قربَ الأقصَى.. تَتَنَاثَرُ أجسادُ الصبرِ وكظمِ القهْرْ. عند الأقصى تُهَراقُ دماء النَّصْرِ.. وتُحرقُ أوراقُ الفألِ يَشيخُ النّثرُ.. وينتحُر الشِّعْرْ في أروقةِ الأقصى.. تُسْتَذَلُّ وجوهُ الخيرِ يُداسَ الكتابُ يجوسُ الذين لهم سَكَرَاتُ وليس لهم جِذْرْ يطأُونَ بباطلهم وبأقذارهم.. يطأون الأصلَ.. ورُوحَ الفَصْلَ فيغلي الأَسَى وينفجر الصدْرْ.. حول الأقصى.. يتلوَّى شيخٌ.. وامرأة.. يتمزّقُ طفلٌ فينغَلقُ الأفْقُ عن عدمٍ ودمارْ.. ومواخيرَ تُدارْ.. بفَحيحِ العُهرِ تُدارْ. بالزَّيغِ وذٌلِّ الكفر تُدار بغبار المقتِ تُدارْ.. فيغيبُ النورُ.. وينكسر العذْرُ.. يَضلُّ الرشْدُ عن الأعذارْ.. *** انْفعال: لعنةُ الله عليكمْ.. غضبُ الله عليكمْ.. من هزيم التيهِ.. حتى حسرةِ الغَرْقدِ حتى تشرقَ الأرض بنورِ اللهِ.. حتى تُفْتَحَ النارُ.. وتأتون إليها.. وأزيزُ المقْتِ يَنْساقُ إليكمْ.. لعنةُ الله عليكمْ.. غضبُ الله عليكمْ.. منذُ أَنْ قَدَّسْتُمُ العجلَ وحرّقْتُم كتابَ الله كفرا.. وذَبَحتُمْ أنبياءَ الله أحقاداَ وغَدْرا.. وإلى أَنْ جئتمُ الأقصى.. ومزقْتمْ هُدى الفرقانِ طغياناً وكِبْرا.. وقتلتَمْ فرحَ الأطفالِ نُكْرا.. وقطعتُمْ شجَرَ الزّيتونِ إِمْرا وإلى أَنّ يرثَ الله بلادَهْ وعبادَهْ.. حينما يُنْفخُ في الصُّورِ.. فمَنْ ذا يحتمي مِنْ غضب الجبّارِ..؟ مَنْ ذا سيُواري سوءَةً تبدأ منكمْ.. تَتَشَظَّى.. ثم ترتدُّ إليكمْ.. وعذابُ اللهِ مصبوبٌ عليكمْ لعنة الله عليكمْ.. *** خُطبة: أيها الناسُ.. تساوتْ كُرَبُ الموتِ وأرزاءُ الحياةْ.. كلُّ رُزْءٍ.. فوق شبرٍ من أراضينا.. قيامَهْ.. كٌلُّ يرزْءٍ بين أهلينا.. حسابٌ.. وصراطٌ دون ثأرٍ واستقامَهْ.. أيُّها الناس: تهاوَتْ قيمُ القبض على جمر النجاةْ.. كلُّ عزم صوب ترميم الكرامَهْ.. شَلَّهُ الوهنُ وإيقاعُ السَّلامَهْ.. وسيوفُ الثأرِ.. صامَتْ.. وتهاوتْ.. فهي تدري.. أنها عند خرافات الحدود الجاهليَّهْ ستَُرَى.. دون مقابِضْ.. ستُوارى.. في تُرابٍ رابَ فيه الذُّلُّ دَهْراً شاب فيه العارُ قهراً.. بين مهزومٍ.. ورابضْ.. أيها الناس: تنادَوْا ما الذي إبقاهُ تأجيلُ المماتْ.. ما الذي خَلَّدَهُ.. سعيُنا.. خلفَ أحابيل الحياةْ.. كلَّنا وهمٌ.. وخوفٌ.. كلُّنا لو تتبَّعنا السلامَهْ.. لا نُساوي في أمانينا قلامَهْ كلُّ شيءٍ.. سوف يمضي.. صوبَ أسرابِ التلاشي.. وحدَهُ.. يبقى.. كتابُ الثأرِ.. تاريخاً حفيّاً.. فيه نعدو ببهاءٍ وحبورْ.. خلفَ حقٍّ ومصيرْ.. خلفِ مجدٍ لو تَعَدَّتْهُ التَّحايَا.. وأساريرُ النَّجَاةْ.. ما تَخَطّاهُ الرِّضَا في قلبِ موتورٍ كواهُ الدّهر بالغيظِ فَصَامَهْ.. *** صوت (1) سأحمل غيظي إلى موعدٍ.. أكونُ به الفاعَل السَّيِّدا.. وأوقد ناري التي أُطفئتْ وآنَ لها الآنَ أَنْ تُوقَدَا.. سأحرقُ ذُلاً دَنَا فتدلّى وفي ساحةِ العزّ قد عَرْبَدَا.. وأَسَْتَمْطِرُ الله غيثاَ مُغيثاً.. يردُّ الصَّدَى من هدير المَدَى.. مساكبُهُ أَبْرَدَتْ بالهَزيمِ وبالبرقِ شُؤْبُوبُهُ أَبْرَدَا.. لتصِبحَ أرضُ النُّبُوَّات طُهْراً ويمُسي ثَرَاها لنا مسجدا.. فكم من جباهٍ هفَتْ للسَّجُودِ وعينٍ بكتْ قبل أَنْ تَسْجُدا.. فيا مهجةً غادرتْها الأماني. ويا أملاً جفَّ فيه النَّدَى.. سآتي إلى ساحةِ البركاتِ وأُشْعِلُ فيها كريَم الفِدَا.. وأغْرسُ رُوحي بفيضِ رضاها وأُصْفِي ثَرَاها رحيقَ الهُدىَ وأختالُ فوق حماها بنصرٍ.. مبينٍ له الدهرَ أَنْ يُحْمَدَا.. فما ظَلٌ بعدُ من الخَسْفِ لونٌ يُرادُ بنا مثلُ هذا الرَّدىَ.. فقد طالَ في رَدَهَاتِ الخُنوعِ نَجِيُّ عدوٍّ عَدَا واعْتَدَى.. فلا أرضُنا قد غَدَتْ في حمانا وَلاَ الحرُّ منْ سجنِهِ قد غَدَا.. وَلاَ انْشَرحتْ بالرِّثاءِ الصُّدورُ.. وَلاَ الْتأمتْ بالعَزَاءِ السُّدَى.. فإمّا بحُسْنَى تُغيثُ الجهادَ.. وإما بحُسْنى الَّذي اسْتُشْهِدا.. *** تقرير: لم يعدْ في الأرضِ مذياعٌ كريمْ.. لا.. ولا عبر المدارات فضاءٌ فيه تلفازٌ حميمْ.. والعزاء المرُّ.. أضْحى.. من أساطيرِ الجريَدهْ.. وحدها.. الأخبارُ تطفو مثل مخلوقٍ وحيدْ.. مزْقَتْهُ سكرةُ الأنذال بالقهرِ وأفكارِ العبيدْ.. وحدهَا.. الأخبارُ.. تأتي مثل مأسورٍ تَوَلاَّهُ الحديدْ.. أو غريبٍ يستضيفُ القحطَ بالحزنِ.. وأصنافِ الصُّدودْ.. وحدَها.. الأخبارُ تذوي.. دون تربيتٍ ولا تَطْييبِ خاطْر.. تتبدَّى بين أوجاع المَنَاظِرْ.. أبداً.. ليس لها أيُّ اتِّصالٍ.. بتماثيلِ البرامجْ.. أو بألوان المباهجْ.. فهي لا تدخل في طيف المداخِلْ.. وهي نِسْيٌ تتخطّاه أهازيجُ المَخَارجْ.. الحَياءُ العذبُ من غيظٍ تَوَلّى مثل مقهورٍ غريبْ.. وتَدَلّى العهرُ من كلّ الوجوه عبر شاشاتٍ بلا طعم بهيٍّ ولا لونٍ لذيذْ وبلا نشْرٍ.. يُعيدُ الطيبَ من نارِ الحميَّهْ.. عَبْرَ شاشاتٍ تحاشتْها الصفاتُ اليعربيَّهْ.. هربتْ كلُّ النعوتِ الأريَحيَّهْ.. هربتْ كلُّ العناوينِ سوى نعتٍ.. وعنوانٍ يليق اليومَ بالمَسْخِ.. وسوءِ الجاهليَّهْ.. «الدِّياثَهْ» شاهدٌ.. أو شاهدانْ.. أو ثلاثَهْ.. «الدِّياثَهْ» إنه النَّعتُ الوحيدْ إنه النعت الذي لم يتردّدْ في التباهي.. بالمحطَّاتِ التي تختالُ عهراً.. بالمحطّاتِ.. التي تأبى الهويَّهْ.. وحدَها.. الأخبارُ تبكي.. وتعاني.. وتموتْ وحدُها.. الأخبارُ من أرض الرَّزايا والمصيْرْ. تحرقُ الأخضرَ في قلب الحقيقَهْ.. وحدها ترثى ثَرَانا.. ثم تَصّطَكُّ بأحزان النّذيْر.. تنتهي الأخبارُ من بين الضّحايا.. والسَّبَايا.. فيضجُّ الرقْصُ والهزُّ وتَنْسابُ الأغاني وكأنَّ الأرضَ.. والإنسانَ.. والأعراضَ ليستْ من خلايانا وليستْ من بَقَايا همِّنا الطاغي المريْر.. وحدها الأخبارُ.. تأتي.. ثم يحتدُّ مَدَاها.. شاهداً.. فوق ثرانا.. بالذي أبعدنا من رحمة الرحمن.. أودى بهُدَانا.. أي شيءٍ.. يتبقَّى.. بعد تشييعِ الحَيَاءْ وتراتيل الغناءْ.. وانتفاضِ الأرضِ في وجه السَّمَاءْ..؟! قَنَواتُ الرَّقْصِ من حولِ البلاءْ.. تَتَثنَّى.. وبِرَغُمِ الهَوْلِ تلهُو تتغنّى.. أبداً.. لا فرق بين الغَمِّ في «حيفا» و«يافا».. وصليلِ الحُلْي في «بيروت» موصولاً بأصدافِ الخليجْ.. أبداً.. لا فرقَ بين الموتِ في «القدسِ» وعرسٍ عربيٍّ شقَّ أجوازَ الفََضَاءْ.. *** صوت (2) سوف أبكي.. نَعَمْ.. هناك دموعُ لا تُجارى في مَقْتِها.. لا تضيعُ سوف أهمي بثورة الصَّحب إنّي دون صحبي لا يصطفيني الشَّرُوعُ والربيعُ الربيعُ يألف وجهي كلما همْتُ هامَ فيَّ الربيعُ.. والهوى ينتشي إذا احتَدَّ حدِّي فوق حدي قد حالفَتْني الضُّلوعُ.. حالفتني طلائعُ النصرِ إنّي.. في هَزيعِ الَفَلاح.. طابَ الهزيعُ.. أستطيع الفداءَ قبل احتضاري وبغير الفداءِ لا أستطيعُ.. أفتدي كلَّ صيحةٍ رابَ فيها وجعُ الثأر واسترابَ النجيعُ.. أفتدي في موارد الرُّوح أرضي وعلى الأرض بعتُ ما لا أبيعُ.. ورفعتُ الراياتِ راياتِ مجدي وجهادي.. أنا الرَّفيعُ الرَّفيعُ.. طبتُ إني بمُهْجتي سوف أمضي صوبَ ساحِ الفداء طابَ النُّجوعُ صوبَ عَرْفِ الجِنانِ أسبقُ روحي وجنوحي يستلُّني ويروعُ.. كلما كَبَّرَتْ على السّاحِ خيلي طاب في الله مصرعٌ وصريعُ واستحال الرجوعُ عن ظل سيفي.. بين كَفىِّ والسيفِ مات الرجوعُ سيّدُ الفتح.. مورقٌ وجهُ فتحي قمرُ النصر مُغْدقٌ ما أُشيعُ وأميرٌ في ثورتي وانتصاري سيُرى الحبُّ والنَّدى والخشوعُ سوف أبكي نعم فلِلْحقِّ وجدٌ أشعلتْه حجارةٌ وشموعٌ.. سوف أبكي فللمقاليع نصرٌ بشّرتْني به الحَصَى والجموعُ وجباهٌ تُهدي الشّهيد رضاها باحْتِسابٍ لم يقترفْه الخنوعُ بشّرتْني به من الله آياتٌ ووَعْدٌ.. وموعدٌ لا يضيعُ.. في ضمير الإسراء أسكنُت فأْلي وبروحِ المعراجِ حلَّ الشَّفيعُ هذه عبرةٌ بأولِ صدري أسرجَتْني وباركتْها الدُّموعُ فإذا بي قبل الصهيلِ امتثالٌ.. وإذا بي عندَ الصهيلِ شروعُ *** خاتمة: قُربَ الأقصى.. سَأشُدُّ حزامَ الصَّبْرِ وعزمَ الدهرْ.. عند الأقصى.. سأعيدُ حداءَ النّصْرِ وأُحِيْي الفأْلَ.. أُجاهدُ.. أكتبُ بالنَّثرِ زَوَالَ القهْرْ وأٌنازلُ بالشّعرِ أجلُو عذابَ الصَّدْرْ.. في أروقةِ الأَقْصى.. سوف أتلُو كتابَ القريبِ المجيبِ.. أُنادي الحبيبَ وأدعو.. واستغفرُ الله من كلّ ذنبٍ وأشكرُهُ وأُصلّي.. صلاةَ الفَجْرْ...