لاشك أن الطغيان والظلم البالغ ثم استخدام الظالم للقوة المفرطة بالقمع مؤدٍ لانفجار عظيم يدمر كل شيء يقف أمامه ولاتصمد في وجه هذا الانفجار أي قوة كانت مهما تسلحت به من دروع وحصون،بل وقوة خارجية لأن موازين الربح الخسارة عند المظلوم غير متوازنة فضلاً عن أن تكون الكفة لصالح الربح بل إن الخسارة قد جاءت على رأس المال كله، فأصبح لايرى أن هناك شيئاً يخسره ووجد أن الحياة لم تعد تمثل له شيئاً، فكشف صدره لجلاده متحدياً بأن يطلق عليه الرصاص الذي تبين فيما بعد أنه لايصلح للاستعمال؛ بسبب تطاول الزمن عليه دون استعمال؛ حيث إنه لم يستعمل للهدف الذي قد استورد من أجله وإنما لإخماد أصوات ظلت تخافه خيفة الجن لسليمان - عليه السلام - حتى أكلت دابة الأرض منسأته ليتبين لها بعدُ ضعفها بسبب عدم علم الغيب الذي استأثر الله به . نعم إن الذي يسبر مواطن الظلم في عالمنا المعاصر وسير الظالمين وطرائقهم في استعباد شعوبهم لايبقى لديه أدنى شك في أن تحولاً عظيماً بل ومفاجئاً سيحدث لأن شروط الانفجار وانتفاء موانعه قد وجدت فلم يبق إلا سماع دويه المزلزل وهذا ماحدث بالفعل والدليل عليه أن عروش الظلم قد زالت بعد برهة قليلة من الانفجار ولم تمهل الظالم حتى لالتقاط الأنفاس . إذاً فمن غير المستغرب تهاوي هذه العروش بالسرعة التي رأيناها لكن وفي خضم السعادة التي نراها بادية في أوجه الكثير من الناس لانهزام الظلم وأهله ينبغي أن نرشّد تفاؤلنا حتى لانصاب بصدمة كبيرة قد تخمد مابقي في النفس من عزة واستعصاءٍ على الظلم، ثم تستمريه لاعتيادها عليه ؛حيث إنها جربت الوقوف في وجهه ومالبث أن عاد عليها بأسوأ مماسبق . نعم ينبغي ألا نبالغ بالفرح بسقوط عروش الجور والظلم إلا إذا تأكدنا بأن شجرة الظلم قد اقتلعت من جذورها لا اقتطاع أصلها وفروعها فقط لأن الأصل وفروعه في بعض الشجر لايلبث إلا وقتاً قصيراً ويعود أشد نضارة مما سبق وكذلك الظلم . أقول ذلك لأن جذور الظلم لم تقتلع في مثالي تونس ومصر بل بقيت متمثلة برموز ذات ثقل من الأنظمة البائدة، ثم إن جذر الظلم الأقوى المتمثل بالقوى الخارجية لم يقتلع بل بقي صامداً يؤسس للشجرة الجديدة سالفة الذكر . لاشك ولا ريب بأن القوى الخارجية هي السبب الكبير في ظلم شعوب العالم الثالث من قبل حكامها وإن تظاهرت باحترامها لحقوق أفراده ودموع التماسيح التي زعمت أن أعينها قد جادت بها لما رأت من قمع وحشي للمستضعفين ذلك أن الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية متوقف على وجود بعض الجبابرة والطغاة ومادام واحدهم ينفذ أجندتهم وبرامجهم بدقة متناهية فهو المقدم بشرط أن يحكم السيطرة على شعبه وبأي طريقة كانت لكنها لاترضى بأي حال من الأحوال بحماقات تصدر من بعضهم تؤدي في الأخير لثورة الشعب عليهم ثم لفظهم . نعم إن الحماقات التي صدرت من أرباب الجور والظلم والمتمثلة بالإفراط بالقمع ثم استحواذهم على كل شيء، بل وحتى منافسة شعوبهم على لقمة عيشهم قد أحرجت أسيادهم أيما إحراج وجعلتهم يتلعثمون في كلامهم ويرتبكون في مواقفهم وآل بهم ذلك إلى التبرؤ منهم ثم التخلي عنهم بأبشع صورة وإن كانوا قد قدموا لهم خدمات جليلة لم يكونوا ليحلموا بها مجرد حلم . نعم إن لدى الغرب من الحلول لبقاء من ينفذ أجندتهم على كراسي الحكم الشيء الكثير لكنهم لايجدون الحل مع الحماقات : لكل داءٍ دواء يستطب به * * * *إلا الحماقة أعيت من يداويها ولذا تجدهم والحال هذه سرعان مايتخلصون من أولئك الحمقى، ويتركوهم ليواجهوا مصيرهم وحدهم ولا أدل على ذلك من الحال الذي وصل إليه "شين العابدين" حيث آل به الأمر لاستجداء المكان الذي يلجأ إليه ويأمن فيه ولكن هيهات فإن أسياده لايؤون الحمقى أمثاله . نعود إلى الثوار ونقول هل ثاروا بالفعل على الظلم فأزالوا شجرته وهشموا من الحية رأسها؟! أقول بكل أسف لم يحدث ذلك ولم تتحقق الحرية بمعناها المتكامل وإن ذُر الرماد في العيون وقيل هناك حريات تحققت فهي لاتعدُ فتاتاً والأيام القادمة جديرة بإيضاح ذلك؛ لأن الشعوب التي طال خنوعها وإذلالها يصعب عليها تطبيق مبدأ الحرية المراد في الغرب بفترة قصيرة لكنها خطوة تكرّم الغرب ببذلها مع ظني الغالب بأنه لن يجود بغيرها مهما كان الأمر لأن مصالحه لا تتماشى البتة مع تطبيق نموذج الحريات التي ينادي بها وهو كما سبق وذكرنا إنما يعبد مصالحه وينبذ مبادئه إذا تعارضت معها . إن مصالح الغرب لاتتكامل إلا إذا خنعت شعوبنا ولن يشبعوا إلا في حال جوعنا ولن يسيطروا إلا في حال تقهقرنا . لقد نجحت ثورة تونس ومصر - وليبيا في الطريق - بإزالة جبابرة يعدون من أعتى الجبابرة في هذا العصر – ولاشك - ولكن إذا نظرنا إلى خانة "دائن" كما في كشف الحساب الذي يصدر من المصرف، بمعنى أننا إذا حسبنا الأرباح وجدناها قليلة لأن الأرباح الضخمة لايمكن أن ترد بحال من الأحوال لأن ذلك معناه فشل الغرب الذريع بدوام السيطرة والواقع خلاف ذلك تماماً فإن الغرب مطمئن أيما اطمئنان لما آلت إليه الأحداث، حيث إننا لايمكن أن نحكم بنجاح الثورة في مثال مصر ومعبر رفح لايزال مغلقا والمعاهدات التي تمت مع إسرائيل بغير رغبة الشعب والمسلمين جميعاً لاتزال قائمة،بل وملتزماً بها من قبل الجيش الذي ينبغي منه في حالة الديمقراطية "الحقيقية" أن يعيد البت في ذلك الشأن بعدُ إلى الشعب ليقرر القرار الذي سلب منه حق البت فيه . نعم إن الشعوب الثائرة حققت بعض الأرباح ولاشك وإنها ستلذ بطعم الحرية لكن المنقوص؛ حيث سيقضى على بعض الفساد وسيودع المفسدون السجون وستتم محاكمتهم علانية و.. و.. و.. إلخ وكل هذه الأمور تجري تحت نظر ومراقبة الغرب لئلا يُتعدى بها الخطوط الحمر وهي – بنظري القاصر- إبر مخدرة سيكون لها مفعول لكنه لا يعدُ زمناً قليلاً ثم تعود الأمور إلى ما كانت عليه وسيكتشف الجميع بأن الوجوه هي التي تغيرت فقط . وإن سلمنا بأن هناك حريات حقيقية ستتمتع بها تلك الشعوب فسيتخللها ولاشك تناحر بين الأحزاب يوقف عجلة التقدم ويؤخر المشاريع التي تنتظرها الأمة والتي يتوجس منها الغرب خيفة . إن العراق مثال قريب أريد أن يكون محل تجربة لديمقراطية ناجحة كما روج الغرب لها ودندن ثم تستنسخ التجربة في بلاد مجاورة ولكن هل نجحت التجربة وهل لازال الغرب حتى هذه اللحظة مصراً على استنساخها ؟! إن الإخوة في الكويت أصبحو يتضجرون من التجربة الديمقراطية في بلادهم لأنها لم تحقق شيئاً وانشغل مطبقوها بالخلافات لأمور يسيرة كانت سبباً مباشراً في إيقاف عجلة التقدم المنشود ولم يتحقق نجاح إلا فيما يدخل تحت مسمى "حق المرأة" . إن الحرية الحقيقية تكمن في تطبيق منهج الإسلام في تنصيب ولي الأمر وأن يكون مرجع ذلك لأهل الحل والعقد الذين يثق برأيهم عموم الناس لا أن يكون مرجعه عوام الناس ففيهم الغوغاء الجهلة وأصحاب الهوى وغيرهم،وهؤلاء ليسو بأهل ليقرروا مصير الأمة ويختاروا قادتها . إننا في مرحلة عصيبة توجب على أهل الكلمة الدقة في اختيار الكلمات ووزنها والنظر في مآلاتها وألا يغتروا بالنتائج السريعة للثورات الحالية لأنهم إن فعلوا ذلك فسيعودون فيما بعد- ولاشك - بتخطئة أنفسهم ويندموا ولات ساعة مندمٍ حينئذ . حفظ الله لنا بلادنا وديننا وأمننا وولاة أمرنا ومتعهم بالصحة والعافية ورزقهم البطانة الناصحة ونسأله سبحانه أن يبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على خير البشر وآله وصحبه أجمعين. وإلى اللقاء على خير......... وكتبه : خالد بن ناصرالعلي [email protected]