمي بالكامل للفنان الأمريكي بيبل واسمه الحقيقي «مايك وينكلمان» البالغ من العمر 39 عامًا من ولاية ويسكونسن الأمريكية معروفاً بمشاريعه الرقمية بمبلغ وقدره 69.4 مليون دولار في مزاد لدار (كريستيز) واصبح واحدًا من أغلى ثلاثة فنانين معاصرين في العالم, وقالت الدار في بيانها إن المقتني «ميتاكوفان» الذي لم يكشف عن اسمه الحقيقي هو مؤسس ميتابورز وهو أكبر صندوق للأصول الرقمية غير القابلة لاستصدار مثيل لها. العمل الرقمي هو مشروع قضى فيه الفنان «مايك» 13 عامًا من عمره وهو يحمل عنوان «إفري دايز- كل يوم» وهو عبارة عن تجميع خمسة آلاف لوحة رقمية ورسوم ثابتة ومتحركة أنجزت يوميًا على مدى خمسة آلاف يوم على التوالي، رسمها الفنان واحدة تلو الأخرى بدءًا من مايو 2007 م وهي تعبر عن هوس المجتمع وخوفه من التكنولوجيا والرغبة في الثروة ورفضها والاضطرابات السياسية الأخيرة في أمريكا, والتي تمنح المشاهد حرية التأمل لكل صورة رسمها على مدى تلك السنوات من رحلة الفنان. الجدير بالذكر إن دار (كريستيز) للمزادات قبلت الدفع بعملة «إيثر» وهي أبرز العملات الافتراضية, حيث يعد قبول عملة crytpocurrency هو الأول من نوعه في دار عريقة للمزادات التي بلغ عمرها 254 عامًا, وهذا يعني أنه سيكون نموذج دفع له شرعية بالسوق, وهذا المبلغ يعد رقماً قياسياً وسيشهد على فصل جديد من تاريخ الفن عامة وللفن الرقمي خاصة لأن الأعمال الرقمية كانت الأقل قيمة فنية بالنسبة للمقتني وذلك لعدة أسباب منها: سهولة نسخها أو سرقتها أو نسبها لغير صاحبها. لكن مع ظهور تقنيات NFT وتقنية التوثيق الجديدة التي تستعين بتكنولوجيا «بلوك تشين» (سلسلة الكتل) blockchain المستخدمة في العملات الرقمية والتي تُقدّم على أنها الحل المثالي للاستغناء عن النسخ التي تشكل أحد العوائق أمام تطوير سوق الفن الرقمية, من خلالها سيتم الحصول على إنشاء رقمي قائم على NFT ويتلقى المشتري ملف العمل الفني الذي يحتوي على توقيع رقمي من الفنان وجميع التفاصيل الحيوية، بما في ذلك وقت الإنشاء وحجم الإصدار وسجل أي مبيعات سابقة ويتم إرفاق هذه التفاصيل بشكل دائم بالعمل الفني ويمكن توثيق هويتها وأصالتها والقدرة على تعقبها، مما يوفر ضماناً دائماً للقيمة, كما تتيح هذه التقنية طرح أعمال فنية، وأي سلعة أخرى يمكن تصورها عبر الإنترنت. فهذا الحدث يعد بداية حقبة جديدة للفنون الرقمية وللفنانين الرقميين وتمنح حالة من الانتعاش في سوق الفن, ويمثل تأكيداً واضحاً بأن الفن الرقمي لن يقل أهميته عن الفن التقليدي وسيصبح له جمهور أكبر ومقتنون جدد, وبالتالي سنتوقع مستقبلاً زيادة مبيعات أعمال الفنون الرقمية وارتفاع أسعارها أكثر بالسوق العالمية والمحلية, وسيزيد التنافس بين الفنانين الرقميين على تقديم الأفضل والأكثر ابتكاراً. وأشير هنا إلى أن الفن الرقمي ليس وليد العهد ويمتلك بالفعل تاريخاً راسخاً كاتجاه فني وجزء من الفنون, حيث تعود بدايات الرسم بالحاسب الآلي إلى عام 1950م في أمريكا وذلك عندما استخدم عالم الرياضيات والفنان/ بن لابوسك Ben F.Laposk جهاز حاسب آلي من الأجيال الأولى لتكوين صورة مجردة لأقواس رياضية مشابهة للأمواج, وفي عام 1965م أقيم أول معرض للفن الرقمي في ألمانيا وعرضت أعمالاً رقمية لأنواع التكرار المنتظم وغير المنتظم, في عام 1969م تم عمل أول الدراسات والبحوث عن الفنون الرقمية من قبل الفنان/ جورج نيس George Nees. عرض فيها أنماط فنية حديثة, وهناك تجارب رقمية عربية كثيرة ومتميزة لا يسعني سردها في هذا المقام. لكن من المهم سرد جزء من تاريخ الفنون الرقمية في المملكة العربية السعودية نذكر منها أوائل التجارب هي تجربة الفنان السعودي «خالد الأمير» حيث قدم أول مشاركة رقمية في معرض جماعي في اتليه جدة عام 1998م وتلته تجربة د. منال الرويشد في معرض شخصي رقمي عام 2008م بعدها أول معرض جماعي رقمي بعنوان «إشكاليات إنسان» تحت رعاية وزارة الثقافة والإعلام عام 2009م لمجموعة الفن الرقمي وهن خمس فنانات وهن د. منال الرويشد. ود.هناء الشبلي ود.فوزية المطيري ود.هدى الرويس وأ.عائشة الحارثي, حيث تعد أول مجموعة للفن الرقمي بالوطن العربي, وكان من ضمن نشاط المجموعة تقديم محاضرات وورش عمل وإنشاء موقع الكتروني للتوعية بالفنون الرقمية والتعريف بها. ولا يمكن إغفال تجربة الفنان فهد الحجيلان رحمه الله والفنان فيصل المشاري في تناول الحاسب الآلي في رسومات رقمية في جريدة الجزيرة على مدى سنوات عديدة, كما ظهرت أسماء سعودية مميزة منها: أمل سعود, محمد الشنيفي, مها ملوح, صالح الحجيلان, د. قماش آل قماش, سكنة حسن, فاطمة النمر, علي الوشمي, سمية السيود وغيرهم ممن لا أستطيع حصره, وهذا دليل جيد على تطور هذا الفن. وأشير إلى أن أول استمارة تحكيم للفنون الرقمية تتضمن معايير تقييم للأعمال الرقمية أعدت من قبلي بناء على استبانات أكاديمية محكمة مستمدة من بحثي للدكتوراه عام 2012م وتم العمل بها أثناء تشرفي برئاسة عدة مسابقات رقمية محلية ودولية. كما أن قسم الجرافيك في كلية التصاميم والفنون في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أو في بقية الجامعات السعودية أظهرت الدعم الكامل لجميع أنواع الفنون الرقمية من خلال البرامج التخصصية التي قدمتها لطلبتها وأسهمت في تخريج دفعات من المصممين الرقميين الذين سيغطون متطلبات السوق المحلية مما يدعم ذلك رؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح يواكب في مخرجاته كل جديد وعصري. وأشير إلى أن رعاية الوزارة للفنون الرقمية واحتضان هذا الفن وضمه ضمن أنشطتها الثقافية له تأثير كبير على انطلاق تجارب رقمية مميزة, كما شاهدنا مشاركات رقمية في المملكة وخارجها من قبل فنانين رقميين سعوديين, وأصبحنا نرى اهتمام الصحافة المحلية بالفنان الرقمي وبأعماله, وبالتالي الفنان الرقمي السعودي امتلك جمهورًا ومعجبين ومقتنين يشترون ما يبدعه, وعليه تلاشت أصوات المشككين الذين كانوا يعتقدون أن الرسم الرقمي هو من تنفذه الآلة وليس الفنان. ومما سبق نتوقع مستقبلاً أن الفنون الرقمية في العالم وفي المملكة العربية السعودية ستكون في تزايد وفي تطور وفي توسع وارتفاع لأسعارها بعد نجاح بيع الأعمال الرقمية المعتمدة على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT), وإن اهتمام المملكة متمثلة بوزارة الثقافة سيكون هو الدافع الأقوى لازدهار الفنون الرقمية وتطورها وتقبل المجتمع لها, وأفضل دليل على ذلك هو برامج «الرياض آرت» الذي يأتي في إطار حرص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله على الارتقاء بمدينة الرياض إلى المكانة التي تليق بها بين عواصم العالم، ويهدف إلى تحسين جودة الحياة في المدينة بما يتوافق مع أهداف رؤية السعودية 2030 وتعزيز الجوانب الثقافية والفنية وإشاعة مظاهر الفن والجمال في العاصمة, وإعلان وزارة الثقافة عن إنشاء مشروع (واحة الدرعية للفنون) جعل الفنون الرقمية بالمملكة تأخذ قوتها وتعود للواجهة, فهذه الواحة ستكون أول منصة عالمية تحتفي بالفنون والابتكار في مجالات الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة وتقع في قلب محافظة الدرعية بجوار حي «البجيري التراثي» على مساحة تبلغ 10 آلاف متر مربع، وتتضمن ست استوديوهات فنية، ومساحات عمل للفنانين، ومرافق حديثة للناشئين، وقاعاتٍ لورش العمل وفصول للتعليم والتدريب في مجالات الفنون والتقنية، إلى جانب مكتبة ومتجر للفنون، والتي تشكل في مجموعها منصة إبداعية متكاملة تهدف إلى دعم وتعزيز الفنون الرقمية، وتوفير فرص وأدوات الإنتاج للفنانين، إضافة إلى توفير أفضل الوسائل لتعليم وممارسة الفنون والتقنية الحديثة، وخلق مساحة مشتركة بين الجمهور ومبدعي الفن الرقمي الحديث, بهذا تعد «واحة الدرعية للفنون» ببرامجها ومساراتها التدريبية الخاصة بالفنون والتقنيات الحديثة هي أول مركز متخصص في الفنون الرقمية في العالم, وهذه المشاريع يفخر بها كل مواطن سعودي ويسعده رؤية بلده في مصاف الدول المتقدمة ثقافيًا وعلميًا. ومن هذا المقام نتأمل الآن أن يتعلم الفنانون فهم سوق العملات الرقمية ومعرفة كيف يمكن المشاركة به واقتحام هذا السوق وتقديم أعماله الفنية أو الرقمية بطريقة مناسبة وتوثيقها بتقنية البلوكيشن, حيث إنها الآن لن تنسخ أو تسرق أو تنتسب للغير أو تتعرض للطعن بأصالتها كما كان يحصل من قبل وتعمل على تقليل قيمتها الفنية والمادية, بل سيتم بيعها كقطع فريدة تحمل سجلاً إلكترونياً وشهادة ملكية. ** ** فنانة تشكيلية - الرياض. @hana¬¬¬_alshebli