افتتح في بون أمس مؤتمر "الحوار الأفغاني" الذي تنظمه الأممالمتحدة للاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية بعد انهيار حكم "طالبان" في أفغانستان. وخيم قلق واسع من اعتداءات ارهابية، مما حدا بالحكومة الألمانية الى اغلاق اجواء المدينة إلى الثاني من الشهر المقبل. وتحول مقر المؤتمر في قصر بيترسبيرغ قلعة منيعة لا يسمح بالدخول إليها أو حتى الاقتراب منها، إلا لمن له صلة بالمؤتمر. وشاركت في الحوار أربعة وفود افغانية تمثل "تحالف الشمال" و"مجموعة روما" القريبة من الملك السابق ظاهر شاه و"مجموعة قبرص" الممثلة لقبائل الهزاره و"مجموعة بيشاور" التي تمثل قبائل البشتون الأفغانية المقيمة في باكستان. واحتل "تحالف الشمال" أحد عشر مقعداً حول الطاولة المستديرة، فيما احتل مندوبو الملك السابق أربعة مقاعد، وتقاسمت مجموعتا قبرصوبيشاور ستة مقاعد. وربما كان هذا التقسيم العددي للمقاعد التمثيلية وعدد الدقائق التي استخدمها المتحدثون باسم المجموعات الأربع، مؤشرين واضحين إلى طبيعة ما سيتمخض عنه المؤتمر. وبدا ان الاوضاع على الأرض منحت "التحالف" الحق والقدرة على رسم الصورة التي يريدها لمستقبل أفغانستان الذي "ينبغي ان يبنى على الديموقراطية والتعددية والخروج من العصور الوسطى". جاء ذلك على لسان ممثل وزير الداخلية في حكومة التحالف يونس قانوني، الذي أكد أن التحالف "سائر على خطى البطل احمد شاه مسعود الذي كان همّه الأساسي أن يحصل الشعب الأفغاني على حقوقه وحريته". وأشار الى "أن الشعب الأفغاني دافع على مدى السنوات الثلاث والعشرين الأخيرة عن القيم الإسلامية وعن الاستقلال الوطني، ونحن لا نعتبر الاستئثار بالسلطة والدفاع عن الحرب شرفاً، بل نعتبر العمل من أجل إعادة إعمار افغانستان وفق برنامج الأممالمتحدة والدفاع عن وحدة افغانستان هو الشرف الحقيقي". ولم تفت قانوني الإشارة الى "القوى الخارجية والإرهاب"، مؤكداً أن "تحالف الشمال" يدين "الرجعية والتطرف ويحلم بالخروج بالبلاد من العصور الوسطى والانتماء إلى المجتمع الدولي". "طالبان" و"لوياجرغا" ولم يتطرق قانوني إلى شكل الحكومة المقبلة، كما تجاهل في شكل كامل الإشارة الى حركة "طالبان"، في ما بدا كأنه اتفاق ضمني بين الأطراف الأفغانية الأربعة على تجاهل الإشارة الى الحركة أو أي دور مستقبلي لها. ومما أثار دهشة المراقبين تجاهل المتحدثين الأربعة الإشارة الى ال"لوياجيرغا" مؤتمر قادة القبائل الذي كان يعتبر حتى أول من أمس، الإطار الدستوري الوحيد المؤهل و"صاحب الحق" في إقرار صيغة الحكم المقبلة في أفغانستان. ولا يتوقع أي من الأطراف المشاركة في "الحوار الأفغاني" أو أي مراقب أن تتوصل هذه الجلسات الى نتائج ملموسة تطبق على الأرض فوراً، فيما تمثل النبرة الإيجابية والرغبة في تجاوز مآسي الماضي والتفكير في إعادة إعمار أفغانستان وتقاسم السلطة، مبادئ أساسية يمكنها تعبيد الطريق أمام حوار طويل وشائك. وفيما رددت أجهزة الإعلام الغربية اصداء التصريحات التي أدلى بها قلب الدين حكمتيار ضد "حوار بون" واعتباره اياه "صنيعة للولايات المتحدة"، أكد وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر "الضيف الأجنبي الوحيد" في المؤتمر أن حكومته "ستعمل من أجل ان يتمكن هذا الاجتماع من تحقيق خطوات على طريق اعادة السلام إلى أفغانستان". وكان فيشر الذي رحب به الممثل الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي وشكره لدوره ودور بلاده في إنجاح "الحوار الأفغاني"، أكد ان "أمام افغانستان فرصة كبيرة من أجل تحقيق السلام والإعمار في بلد متحد ومستقل". وقال: "الآن وبعدما تمكّنا من مقارعة الإرهاب والعنف، علينا ان نعمل من اجل سيادة السلام". وأشار فيشر الى ان مسؤولية اعمار افغانستان "مسؤولية افغانية وليس من حق احد اغتصابه من بين أيديكم ولا أحد يرغب في ذلك". ودعا مندوبي الفصائل إلى "الإفادة من هذه الفرصة التاريخية من أجل فتح أبواب المستقبل أمام بلادكم وشعبكم". وأكد أن "المجتمع الدولي مستعد ومهيأ شرط أن يترافق ذلك مع مبدأ إقامة حكومة انتقالية نابعة من عملية الوفاق والسلام ومبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها وفي مقدم تلك الحقوق حق المرأة وكرامتها". النقاط الخمس ويبدو ان البلد المستضيف لمؤتمر "الحوار الأفغاني" لا ينوي لعب دور المضيف فحسب، بل يحاول جعل الحوار في بون نقطة انطلاق أساسية في مستقبل أفغانستان، إذ أكد وزير الخارجية الألماني دعم حكومته فكرة "النقاط الخمس" التي ترى فيهابرنامجاً واقعياً وتتلخص بالاتفاق على تشكيل حكومة موقتة، وعقد اجتماع لوياجيرغا، وصوغ دستور جديد لأفغانستان وإقراره فيديرالية على الأرجح، واجراء الانتخابات البرلمانية، وتشكيل اول حكومة وطنية ديموقراطية. وعلى رغم اختلاف وجهات النظر حول تطورات المستقبل، وعدم وضوح النتائج التي قد تتمخض عن "حوار بون"، فإن ثمة اتفاقاً شبه كامل بين الأطراف الأفغانية والدولية ان مجرد اللقاء يعتبر خطوة مهمة. وفيما تقع على عاتق الإبراهيمي مهمة عسيرة هي التقريب بين وجهات النظر المتباينة بعد دخول قوات "تحالف الشمال" كابول، فإن فشل الحوار في بون سيمثل ضربة عنيفة للجهود المبذولة لتحقيق مقدار من السلام في أفغانستان. وهو ما يدعو الى التكهن بأن الأطراف الأفغانية ستبذل قصارى جهدها من اجل التوصل الى اتفاق، أو على الأقل عدم الظهور بمظهر من أعاق عملية السلام. ومن المستبعد ألا تأخذ الأطراف الأفغانية والدولية في الاعتبار التطورات العسكرية على الأرض، أي سيطرة "تحالف الشمال" على الكثير من الأقاليم الأفغانية. حصة التحالف ويبدو ان النظرة "الواقعية" دعت المضيف الألماني الى أن يحسب ل"تحالف الشمال" حساباً خاصاً في اقتراح "الحكومة الموقتة" الذي سيعرض على المجتمعين في بون. وهو اقتراح ينص على ان تتشكل الحكومة من 15 وزيراً اضافة الى رئيس، تمنح 7 حقائب فيها إلى "تحالف الشمال"، ويكون رئيس الحكومة من التحالف أيضاً، فيما توزع الحقائب الأخرى على الفصائل الأخرى. ويبدو أن هذا الاقتراح الذي قدمه المبعوث الألماني الخاص يواكيم داير يحظى بدعم الأممالمتحدة. وينتظر ان تتولى الحكومة الموقتة تنفيذ المراحل الأخرى من برنامج "النقاط الخمس"، إضافة الى تنفيذ برنامج الإعمار الذي تستعد دول التحالف والأممالمتحدة لإطلاقه في أفغانستان، فور الانتهاء من الصراع المسلح في بعض مناطق أفغانستان. في طهران، هاجم رئيس الوزراء الافغاني السابق قلب الدين حكمتيار المحادثات التي ترعاها الاممالمتحدة في بون، واصفًا إياها بأنها "خدعة من أميركا" لزيادة نفوذها في أفغانستان بعد انتهاء حكم "طالبان". وأضاف في بيان وزعه بالفاكس: "وجهت الدعوة إلى الجماعات التي تتماشى فقط مع المتطلبات والمصالح الاميركية. ومشكلات أفغانستان لا يمكن ان تحلها حكومة تشكلها اميركا ولا روسيا واعوانهما". وقال حكمتيار الذي لم يُدعَ إلى المحادثات، إن "الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تصمد اكثر من سنة في أفغانستان". وأشار إلى أنه يفضل تشكيل مجلس يختاره الشعب وليس مشايخ القبائل، على تعيين حكومة موقتة. وقال إن الولاياتالمتحدة تسعى الى زيادة سيطرتها الاقليمية "تحت قناع الثأر" بعد الهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن. ورأى ان "نشر هذا العدد الضخم من القوات واكثر من 550 طائرة حول أفغانستان، لم يحدث فقط لمعاقبة مرتكبي الهجمات واطاحة طالبان واحتلال البلاد"، مشيراً إلى أن العراق ودولاً اخرى ستتعرض لهجمات بعد أفغانستان. وزاد: "الحرب الافغانية هي حرب بين الولاياتالمتحدة وكل الدول التي لا تقبل السيطرة الاميركية". وحضت بكين كل الأطراف المشاركة في محادثات بون على تشكيل حكومة جديدة والتوصل الى حل جماعي سريعاً. وقالت جانغ تشيو الناطقة باسم وزارة الخارجية: "نعتقد ان القضية الملحة الآن هي تشجيع الاطراف المعنية في افغانستان على بدء حوارات سياسية والتوصل الى حل جماعي بخصوص تشكيل حكومة انتقالية وقضايا اخرى ذات صلة. وبصفتنا دولة مجاورة لأفغانستان نشعر بقلق بالغ بسبب الاوضاع السائدة هناك ونأمل بأن يعود السلام والاستقرار الى المنطقة في أسرع وقت". أميركا وروسيا إلى ذلك أ ف ب، اعتبرت الولاياتالمتحدة ان اقامة حكومة جديدة في كابول ستتطلب بعض الوقت. وقال الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر ان "الحوار في بون هو اول خطوة في مسار طويل للمساعدة على تحديد شكل الحكومة الافغانية". واشار الى ان الولاياتالمتحدة تريد اقامة "حكومة متعددة الاتنيات وتضم نساء"، مع تأكيده ان امر تحديدها يعود الى الافغان. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية ان موسكو "ترحب بافتتاح المؤتمر، وتعتبره مرحلة متميزة بأهميتها لانتقال افغانستان الى دولة سلمية محايدة، محررة من التطرف الديني والارهاب والمخدرات ولها علاقات طبيعية مع جيرانها وسائر العالم". وذكّرت روسيا بمعارضتها مشاركة "طالبان" في حكومة جديدة، نظراً الى "علاقاتها بالإرهاب العالمي وتهريب المخدرات".