لعقود مضت والعالم كله ينادي بنظام دولي جديد، ولم يتحقق هذا النظام المنشود. وذلك لأن هناك من رأى أن مبدأ الهيمنة بالقوة والتطرف هو الحل للأزمات الاقتصادية والسياسية واالاجتماعية والبيئية والصحية القائمة. بعد الفشل المتلاحق للتوتير والتطرف في حل الأزمات، قد يتوهم البعض أن هناك منتصراً وآخر مهزوماً! وأن المهزوم عليه أن «يستسلم». لا أنكر أن ما مر به العالم من حروب التطرف كاد أن يؤدي إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر. وأن الكثير من المراقبين السياسيين يعتبرون «حرب التطرف» هي الحرب العالمية «الثالثة»؛ وقد تتفق أو تختلف معهم؛ ولكن الجميع يتفقون على رأي واحد هو؛ أن الوقت قد حان لنزع فتيل التطرف والتوتر بين دول العالم. وهذا «انتصار» للعالم أجمع وليس لطرف دون طرف. الدول التي راهنت على التطرف لحل الأزمات «خسرت» الرهان، ولكنها لم تخسر قوتها وإمكاناتها! والدول التي راهنت على الصمود والتصدي للتطرف لم تنتصر بالمعنى العسكري؛ إنما «ربحت» جولة من «المصارعة»؛ وهذا الربح يقودها إلى طاولة المفاوضات؛ ولكن إذا اغترت ب»نشوة انتصار واهمة»؛ قد يقودها ذلك لعودة التطرف من جديد! الربح والخسارة هنا ليست لبلد أو كيان واحد؛ إنما للعالم أجمع! وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد «خسرت» جولة، فهي باقية كأكبر قوة عسكرية-اقتصادية في العالم! والحاكم فيها ليس فرداً، بل مؤسسات. قد يكون تغير الأفراد سهلاً؛ ولكن المؤسسات تحتاج إلى زمن طويل؛ ومساعدة حتى من الخصوم؛ كي يتغير المبدأ المحرك لها! والتغير المنشود هنا هو التحول من مبدأ فرض الهيمنة الأحادية بالقوة إلى مبدأ «الاعتدال» والاعتراف بتبادل المصالح بين الشعوب! والمؤشرات الدالة على مثل هذا التغيير بدت واضحة. فالقرارات لإعادة إحياء الاتفاقيات الدولية والتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمات الأممالمتحدة الأخرى؛ بل إعادة إحياء دور الأممالمتحدة بالكامل؛ هو خير دليل على بداية التغير في المؤسسات الأميركية. أقول «بداية» التغيير كي يكون واضحاً أن لا مجال للتصور بأن الأمور ستتغير بين يوم وليلة، ولا بد من ترك المجال لمن هو في أعلى الشجرة كي ينزل عنها، لا أن تحرق الشجرة وتسقط أنت وهو في آن! فلأول مرة في التاريخ يجري مثل هذا التحول من مبدأ القوة إلى مبدأ المصالحة وبناء «نظام دولي جديد» يضمن الأمن والسلام والازدهار لكل الشعوب وترك الهيمنة والاستعباد. ** **