قبل سنوات، نشرت مقالة عن صورة الإرهابي (وصورة العرب بشكل عام) على الشاشات الغربية، وكان من ضمن المراجع التي استخدمتها دراسة اجتماعية أجنبية مهمة جداً حول ظاهرة «الإرهابي»، والتي تُثبت أن الذين يمارسون الإرهاب من المسلمين لا يستندون على قاعدة علمية وشرعية وأصولية، بل هم قليلو المعرفة بالدين، وممارستهم للإرهاب تكون أحياناً كثيرة وهم تحت تأثير الكحول والمخدرات والمواد المُحرَّمة، والسبب هو اعتقادهم الواهم أنَّ الصورة التي تقدمها هوليوود والإعلام الغربي عن المسلمين صحيحة. لذا فهم ببساطة ضحايا الصورة النمطية الغربية عن الإسلام والمسلمين، لأن جوهر الإسلام يتطلب إيماناً بكل الرسل وكل الكتب السماوية وكل الأنبياء وما عدا ذلك فيفصل الله بينهم يوم الحساب كما ورد في الآية 10 من سورة الشورى. وشخصياً، بسبب اهتمامي بتاريخ السينما ونظريات التواصل الجماهيري اكتشفت أني كلما شاهدت فيلماً أو مسلسلاً أمريكياً وفيه شخصية مسلمة أعرف مسبقاً أن هذه الشخصية ستقوم بعمليات تفجيرية، أو على أقل تقدير ستكون على علاقة بجماعات إرهابية متشددة، أو تصارع التشدد وفكرة ممارسة العنف، وكأن الإرهاب أساس الشريعة الإسلامية، بالتالي اختزل الغرب الفضاء العام للشخصية المسلمة في معاني الإرهاب، داخل سياقات إرهابية، فنتج عنها إلغاء وجودهم الأخلاقي والإنساني من منطق أنهم ليسوا بشراً ولكن دعاة للعنف والإرهاب. يقول آدم كيرتس في مقدمة أحد أفلامه الوثائقية عن حروب الزمن الحالي وظهور داعش: «في عصر الشاشة لم نعد نستطيع أن نفرّق بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي»، ويسأل هل داعش حقيقية؟ لأن داعش تزيد التأكيد على الفكرة المغلوطة عند الغرب أن جوهر الشريعة هو الإرهاب والعنف، وكل ما تقوم به هو تجسيد للصورة النمطية المحرَّفة عن الإسلام، وكل ممارستهم تشبه أفلام و مسلسلات هوليوود، وكأن مرجعيتهم الشرعية هي هوليوود، فهم يقومون بتقطيع الرؤوس ونشرها على منصات التواصل بشكل علني، ورغم أن المسلمين هم جُل ضحاياهم، إلا أن الغرب لا يزال يربط داعش بالإسلام. ومن جهة أخرى، انتشر مصطلح «التشدد» وهذا أمر سيئ، لأن التشدد في الدين هو تشدد في الصلاح والخير، لكن أن ندخل في الإسلام ما ليس فيه، فهذا فساد للفكر وللدين. وأما عن مصادر العنف فهي موجودة في كل الأديان وكل الثقافات. قدمت عالمة الاجتماع جوديث باتلر مصطلح «رقمنة العنف» وفيه تناقش صور ومقاطع فيديو «سجن أبو غريب» وتشرح دخول العالم لمرحلة جديدة يصبح فيها العنف الرقمي مستساغاً، ومقبولاً، وهي مرحلة تاريخية خطيرة فيها تصبح البشرية غير قادرة على التمييز بين الصواب الأخلاقي والخطأ. ونشاهد اليوم أن الصورة النمطية التي تحمل معاني الإرهاب، والعنف، والقبح، تحوّلت من صورة نمطية تصف الإسلام إلى صورة رسول الإسلام، والمبرر الوحيد هو «حرية التعبير»، بينما بالمقابل يعجز ماكرون وأشباهه عن الاستهزاء بالمحرقة، وتتوقف حرية التعبير، لأن الاستهزاء بها هو عدم احترام لليهود، كما يعجز أيضاً عن استخدام وتبرير الكلمات التي ترمز للعبودية لأنها عدم احترام لتاريخ ومعاناة السود، وبالتالي لا بد أن يعرف ببساطة أن حق التعبير فيما يتعلّق برسول المسلمين أمر عائد على المسلمين فقط، ولا يحق لغيرهم تناول هذا الموضوع. والاستهزاء بالرسول عدم احترام للمسلمين حول العالم. ** **