خلال الأسابيع القادمة يعود إلى كابول ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه (87عاما). إلا أن موعد العودة بالضبط لم يحدد بعد. ففي البداية قيل إنه سيعود في 21 من مارس الماضي ثم قيل في 24 منه. ثم في 26. والآن يجرى الحديث عن التأجيل إلى تاريخ غير معلوم من أبريل الجاري. غير أن الأمر الذي لا يزال غامضا وغير محسوم هو: هل يعود إلى أفغانستان الاستقرار المفقود منذ إسقاط حكم ظاهر شاه ل29 سنة مضت. فالوضع السياسي الناشئ في أفغانستان حاليا ليس خاليا من الغيوم والتعقيدات. فالملك قبل أي شيء آخر زعيم قبائل البوشتو. ولذا يفسر حماس رئيس الوزراء الحالي البوشتوني حميد قرضاي الذي يعتزم مرافقة الملك شخصيا من روما بأنه محاولة منه لتدعيم مواقعه بين شيوخ قبائل البوشتو. وحينئذ سيكون له حظ في البقاء في منصبه. والحسابات تتم بناء على أن ال «لويادجيرجا» (الجمعية التأسيسية لمندوبي مختلف القبائل التي يدعوها عادة إلى الانعقاد الملك) يفترض أن يلتئم شملها حسب خطة الأممالمتحدة في يونيو 2002. ويفترض أن تقر هذه الجمعية قرارا في شأن إجراء انتخابات في عام 2004 وإعداد الدستور. أو بالعودة إلى دستور ظاهر شاه. كما أن على الجمعية أن تنتخب حكومة انتقالية لفترة 18 شهرا يتصدر لزعامتها قرضاي. إلا أن هناك بعض الشكوك التي تعترض هذا المسعى. فمن جهة انعقدت آخر جمعية عام 1964 وليس ثمة ما يؤكد ما إذا كان سيأتي إليها جميع المندوبين ال320 المتوقع حضورهم. كما ليس واضحا أيضا كيف سيصوتون. وهل سينفذون لاحقا القرارات التي سيتخذونها أم لا. فليست في البلاد حتى الآن قوة تمثل مصالح الدولة ككل. من جهة أخرى تقع حكومة قرضاي في كابول التي يسيطر عليها جيش تحالف الشمال سابقا. الطاجيكي القوام. برئاسة وزير الدفاع الحالي محمد فهيم. فجيشه يعتبر خصما لقادة كل المجموعات القومية على اختلافها. وحقيقة أن منصبي وزيري الداخلية والخارجية يحتلهما ممثلون عن مجموعات «الشمال» تجعل إمكانية المساومة مع قبائل البوشتو أبعد بكثير عن الواقع. إضافة إلى أن هؤلاء الأشخاص والقوات التي يسيطرون عليها والتي تتشكل من 32 فرقة هم اليوم شبه الجيش الوحيد على صعيد البلاد. ووصف «شبه الجيش» هنا يأتي من منطلق أن «قادة المجموعات» في نطاق هذا الجيش يحاربون رفاق الدرب هنا وهناك لتوسيع نطاق «أراضيهم». أما أبناء جلدة قرضاي البوشتونيين فلا يشكلون أكثر من «فسيفساء» عفا عليها الزمن من تحالفات القتال المؤقتة. وقد كان لزمن قريب يعتبر أن ثمة أفغانستان ان شمالية (تدعمها روسيا وإيران والهند وتعترف الأممالمتحدة). وجنوبية تخضع للطالبان والنفوذ الأساسي فيها لباكستان. والآن أصبح هناك أكثر من «أفغانستانين» اثنتين. ذلك نظرا لأن بين قبائل البوشتو من صار صديقا للأمريكيين أو عميلا لهم ك«حضرة علي» من جلال أباد مثلا أو «جول آغا» من قندهار اللذين يقود كل منهما 12 ألف جندي. فقد عقد الأمريكيون مع هؤلاء اتفاقية لتمويلهم بغية استخدامهم في الكفاح معا ضد الطالبان. وهم غير مستعدين للاعتراف بسلطة الحكومة المركزية عليهم (دمية جماعات الشمال). ولذا توجه المساعدات الأمريكية إليهم في الحقيقة ضد قرضاي. لأجل إزالة كل هذه الشكوك رأى قرضاي إنشاء جيش وطني جديد يصل تعداده إلى 200 ألف شخص (حسب تقديرات الجنرال محمد فهيم) يدعون إلى التطوع من جديد من مختلف القبائل والمقاطعات. ويفترض فيه أن يصبح القوة الموحدة لأفغانستان. ولقد زار رئيس الوزراء مؤخرا وهو حامل هذه الفكرة بالذات عددا من الدول بينها روسياوالولاياتالمتحدة.وقد اتخذ قرار هذا الأسبوع بعد مباحثات طويلة بين الأممالمتحدة والدبلوماسيين الأمريكيين بعدم زيادة الوحدة الحالية المكونة من 4800 شخص من 19 بلدا وتبقى ضمن حدود كابول. وبهذا تكون الولاياتالمتحدة قد عرقلت الطلب الذي تقدم به من مجلس الأمن الدولي في يناير لا قرضاي وحده. بل معه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وفي المحصلة لن تكون عند قرضاي أية إمكانية لنزع سلاح قادة المجموعات أو حتى إجبارهم على القيام بذلك. وسيبقى رئيس وزراء فقط في العاصمة. * تقرير لمركز التقديرات السياسية والاستراتيجية بروسيا