الإفراط في المشاعر كالتفريط عاقبته وخيمة على الفرد ومن حوله . شخص يوغل في ذاته فيخرج من منطقة الحب وهي الأمان التي ينبغي أن تكون ويكون ليسافر إلى أبعاد سحيقة في داخله ، وادراك عميقة في نفسه ، محاولا أن يكرس نفسه لنفسه فقط ، فتصبح تجاربه هي المقياس وعلمه منتهى العلم، وأناه نحن ، ونحن تكون تابعة لأناه بعيدة عن الشراكة والعلاقة التي ينبغي أن تكون بين الفرد هو والجماعة هم . يزيد تركيزه على احتياجاته الشخصية ويرى في تحقيقها مصدرًا لخلاصه ونجاحه ، ومع زيادة هذا التركيز تصبح تلك الاحتياجات مبعث قلق له، تورثه شعورًا بوحدة قاتلة قاسية تجعله يعيش الأسى والهم والقلق . قد يتجاوز أقرانه نجاحًا ماديًا وحضورًا اجتماعيًا ، لكنه لا يتجاوز نفسه التي كانت بالأمس أهدأ وأنعم ، يهرب من هذه المقارنة ويتجه إلى منافسات جانبية مع أقرانه البسطاء بمقاييسه الذين يعدهم مؤشرا لنجاحاته . هؤلاء البسطاء يجرون في مضامير مختلفة لكنها واقعية بالنسبة لهم ولاحتياجاتهم وقبلها إمكاناتهم وتصوراتهم وأحلامهم وطموحاتهم . ينظر إلى نفسه ومرآتها فإذا هو في الأمام وهم خلفه، لكنه لا يدرك ماهي نجاحاتهم وكم هي المسافة البسيطة التي قطعوها باتجاه تحقيق رؤاهم وأهدافهم ؟. هو يسبقهم بمعايير المسافة وأبعادها الفيزيائية ومقاييسها الكمية أما الكيفية فتنحاز لأقرانه ، وهذا ما يجعلهم إلى أهدافهم الصحيحة أقرب وإلى طمأنينتهم أبصر وإلى تحمل المشاق أقدر وأصبر ، يحثون الخطى باتجاه حلم قد يحمله ويكمله ابن أو حفيد ما زال في مقتبل العمر ينتظر العصا في المنعطف الأخير ليكمل الجري ضد الزمن وصعوباته باتجاه هدف يراه واضحا وجليا أمامه ، في حين أن الآخر يجري مقاتلاً شرسًا في حلقة مفرغة يدور حول نفسه يحاول الوصول لكنه لا يدري متى وكيف وإلى أين المنتهى ؟. ** **