** كان مكتبُه بعد مكتبتِه مسارًا للكتب ومزارًا للمؤلفين ومنتدىً ضحويًا وعصريًا ومغربيًّا يؤمُّه محبو صاحب المكتبة وعددٌ من الكبار في ميادينهم العلمية والعملية، وفيهم دارسون ومدرسون، ومدنيون وعسكريون، وشداةٌ ومتكونون، وأقربون وعابرون، والحوار الماتع، والسؤال والإجابة، والحكاية والقصيدة، والذكريات والإضاءات، وفي بعض تلك الأوقات لا يكاد يفرغ مقعد، وفي بعضها لا أحد سوى عرَّاب المجلس وربانه، وغلافه وفهرسه، ومضيفه ورائده قارئًا ومراجعًا وباحثًا في ملفاته. ** أسس مكتبة «دار العلوم» في السبعينيات الميلادية بعدما غادر موقعه في مكتبة «معهد الإدارة» إثر عودته من بعثةٍ أوشك أن يُكملَها لولا حوائلُ وعقبات خارجية لم يتخطَّها فكان طبيبًا لم يحمل شهادة الطب، وأديبًا لم يتخصص في الأدب، ومكتبيًا في المعهد، وناشرًا في الدار، وأحد أفراد الدفعة الأولى من ثانوية عنيزة أواخر الخمسينيات الميلادية، والشابَّ الأنيقَ المهتم بالفن العائد من إيطاليا، وصديق الشعراء والأدباء والأكاديميين والضباط والمسؤولين. ** في سجلاته تتجاور رسائل «ألبرتو مورافيا» مع أوراق «نزار قباني» وخطابات ابنته «هدباء»، ومسودات شعر الراحل «عبدالعزيز المسلم» مع تحقيقات العلامة اللغوي «محمد عبدالخالق عُضيمة» بجانب رواياتٍ مخطوطة للشيخ «محمد العبودي» وقصاصات من ذكريات وأوراق متناثرة من حكايات اللبناني كمال جنبلاط والسوري سليمان العيسى، وصور نادرة وفواتير طبعٍ ونشر، وسيجد من كتب له: «حضرتُ ولم أجدك» أن وريقته موثقة ضمن أرشيفه المليء المتنوع. ** أبو راكان عبدالله بن ناصر العوهلي – من مواليد نهاية الثلاثينيات الميلادية لا عن توثيق بل عبر مقارنته بأصدقائه الخُلّص، ومنهم أستاذنا الكبير عبدالرحمن البطحي 1357-1427ه الذي تمر هذه الأيام ذكرى رحيله الخامسة عشرة- غاب عن المشهد بإقفال معرض مكتبته عام 2009م ومكتبه عام 2011م، وأصابته وعكةٌ أبعدته عن عشقه المهني وعلائقه الحيوية، وبقي حبه للناس ودعاء الناس له. ** غابت «دار العلوم» بغيابه، وبقيت مخطوطاتٌ اشترى حقوقَها لنفسه ضنًا بها وخوفًا عليها، ومنها: «فهارس كتاب سيبويه، وفهارس المخصص والاقتضاب وأدب الكاتب» للشيخ محمد عبدالخالق عُضيمة 1910-1984م غفر الله له حيث اشترى حقوقها و(دفع – كما ورد في ترجمة عضيمة – الحقوقَ المالية كاملة، مع أن المبلغ كبير في ذلك الوقت سلمه للشيخ مقدمًا، وكان العوهلي كريم النفس، حسن التعامل، رحب الصدر، فصحح الشيخ التجربة الأولى لكن المنية عاجلته، ولم تزل الكتب تحتاج إلى من يقيل عثرتها...) – ويكيبيديا. ** لم يسكن الشوقُ عن لقائه – حفظه الله - ولن يسكتَ الأمل في الجامعات ودور النشر من أجل الالتفات إلى ما بقي من إصدارات الدار الثرية وما لم يُنشر لها، ولعل ابنه المتميز راكان المحاضر في جامعة الملك فهد للبترول ووالدته وأخواته يلتفتون لأرشيفه ويوثقون سيرته ومسيرة «دار العلوم» من خلاله مؤسسًا، ومع شريكه ورفيق دربه الأستاذ محمد السليمان القاضي رحمه الله، وسيظل صدى مجلسه متقدًا في ذهن صاحبكم الذي عرفه متأخرًا فصار من أقرب أصفيائه، رعاه الله. ** رصيد المرءِ تعاملُه لا عمولاتُه.