شكل إعلان الرئيس الأفغاني حامد كارزاي عن عزمه الطلب إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المساعدة في إجراء محادثات بين حكومة كابول وحركة"طالبان"منعطفاً جديداً في الوضع الأفغاني، خصوصاً انه صاحب هذا الطلب إعلان عن وجود وفدين من حكومة كابول وحركة طالبان في المملكة العربية السعودية وقد التقيا برعاية المملكة للبحث في سبل الحل السياسي للأزمة الحالية في أفغانستان . وجاء هذا الطلب الرسمي الأفغاني بعد أسابيع قليلة من التغيير في قمة السلطة في باكستان المجاورة التي كانت تتهم عادة من أفغانستان بتغذية الصراع فيها ودعم"طالبان"و"القاعدة"وتسليحهما، وهو ما وعدت القيادة الجديدة في باكستان ممثلة بالرئيس آصف علي زرداري وقائد الجيش الجنرال أشفاق برويز كياني بعدم السماح به، بل وسافر كياني إلى كابول للقاء قادة قوات الناتو في أفغانستان ولإطلاع الحكومة الأفغانية على الجهود التي يقوم بها الجيش الباكستاني في مناطق القبائل. وأوفدت الحكومة الباكستانية وزير خارجيتها محمود شاه قرشي إلى كابول للبحث مع الحكومة الأفغانية وطمأنتها إلى دعم باكستان كل خطواتها من أجل التوصل إلى استقرار في الأراضي الأفغانية، وتبع ذلك قيام باكستان بتغيير مدير استخباراتها العسكرية المتهمة بالضلوع في دعم"طالبان"بجنرال آخر عرفت عنه الدعوة إلى حسم عسكري في وجه الجماعات الباكستانية المسلحة ومطالبته بوقف أي نشاط لطالبان أفغانستان في الأراضي الباكستانية حتى لو كان مثل هذا النشاط سلمياً. ضرورات داخلية وأخرى خارجية منذ سقوط حكومة"طالبان"على يد القوات الأميركية وحلفائها أواخر العام 2001 دأب الرئيس الأفغاني حامد كارزاي على وصف مقاتلي طالبان والحركة في شكل عام بأنهم"أعداء الشعب، ومجموعات القتلة، والإرهابيين المدعومين من الخارج.."وما إلى ذلك من أوصاف"، ورفض كارزاي أي حوار مع الملا محمد عمر ومن وصفهم بزمرته المتآمرين على الشعب الأفغاني، كما رفضت القوات الأميركية وحليفاتها من الدول الأخرى أي حوار مع حركة"طالبان"، وكان الأميركيون رفضوا قبل عامين اتفاقاً وقعته القوات البريطانية مع شيوخ القبائل في منطقة سنغين في ولاية هلمند جنوبأفغانستان نيابة عن قوات"طالبان"في المنطقة في حجة أن التفاوض مع"طالبان"يقوي شوكتها ويعطيها شرعية في الشارع الأفغاني. فما الذي تغير حتى يغير الرئيس حامد كارزاي موقفه من حركة"طالبان"ويدعو الملا محمد عمر للعمل معه وتشكيل حكومة مشتركة في أفغانستان تعمل على استقرار الأوضاع وعودة الهدوء إلى البلاد؟ الوضع المتدهور بحسب بيانات القوات الدولية في أفغانستان فإن عمليات"طالبان"ازدادت بنسبة 50 % خلال الأشهر الماضية، وزاد عدد القتلى المدنيين جراء القصف الجوي الذي تقوم به القوات الدولية وخصوصاً الأميركية إلى أكثر من ثلاثة آلاف شخص خلال عام، بينما وصلت نسبة البطالة في أوساط الشعب الأفغاني إلى أكثر من ثمانين في المئة. وبحسب تقارير الأممالمتحدة، وإحصاءات أميركية فإن 45% من الشعب الأفغاني لا يملكون المال لتوفير غذاء صحي هذا الشتاء، وتشير التقارير إلى أن 80% من سكان الشمال الأفغاني على حافة الجوع هذا العام. وواشنطن تنفق يومياً 100 مليون دولار على الحرب في أفغانستان يذهب منها فقط خمسة في المئة لدعم الشعب الأفغاني، ويذهب من هذه الخمسة في المئة ما نسبته أربعون بالمئة إلى الدول المانحة على شكل رواتب لموظفيها في أفغانستان، وبينما لا يزيد راتب الموظف الأفغاني عن 14 دولاراً شهرياً فإن الحكومة الأفغانية تقول إن طالبان تمنح مقاتليها ما قيمته مئتا دولار شهرياً، وهو ما يزيد من تفاقم الأوضاع بالنسبة الى حكومة الرئيس حامد كارزاي. وأشار تقرير للاستخبارات الأميركية في ربيع العام الجاري إلى أن الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية في أفغانستان والقوات الدولية المساندة لها لا تزيد عن 30% من أفغانستان، كما أن الفساد المستشري في أجهزة الدولة وتفشي المحسوبية والرشوة وسوء الإدارة صب كله في مصلحة حركة"طالبان"التي بات كثيرون من الأفغان يترحمون على أيامها، وبحسب القائد السابق لقوات"الناتو"في أفغانستان الجنرال ماك نيل:"فإن الأوضاع في أفغانستان ليست جيدة ولكن قوات الناتو أحرزت تقدماً في زيادة عدد الطلبة الأفغان المسجلين في المدارس وقللت كذلك من عدد الأطفال المتوفين وزيادة في عدد قوات الناتو في أفغانستان". "طالبان"من ناحيتها زادت من عدد هجماتها وتمكنت من بسط سيطرتها على الكثير من المناطق الريفية حتى وصلت إلى تخوم العاصمة كابول، وبات السكان في ولايات لوجر ووردك المحاذيتين للعاصمة يلجأون إلى طالبان ومحاكمها الشرعية بدلاً من اللجوء إلى الحكومة وجهازها الإداري وبيروقراطيتها العاجزة، والفاسدة مالياً، كما يقول الصحافيون الغربيون في كابول. وقد تكون حاجة الرئيس الأفغاني كارزاي الى تجديد ولايته مرة أخرى العام القادم الدافع وراء سعيه أيضاً الى طلب التفاوض مع طالبان، وحسب مصادر في تحالف الشمال الأفغاني فإن كارزاي كان ولا زال على اتصال مع قلب الدين حكمتيار زعيم"الحزب الإسلامي"ورئيس الوزراء السابق والذي يقود معارضة مسلحة في شرق أفغانستان وأن الرئيس الأسبق صبغة الله مجددي هو حلقة الوصل بين الطرفين، ويدل تحالف الشمال على هذه الصلات بكون حكومة كارزاي اعترفت رسمياً بالحزب الإسلامي وسمحت له بالعمل وخوض الانتخابات وحاز ثلاثة وأربعين مقعداً في البرلمان الحالي وهو ما يجعله أكبر كتلة برلمانية، كما أن ستة من وزراء حكومة الرئيس كارزاي لهم خلفية الانتماء إلى الحزب الإسلامي، وكذلك 13 من حكام ولايات أفغانستان ال 32 هم من قدماء قادة"الحزب الإسلامي". طريق مسدود لذا وبعد سبع سنوات تقريباً من الإطاحة بحكومة"طالبان"فقد وصلت الحكومة الأفغانية والقوات الدولية المساندة لها إلى طريق مسدود في محاولاتهم القضاء على مسلحي"طالبان"، وبدلاً من القضاء على هؤلاء المسلحين أو تحجيم دورهم وحصرهم في منطقة معينة فإن مقاتلي طالبان تمكنوا من توسيع رقعة عملياتهم لتصل إلى مناطق في الشمال الأفغاني عدا عن امتدادهم في الشرق والجنوب وغرب أفغانستان. واستثمر مقاتلو"طالبان"الغضب الشعبي المتزايد من القصف الذي تعرض له مدنيون في مناطق مختلفة ليجعلوا من هذا الغضب معيناً لا ينضب في إمداد الحركة بالكوادر والمقاتلين في عملياتها ضد الوجود الأجنبي وضد الحكومة الحالية في كابول، وهو ما حدا برئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الى القول بأن حكومته تبحث عن استراتيجية للخروج من أفغانستان وأنها لا تريد الاستمرار في حرب لا نهاية لها وأنها لا تؤيد تصعيد الولاياتالمتحدة للحرب كبديل للتسوية السياسية في أفغانستان. وبحسب العميد مارك كارلتون سميث قائد القوات البريطانية في أفغانستان فإنه إذا كانت حركة"طالبان"مستعدة للبحث عن تسوية سياسية فإن هذا الأمر يمكنه أن يخلص أفغانستان من التمرد المسلح، لكن سميث شدد على أن هدف المحادثات بين"طالبان"وحكومة كابول يجب أن يكون فصل أولئك الذين يمكن التصالح معهم والذين هم على استعداد ليدونوا جزءاً من مستقبل البلاد عن أولئك الذين لا يمكن التوفيق بينهم، بينما شدد وزير الدفاع الأفغاني على أن المحادثات يجب أن تكون لإيجاد تسوية سياسية مع حركة"طالبان"تضمن قبولها بالدستور الأفغاني الحالي والتداول السلمي للسلطة بالوسائل الديمقراطية، وهو ما لم تصرح بقبوله"طالبان"حتى الآن . وقد بلغ الأمر بالجانب البريطاني لأن يقول على لسان سفير لندن في كابول أن على المرشحين لمنصب الرئاسة في الولاياتالمتحدة تجنب المزيد من الغوص في أفغانستان، واصفاً القوات الأجنبية في هذه البلاد بأنها شريان الحياة للنظام في كابول وأن أي قوات إضافية من شأنها تعقيد الأزمة وأن استراتيجية واشنطن في أفغانستان محكوم عليها بالفشل. من هذه الخلفية إذن يمكن فهم دعوة الرئيس كارزاي للملا محمد عمر و"طالبان"التفاوض مع حكومته والتوصل إلى اتفاق سلام. فماذا حدث وكيف بدأت المفاوضات وهل هي حقيقة بين"طالبان"وحكومة كارزاي؟ وسطاء سهلوا اللقاءات بعد أن اصطدمت الخطط الأميركية في أفغانستان بواقع جبالها وتعثر العلاقة بين تحالف الشمال بقيادة الرئيس السابق برهان الدين رباني والجنرال محمد فهيم مع إدارة الرئيس حامد كارزاي نظراً الى لجوء كارزاي لتحجيم دور تحالف الشمال، بدأ هذا التحالف نسج خيوط علاقة مستقبلية مع"طالبان"بالدعوة إلى الحوار معها وإشراكها في القرار السياسي، وكان المهندس أحمد شاه زي رئيس الوزراء الأفغاني السابق أول من بدأ الحديث عن إشراك"طالبان"في الحكم أو عن الحوار معها، وأعقبه في هذا المطلب الرئيس السابق برهان الدين رباني، وعلمت"الحياة"أن المهندس أحمد شاه زي حاول خلال زياراته الأخيرة لباكستان إقناع الدول الثلاث التي كانت تعترف بحكومة"طالبان"وهي باكستان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية القيام بأي عمل من أجل بدء مفاوضات بين"طالبان"والحكومة الأفغانية وذلك بتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي لهذا الغرض، ووفقاً لما قاله المهندس أحمد شاه فإن القوات الأميركية والدولية وحكومة كارزاي فشلوا تماماً في أفغانستان وأن"طالبان"إن عادت إلى الحكم لن تكون هي نفسها"طالبان"التي كانت قبل إسقاط حكومتها عام 2001 نظراً الى ما جرى من تغيير في الرؤى محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأن أفضل ما يمكن أن يحصل لأفغانستان هو وضع جدول زمني لسحب القوات الدولية مقابل إحلال قوات سلام إسلامية من دول غير مجاورة لأفغانستان وطرح المهندس أحمد شاه مشاركة قوات من إندونيسيا وماليزيا ودول إسلامية أخرى من افريقيا كون هذه الدول ليس لها مصالح خاصة في أفغانستان. إفطار جماعي أم لقاء مرتب أول لقاء علني بين مسؤولين من حكومة كارزاي ومسؤولين في"طالبان"كان على مائدة إفطار وحضر المأدبة مولوي أرسلان المستشار الخاص للرئيس حامد كارزاي والذي شغل منصباً وزارياً سابقاً في حكومة طالبان وحكومات"المجاهدين"السابقة، وكان قائداً معروفاً وعلى صلة وثيقة بجلال الدين حقاني مسؤول"طالبان"في شرق أفغانستان، وحضر الإفطار ملا عبد السلام ضعيف أخر سفير لطالبان في باكستان والمقيم حالياً في كابول، كما حضر اللقاء الدكتور غيرت بهير صهر المهندس قلب الدين حكمتيار والسفير الأسبق لأفغانستان في إسلام أباد، وعدد من الشخصيات الأفغانية الأخرى. الملا عبد السلام ضعيف الذي قيل أنه يمثل طالبان لم يتحدث بكلمة واحدة عن تمثيله للحركة في اية مفاوضات جارية مع الحكومة، كما أن قاري يوسف محمدي الناطق باسم حركة طالبان أعلن أنه لا تفاوض مع حكومة كارزاي التي وصفها بأنها"دمية بيد الاحتلال"، وتزامن ذلك مع إعلان الملا محمد عمر الزعيم الأول لحركة"طالبان"إن الحركة مستعدة لإعطاء القوات الأجنبية في أفغانستان ممراً آمناً إن هي قررت الانسحاب النهائي من أفغانستان، وأنه لا تفاوض مع حكومة كارزاي وأن"طالبان"لن تقبل بأنصاف الحلول في أفغانستان. مواقف الأطراف الإقليمية لم يكد ذلك ينتهي حتى سارع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الى زيارة إسلام أباد وأعلن مع نظيره الباكستاني محمود شاه قرشي عن بدء حوار استراتيجي بين طهرانوإسلام أباد للتعاون حول الوضع في أفغانستان وتطوراته، وعلى رغم أن هذا الإعلان قد يفهم أنه محاولة من الحكومة الإيرانية للعب بأكثر من ورقة في مواجهة الضغوط الغربية خصوصاً الأميركية والبريطانية المنادية بفرض حصار على طهران بسبب برنامجها النووي، فإن أي تفاهم إيراني - باكستاني حول مستقبل الصراع في أفغانستان قد يؤدي الى تجنيب أفغانستان الوقوع مرة أخرى في حروب بالوكالة عن الدولتين والقوى الدولية الأخرى كما حدث منذ سقوط الحكم الشيوعي في أفغانستان ولحين سقوط نظام"طالبان". ويعتبر الحوار الاستراتيجي الباكستاني - الإيراني كذلك علامة على بدء القوى الإقليمية التحرك لمواجهة الموقف في أفغانستان خصوصاً بعد تفاقم الأزمة المالية الأميركية وانعكاسها على القرار السياسي والعسكري في الخارج. الدول الأخرى آثرت الصمت تجاه ما قد يعتبر حوار البدايات في أفغانستان، غير أن خبراء باكستانيين يتخوفون من أن مثل هذا الحوار قد يهدف إلى نقل ساحة الصراع من أفغانستان إلى باكستان في ظل وجود قوات الناتو في أفغانستان، فبحسب ما ذكرته الدكتورة شيرين مزاري المديرة العامة لمعهد الدراسات الاستراتيجية سابقاً في إسلام أباد ل"الحياة"فإن أمن باكستان وسلامتها يبقيان تحت التهديد طالما بقيت قوات الناتو في أفغانستان"، واتهمت مزاري المخابرات الهندية والأفغانية وبدعم أميركي بالضلوع في أحداث مناطق القبائل الباكستانية والتفجيرات الحاصلة بين الفينة والأخرى في باكستان، وعلى رغم ترحيبها بأي حوار أفغاني إلا أنها شككت في جدوى مثل هذا الحوار الذي أعلنت الحكومة الأفغانية والقوات البريطانية أن أحد أهم أهدافه هو إيجاد انقسام في حركة"طالبان"ووضع حد للعلاقة بين قيادة"طالبان"و"القاعدة"وهو ما أثبتت الأيام عدم صحة التعويل عليه مستندة الى أن قيادة"طالبان"آثرت التضحية بدولتها على أن تقطع علاقاتها ب"القاعدة"وكذلك لم يحدث طوال هذه السنوات وعلى رغم كل الظروف التي مرت بها"طالبان"أي انشقاق يعول عليه لإيجاد قيادة بديلة عن قيادة الملا محمد عمر. في ظل هذا الوضع لا بد من التساؤل عن مدى جدية الدعوة الى الحوار وجدية الاستجابة لها وآليات تطبيق ما يتم الاتفاق عليه، في ظل اتهام"طالبان"حكومة كارزاي بأنها دمية بيد الاحتلال؟ وهل التباين الأميركي - البريطاني في وجهات النظر في أفغانستان يدفع البريطانيين إلى منافسة الدور الأميركي هناك بمحاولة استقطاب الرئيس كارزاي أو أن كل ما يحصل ويعلن هو محاولات للتغطية على الوضع الحالي وما تمر به الولاياتالمتحدة من ظروف انتخابية تجعل من الصعب على إدارة البيت الأبيض انتهاج سياسة واضحة سيكون لها تبعاتها على الإدارة القادمة أيا تكن هذه الإدارة..