أدرك أن ذائقتي الشعرية قد لا ترضي أرباب الشعر الحر.. ولا تقنعهم في رأيي تجاهه.. طالما أني لا أستسيغ.. ولا أستوعب من الشعر سوى ما كان عمودياً.. أو ذا جرس موسيقي يناغم الوجدان والعواطف.. سلساً يراقص الشفاه.. بيد أن الشعر الحر وهو يأتينا هكذا «شعراً منثوراً» أو «نثراً مشعوراً» فإني لا أقرأه إلا كما أقرأ النثر.. ربما جهلاً مني به كفن، أو قطعة أدبية تستحق الاهتمام، أو أنه لا يقرأ إلا هكذا لا أعلم.. مع ملاحظة ان جهلي بكيفية قراءته لا يقلل من شأنه وقدره لدى مريديه ومحبيه.. بالإضافة الى اعترافي بأن العديد منه يحوي لغة شعرية.. وجمل على قدر غير يسير من التركيب قد لا نجد لها مثيلا في القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة.. كذلك تأتي النصوص فيه بفكرة مبتكرة لو وظفت في قصيدة عمودية أو تفعيلية للفتت إليها الأنظار، وشقت عنان السماء بوهجها وروعتها. الشعر الحر أقرأه رغبة مني في اكتساب لغة جديدة مبتكرة.. أو فكرة لم يتطرق إليها من قبل.. لذا عندما تشرفت باستلام ديوان «لّما متى وا فاطمة» للشاعر عبدالرحمن موكلي.. حرصت على رشف محتواه فوجدته «أي الديوان» كما قيل في شأنه.. حضور للمفردة الشعبية، صعوبة الجملة الشعرية، نصوص مركبة وطويلة نسبياً، وأخرى شفيفة وممتنعة. والقارئ للديوان يجد أن المرأة تحتل حيزاً في نصوصه، فبرر ذلك في لقاء معه أنه لم يجد من يأخذ بيده سوى المرأة.. فهو يعيش في حنين دائم لها أما، أو خالة.. قلق عليها ابنة، وتكتمل الصورة في الزوجة فاطمة.. لذلك كرر الشاعر عبدالرحمن موكلي اسمها كثيراً، كذلك أتت في ديوانه المرأة كاتبة في شخص القاصة ليلى الجهني حينما استثارته بطلة روايتها.. وحضور المرأة في «لّما متي وا فاطمة» يذكرني بحضورها في ديوان «أرى نسوةً يسقين الجثث» للشاعر صالح الحربي مع اختلاف اللغة الشعرية لدى كليهما، وان كان ديوان «أرى نسوة يسقين الجثث» يشعرني بالرهبة لمجرد رؤيتي للوحة الغلاف.. فهي توحي لي بالموت، والكفن ناصع البياض.. وربما أن غموضاً يلف اللوحة حيث يرى البعض في الغموض حياة. ديوان صالح الحربي موشح بالسواد.. والقبور.. والدماء السائلة.. ونساء أضمرن الشر.. وكظمن الغيظ.. ولكن!! في حق من؟؟. رغم حضور المرأة اللافت للنظر في «لّما متي وا فاطمة» وفي «أرى نسوة يسقين الجثث» إلا ان حضورها لدى صالح الحربي يثير تساؤلات عدة.. قد تأتي الإجابة عليها موشحة بالغموض.. وهو يعتمد على عبارة لمحمود درويش تقول: ان الوضوح جريمة.. فهل نكتفي بما كتبته الشاعرة سارة الخثلان في شأن نسائه عندما قالت: «انه يستفزني بكثرة نسائه ولكننا نرى فيه الشاعر المقهور يجلد نساءه ويجلد ذاته».. «عالم من النساء ولكنهن يفتقدن الدور الوجيه ويفتقدن الحضور المبهر» فهل تعمّد صالح إفقادهن هذا الدور.. وذلك الحضور؟؟. لا أظن.. ولن يظن هذا من عرف «صالح الحربي» عن قرب! ص.ب 10919 الدمام 31443 فاكس 038435344