قال صندوق النقد الدولي في تقريره الذي وصف فيه واقع ومستقبل الاقتصاد العالمي إن الاقتصاد السعودي سينكمش بنسبة 6.8 بالمائة لهذا العام 2020م بسبب تأثره بانكماش مشابه بالاقتصاد العالمي نتيجة الإقفال الكبير الذي تسببت به جائحة كورونا مع الاحترازات الضرورية لحماية البشر في العالم من تفشي هذا الوباء وهو ما أدى لانخفاض حاد في الطلب على النفط والتجارة الدولية عموماً التي يتوقّع أن تبلغ نسبة تراجعها 18.5 بالمائة في الربع الثاني المنتهي وهو انهيار تاريخي قد يحد منه سرعة استجابة الحكومات عالمياً بإجراءات لحماية اقتصاداتها بحزم تحفيز ستفوق عشرة تريليونات دولار أميركي قابلة للزيادة مستقبلاً. فالانكماش لم يكن مفاجئاً لأي دولة إلا أن الاختلاف إلى تاريخنا الحالي في حجمه ومدته وقد كان صندوق النقد الدولي قد توقع قبل أكثر من شهرين انكماشاً بالاقتصاد السعودي بنسبة 2.3 بالمائة لكن ضبابية الأسواق وعدم اليقين من القدرة على سرعة تعافي الطلب العالمي على السلع وأهمها النفط الذي تراجعت أسعاره بحدة مما دعا لتوافق غير مسبوق بين المنتجين من دول أوبك مع المنتجين من خارجها بخفض تاريخي للإنتاج وهو ما جعل الصندوق يغير توقعاته ويرفع من نسبة الانكماش على اعتبار أنه يتوقّع أن أسعار النفط لن تتعافى بسرعة وأن انخفاض إنتاج المملكة الذي سيمتد لعدة شهور قادمة للمساهمة مع بقية المنتجين بإعادة التوازن للأسواق وأن تراجع الإيرادات للخزينة العامة سيؤثّر على الإنفاق العام بسياسة متحفظة هدفها حماية الاقتصاد والمالية العامة من عجوزات مرتفعة إلى أن يكون هناك يقين أكثر بحال أسواق النفط بدرجة رئيسية الذي ما زالت إيراداته الممول الرئيس للإنفاق العام محرك التنمية. لكن إذا كان الانكماش واقعاً لا مفر منه فرضته الظروف الدولية والتحفظ في الإنفاق أمر ضروري مع بداية هذه الجائحة، لأن المرحلة السابقة كانت الدول تواجه مستقبلاً مجهولاً لنهاية الوباء وإن كان قد اختلف الواقع بنسبة أفضل حالياً لكن الوباء لم ينته بما أنه لم يتم التوصل بشكل قاطع للقاح أو علاج فعَّال أو انحسار نهائي مما يعني أن عدم اليقين ما زال قائماً لكن لا مفر أيضاً من التخطيط للعودة للنمو، فرغم اتخاذ مبادرات بلغت تكلفتها أكثر من 200 مليار ريال إلا أنها كانت موجهة لحماية الاقتصاد خصوصاً قطاع الأعمال لكي يتمكَّن من تجاوز توقف التدفقات النقدية وحالة الانكماش التي واجهها فتلك الإجراءات الضرورية حققت هدفها بنسبة عالية واستفاد منها غالبية منشآت القطاع الخاص خصوصاً الصغيرة والمتوسطة وكذلك موظفوها من المواطنين، إلا أن العودة للنمو تتطلب بكل تأكيد خططاً مختلفة وسياسة مالية تحفيزية تقوم على تنشيط مفاصل الاقتصاد الرئيسية التي تنعكس على غالبية القطاعات وترفع من مستوى الطلب على السلع والخدمات فقطاع الأعمال ينتظر الخطة التحفيزية للنمو والتي سترتكز على سياسة مالية توسعية كخطوة معتادة تستخدم عالمياً في حالات الركود والانكماش الاقتصادي وقد يكون من المناسب ابتكار طرق مختلفة ومتنوعة لتمويل هذه الخطة بالإضافة لتفعيل مبادرات تتعلق بجذب القطاع الخاص للاستثمار والتمويل بالاقتصاد، إضافة إلى دعم دور المستهلك الفرد من خلال الحفاظ على الوظائف القائمة بالقطاع الخاص وتوليد فرص العمل من خلال خطة تحفيزية لاستعادة النمو مع العمل على مبادرات تدعم دور المستهلك بخفض تكلفة المعيشة لتحفيزه على الاستهلاك الإيجابي ومساعدته على زيادة الادخار. استعادة النمو هو تحد تواجهه كافة دول العالم ولكل دولة ظروفها وطبيعة خاصة باقتصادها، ولذلك تختلف التوجهات في كل دولة من أين يبدأ التحفيز وإعادة النمو، وبما أن المملكة لديها رؤية حددت الأنشطة الرئيسية التي سيتم التركيز عليها لتنويع الاقتصاد فمن المهم الاستناد لها في جل ما يمكن أن يعتمد لتنشيط الاقتصاد والعودة لنمو مستدام، فالجائحة لن تدوم والعالم أصبح قريباً من التوصل للقاح سيغيّر الموازين والتوقعات لمستقبل الاقتصاد العالمي، مما يعني أن الحاجة لإعلان خطة تحفيز للنمو تحمل أهمية كبرى لأنها رسالة لقطاع الأعمال للاستعداد لها وتوجيه الاستثمارات والجهود للقطاعات التي ستكون هي القائد في تحريك عجلة النمو.