* كيف وجدتِ ملتقى اقرأ وتجربة قراءة الشعر فيه؟ * أولا، الناظر إلى الوضع الثقافي العام، في الكويت أو الخليج، أو الوطن العربي، قد يصاب بالإحباط قليلا، مما يحدث من تصنيف الناس والحجر على العقول ومحاسبة نوايا الكتّاب، الأمر الذي دفع المثقف لأن يزهد في النشر أو ينكفىء على نفسه. ولكن عندما زرت الفعالية في ملتقى اقرأ الإثرائي، أصبت بالأمل. تجدد لدي الأمل لوجود نخبة مثقفة من طلبة الجامعات والثانويات وحتى المرحلة المتوسطة، الذين يملكون هذا المستوى من التفكير النقدي والقدرة على طرح الأسئلة والذي نشعر بشحّه في الوطن العربي؛ رغم صغر سنهم إلا أننا لاحظنا وجود عباقرة في الفكر يمتلكون وعيا قد لا يوجد لدى الكثير من المختصين في الدراسات العليا. لذا أرى أن هذه تجيد دلال البارود فن الاتصال «الشعري» مع الجمهور. ليس لأن الشاعرة الكويتية تتعمد اختيار القصيدة الغنائية في أمسياتها، بل لأنها أيضا من الشاعرات الخليجيات القلائل اللاتي برعن في الظهور المنبري أمام الملأ. فالشعر بالنسبة للبارود، ليس نصا يُقرأ وحسب، بل ما ترجوه، هو أن تذهب بالقصيدة لأبعد مدى من التفاعل مع المتلقين، معترفةً أنها لم تتذوق إلا القليل من قصيدة النثر؛ متحدثة عن طبيعة حضور كتاباتها الشعرية في شبكات التواصل التي تتقن الكتابة ضمن شروطه وهي الشاعرة التي رغم انتشارها بين جيل الشباب، إلا أنها لم تصدر ديوانا شعريا، الأمر الذي دفعنا لأن نسألها عن السبب وعن موضوعات أخرى تمس تجربتها الشعرية منذ أن بدأت عام 2008 وكذلك عن فهمها لموقع المرأة في تضاريس الشعر الوعرة، وذلك، حيث التقيناها على هامش أمسية شعرية شاركت فيها ضمن فعاليات ملتقى مسابقة اقرأ الإثرائي في مدينة الخُبر بالساحل الشرقي. الفعالية (ملتقى اقرأ) منبر لتجديد الأمل بالشباب وتعلمنا نحن من هذا الملتقى أن لا نيأس، خصوصا وأن الشعر والذي في الأصل، جمهوره فقير، رأيناه في تفاعل وحضور مغاير. الأمر الذي دفعنا لأن نفرح، لوجود جمهور يناقش ويجادل نصوصنا، وهذا يدل على أن القصائد أثارت في القرّاء والقارئات. أما بخصوص الأمسية، فكنت سعيدة بوجود الشاعر حيدر العبد الله، وهو شاعر كنت أسمع له نصوصا من بعيد، ولكن في الأمسية ألقى العبد الله قصائد لم تلقى من قبل. أيضا أنا فخورة لوجود شاب سعودي، صغير في السن، يمتلك هذا العمق والعطاء وهو في عمر السادسة والعشرين. والسؤال، لو بلغ هذا الشاعر الثلاثين، ماذا سيكتب حيدر. نحن نشعر أيضا بالانتماء للمملكة لكون حيدر كاتبا من منطقة الخليج العربي، ويستطيع أن يرد على من يشكك في المواهب الخليجية وأن الخليج مجرد نفط، وذلك بوجود حيدر وأمثاله من الطاقات الأدبية الخليجية، هم أكبر رد على مثل هذه الأقوال. * لدينا ندرة في الشاعرات المنبريات، كيف تحديثنا عن تجربتك مع هذا الجانب؟ * المشكلة مع المجال الأدبي النسائي، ذكرها مرة الدكتور عبدالله بوشميس، عندما قال: مشكلة المرأة، أنها إما تقابل بمجاملات كبيرة، أو تقابل بإحباط كبير. ثمة تطرف في تقبل الشاعرة أو الكاتبة، بحيث يشجعونها إلى أن تتضخم ذاتها وإلى أن تشعر أنها وصلت القمة، في المقابل هناك من يقابل الشاعرة المرأة بإحباط كبير، فتكون لديها الموهبة، لكن الهجوم عليها، يدفعها للتوقف. نحن بحاجة لوجود الشاعرات أولا، وأيضا نحن بحاجة لتغيير نظرة المجتمع للشاعرة. إن الشاعرة، دائما كانت تقابل بنظرة تصورها وكأنها خارجة على التقاليد ومتمردة، فقط لكونها شاعرة ومن هذه الشريحة الأدبية. لا أتحدث عن نفسي أو حتى عن صديقتي الشاعرة ميسون السويدان، نحن جئنا من ذات الجو؛ من أسر ملتزمة دينيا، لكن هذا لم يدفع الآباء لأن يعترضوا أبناءهم، بل بالعكس كانوا داعمين ومشجعين على المشاركة في المنابر الشعرية الأخرى. ما ينقصنا هو أن تجتهد المرأة أكثر في المجال الشعري، وهو مجال شئنا أم أبينا، ذكوري. وأيضا على المرأة أن تتمسك بما هو أكبر من الشكل، وهو العمق وجدية النص والرؤية وهو موضوع يخص الجميع، شاعرات كانوا أو شعراء لأن هنالك من الشعراء لا يجتهد على نصه. أضف إلى المسألة، أن تقاليد المجتمع، قد تُخسر المرأة الكثير بفعل جرأتها، حتى على المستوى السطحي أو الاجتماعي، عندما تفكر بارتباط من أحد، قد لا يفضل الكل، الارتباط بشاعرة، لذلك يتم التضحية بالسعادة والعائلة. وهنا عليها أن تضحي وهناك من ضحى بالشعر، من أجل العائلة. الشعر مكلف بالنسبة للمرأة اجتماعيا. *على مستوى الكتابة الشعرية – شكليا على الأقل – تكتبين خارج المزاج الشعري الحديث، فأنتِ تكتبين القصيدة الغنائية وليست "النثر".. هل خيارك "الغنائي" هذا يعود لرغبة إشباع مزاجك الخاص في الشعر، أم من أجل الكسب الجماهيري من خلال القصيدة الغنائية الأكثر تذوقا من قبل الجمهور؟ * لست ضد قصيدة النثر بتاتا. وبداية علاقتي بالكتابة كانت نثرا من خلال المذكرات، إلى أن بدأت مع الوقت لأحولها إلى قصائد. الأمر الآخر، هو أن في شخصيتي أحب الأغاني، بل وأميل للموسيقى داخل الموسيقى، فموسيقاي لا تعتمد فقط على الوزن والقافية، حتى في المفردة، أؤثر في الكتابة تلك اللفظة الموسيقية على اللفظة الأخرى. أحاول أن أوازن بين المعنى والموسيقى، فمعياري لاختيار الكلمة، هو أن أسمّعها نفسي صوتيا؛ هذه شخصيتي الشعرية وأحب الغناء. لكن لا أرفض قصيدة النثر، ومن المحتمل أن أصل في المستقبل إلى تلك المرحلة التي أكتب بها قصيدة النثر. إن مشكلتي مع النثر تتعلق بمشكلة رؤيتي للشعر. نحن نعرف أن مجال الشعر هو مجال يثبت فيه الإنسان غروره، بأن يبين أنه شاعر مقتدر ومواكب ويمتلك معجم لفظي.. الخ. مشكلتي مع أغلب من يكتب نثرا الآن، هو الإيغال في الإبهام، فحتى التواصل مع القصيدة، روحيا على الأقل، لا يحدث. لكن لدي كتاب قصيدة نثر أعشقهم. أعشق قصيدة هاني نديم النثرية، وأراها الأنضج اليوم. وهنالك فارس حرام من العراق، لديه تجربة جميلة مع قصيدة النثر وهكذا. هؤلاء من أحببتهم في قصيدة النثر، أما الأصوات الأخرى (التي قرأت أو سمعت لها) فلم أتذوقها. * يعنيكِ مسألة التواصل مع الجمهور؟ * يهمني الناس واضعهم في عين الاعتبار، ولكن هذا لا يؤثر على خياراتي الشعرية. انظر؛ تلك النصوص البسيطة لا أكتبها على هيئة قصائد، بل على هيئة أشياء تنشر في شبكات التواصل الاجتماعية، أو ما يسعه التغريد في تويتر. وهي أيضا بمثابة بطاقة تعريفية "كروت" لمن يود البحث، فيجد أن ثمة نصوصا أخرى موجودة. * هل تعتقدين أن دخول الشعر زمن "السوشل ميديا" أثر على هوية الشعر أو حتى شكله؟ * أثر على شكله. ثمة الجزء الأخير من ديواني الذي أخطط له، أريده أن يكون كله ثنائيات شعرية. أبيات لا تتجاوز الستة أو الخمسة. ملتقى «اقرأ» منبر لتجديد الأمل بالشباب * أي أن تكون على حجم التغريدة؟ * أجل. * سابقا كانوا يطلقون على هذا النوع "الشذرات"؟ * نعم. أنا أسميها الثنائيات. المبنية على بيتين أو مقطع واحد. أكتب الأبيات تفعيلةً أو بالطريقة الكلاسيكية العمودية. علما أنهن مكتوبات بطريقة سلسة، ولكن في المقابل ثمة اشتغال في القصائد. بالنسبة لي، ليس لدي حرجٌ بأن أكتب بأي أسلوب أريد. خذ مثلا، لدي قصيدة لم أقرأها بالأمس، وهي قصيدة درامية، مبنية بالكامل بشكل قصصي. * تميلين في شعرك إلى الأدب الساخر؟ * هذا جزء من شخصيتي. بينما النصوص المنشورة لي تعطي انطباع الرقة أو كما أسميها "قوة الرقة". لدي جانب آخر في شخصيتي متهكم وساخر وأخرج هذه الشخصية في بعض القصائد. * أنت لستِ مع أن يلغي الشاعر جزءا من شخصيته لصالح أدبه أو قصيدته؟ * أبداً، نحن بشرٌ، نزعل يوم ونفرح الآخر. * هناك من يرى أن هذا ليس في عرف الشعراء الذين يظهرون عادة بشكل جاد؟ * لا أحب الجدية في التلقي، وهذا زمن كسر الأعراف، وكسر الصورة النمطية ليس فقط في موضوع السخرية بل في كل الموضوعات التي أتناولها. هناك من سألني في أمسية ملتقى أقرأ عن أبيات شعرية هي (أتى بالشاي واستفسر أتكفي قطعة السكر) كنت كتبها وأخذت انتشارا كبيرا، إلى الحد الذي دفعني لأسأل بعصبية (تقولها مبتسمةً): لماذا انتشرت هذه الأبيات على حساب نصوص أو قصائد أخرى. ثم عرفت سر الانتشار هو تلك الدهشة المعينة والمثيرة وأيضا أنها تخاطب الجميع. فبدأت أكتب بهذه الطريقة وبطرق أخرى. * ما قصة أبيات (حبيبي سكرٌ أسمر)؟ * هذه الأبيات من الأبيات التي أكتبها بين حين وآخر فقط لمزاولة الكتابة وحتى تتدرب اليد والذهن على ممارسة كتابة الشعر وإن لم يكن هناك موضوع للقصيدة. (حبيبي سكرٌ أسمر) من الأبيات التي دائما أمرن فيها عقلي وذهني على موضوع الدهشة والبساطة ومحاكاة العامة وغيرها وفيها شيء من الابتداع وتجديد الرمز. تعودنا أن يتم التغزل بذوي البشرة الزهراء (البيضاء) وكوني من الحزب الأسمر لا نجد كثيرا من الأغاني والأبيات والقصائد التي تتغزل بنا، فأردت أن أوجد مثالا أو رمزا للتغزل بالبشرة السمراء. فكان ما يطلق عليه الآن، بالسكر الصحي، أو الذي ترجم على أنه سكر أسمر وهو "حالي" ومفيد للصحة، فقلت لمَ لا يكون رمزا جديدا للتشبيه أو للتغزل. لدي جانب متهكم في شخصيتي يخرج في بعض القصائد * ولماذا أخذت كل ذلك الصيت؟ * لأني قرأت هذه الأبيات في إحدى أمسياتي في مدينة دبلن (إيرلندا)، حيث كانت قائمة الراية وهي إحدى القوائم التي تتنافس على اتحاد طلبة الكويت في بريطانيا؛ تنظم مهرجانا طلابيا ضمن أمسية شعرية. بعد إلقاء العديد من القصائد وجدت أن الجمهور ملّ قليلا فرأيت أن ألقي له بعض الأبيات التي قد تثيره وتجعله يتفاعل، من بين الحضور في تلك الأمسية، كان الفنان الكوميدي أحمد الشمري والفنان بشار الجزاف من الكويت. والجدير بالذكر أن الشمري من ذوي البشرة السمراء، فبعد أن قرأت الأبيات قام متفاعلا، ورمى قبعته على الأرض مما أثار ضحكنا جميعا. أعتقد أن التفاعل هذا هو الذي كوّن هذا الصيت، لأني كنت نشرت الأبيات مسبقا على حسابي في تويتر، ولكن لم تأخذ كل ذلك الصيت والانتشار إلا بعد تفاعل أحمد الشمري وبشار الجزاف. الذين أشكرهما كل الشكر لأنهم ساهموا في نشر هذه الأبيات بتفاعلهما وإعجابهما بالأبيات. * لماذا تأخرتِ في مشروع إصدار كتابٍ شعري؟ * بداية كان الخوف هو السبب. إنه القلق بأن أرى بأن المجموعة الشعرية تحتاج بعض التطوير والتنقيح. وهو نابع من إحساسي بالمسؤولية اتجاه القصيدة ولجديتي في الكتابة ولأني لا أريد أن يعاب علي بأنها هنا غير متمكنة من أدواتها الشعرية. وكما تعلم، مثل هذه التهم جاهزة للنساء (الشاعرات). كأن يقال بأن كل قصائدها تميل للحب والعاطفة. هذه التهم أريد في المجموعة أن تدحض في المستقبل. ثم تطور الموضوع من قلق إلى عدم استعجال ثم دخلت مرحلة الدراسة العليا والدارسة تأخذ أغلب الجهد. * إذاً تبلور المشروع؟ لهذا تأخرت في إصدار ديواني الأول * أجل، الآن أختار، وليس جميع النصوص سوف تنشر مثل نصوص البدايات التي كانت أشبه بالتجريب الذي لن أتمكن من نشره، مع أني لا أخجل من نصوص البدايات. * أظن عندما تأتي لحظة النشر لابد من الانتقاء والقسوة؟ * أجل، القسوة على أنفسنا. مشكلتي مع الدراسة أنها سببت لي انفصاما، تأتيني فكرة قصيدة فأكتب ما يتدفق ثم أتركها متى يسمح الوقت، أعود لإكمالها ووضع رؤية لها. الأمر الآخر، أنا ضد النشر المبكر، وضد الاستعجال من أجل الإصدار لمعارض الكتب. رؤيتي لإصدار ديوان شعر للناس، هو ليس أن أعرف بنفسي لهم بقدر ما أريد أن اجتهد لترك عمل فني يخلد وهو ما يتطلب مسؤولية عالية، وبالتالي الوقت الكافي للنشر. * ربما يتأجل موضوع الديوان إلى ما بعد أطروحة الدكتوراه؟ * أتمنى قبل ذلك، في أواخر العام القادم. دلال البارود حيدر العبدالله هاني نديم