لا يمكن الجزم حتى الآن بمدى حجم التداعيات التي الحقتها أزمة الفيروس التاجي، أو المدة الزمنية التي سيستغرقها الاقتصاد العالمي للتعافي من هذه الأزمة، أو حتى موعد انتهاء الأزمة التي لا تزال تضرب أنحاء مختلفة في العالم وتؤثر على حركة النشاط الاقتصادي ومعدلات التجارة والاستثمار العالمية. في وقت جاء ضرب الاقتصاد العالمي في مقتل عبر ثلاث قنوات رئيسة، وهي جانب العرض، وجانب الطلب، والثقة في أسواق المال العالمية وأسواق السلع الأولية، بحسب أحدث اصدار من وزارة المالية الذي تناول في صفحاته محتوى البيان التمهيدي لميزانية 2021. ويمثل هذا الإصدار أحد عناصر سياسة الحكومة في تطوير منهجية إعداد الميزانية العامة ووضعها في إطار مالي واقتصادي شامل على المدى المتوسط، وتعزيز الشفافية والإفصاح المالي والمفاهيم المشتركة، والتخطيط المالي لعدة أعوام. وتوقع التقرير أن يشهد الاقتصاد العالمي انكماش خلال العام الحالي، وهناك تفاؤل حذر حول آفاق نموه المستقبلية مع تخفيف الإجراءات الاحترازية والعودة للأوضاع الطبيعية. وقد تتطور حدة سلبية الآثار الاقتصادية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي حسب تطورات هذه الأزمة. وأثرت الجائحة على نشاط الاقتصاد المحلي بالإضافة إلى الآثار السلبية للركود الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب خاصة في أسواق النفط التي شهدت انخفاضات حادة غير مسبوقة في الأسعار. وبالرغم من الأثر السلبي علي توقعات نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة هذا العام وما يصاحبه من تفاقم في عجز الميزانية عن المخطط له مع التزام الحكومة بمستويات الإنفاق لدعم الاقتصاد المحلي وتنفيذ برامج رؤية المملكة 2030، فإن النظرة المستقبلية تبدو أقل حدة عما كان متوقعًا خلال النصف الأول من العام الحالي خاصًة بعد العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي والانحسار المستمر في انتشار الفيروس وارتفاع نسب التعافي. وأثرت الجائحة على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2020م، ومن المتوقع أن يكون الانخفاض في القطاعين النفطي وغير النفطي وذلك أخذاً في الاعتبار أداء المؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من العام، ومن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تراجعاً بنسبة 3,8% في عام 2020م مع حدوث تحسن في الأداء الاقتصادي للنصف الثاني من العام كما تشير إليه المؤشرات الرئيسة للطلب المحلي خاصة في مؤشرات الاستهلاك الخاص وبعض مؤشرات الإنتاج وأداء الأنشطة، حيث ساهمت الإجراءات اللافتة التي اتخذتها الحكومة في هذا التحسن ومكنها من قوة تضييق تفشي الجائحة المستمر. وتلقي هذه التطورات بظلالها على العام المقبل حيث تشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3,2% في 2021م، كما تمت مراجعة تقديرات المدى المتوسط لمعدلات النمو في ضوء التطورات المالية والاقتصادية المحلية والعالمية. وفي ظل حالة عدم اليقين المصاحبة للجائحة وأثرها على أسواق النفط العالمية التي أثرت بشكل مباشر على مستهدفات ومتطلبات المالية العامة وبالأخص الإنفاق الحكومي. ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات لعام 2020م حوالي 770 مليار ريال بانخفاض نسبته 16,9% مقارنة بالعام السابق، كما يقدر أن تبلغ الإيرادات حوالي 846 مليار ريال في العام 2021، ومن المقدر أن تنمو على المدى المتوسط متجهه لملامسة التريليون ريال حيث من المقرر ان تصل إلى حوالي 928 مليار ريال في العام 2023م. وأتيحت الفرص الذهبية أمام القطاع الخاص والصناديق للمشاركة في مشاريع تطوير البنى التحتية، فيما يقدر أن تبلغ النفقات حوالي 990 مليار ريال في العام 2021م وأن تبلغ 941 مليار ريال في العام 2030. وفي تداولات النفط بلغ متوسط الأسعار لخام برنت منذ بداية العام 2020م حتى نهاية أغسطس مرتفعاً حوالي 41,2 دولار للبرميل مقابل 64,9 دولار للبرميل للفترة المماثلة. وبلغ متوسط إنتاج المملكة من النفط 9,33 ملايين برميل يومياً مقابل 9,84 ملايين برميل يومياً للفترة المماثلة. وتسيطر على أسواق النفط حالة من الحذر وعدم اليقين في ظل تقارير المنظمات والبنوك العالمية التي تتوقع انكماش الاقتصاد العالمي بسبب الجائحة وشهدت أسواق النفط تقلبات كبيرة خلال العام 2020م، وتراوحت أسعار خام برنت بين أكثر من 63,8 دولارا للبرميل في شهر يناير لتعود وتنخفض إلى حوالي 18,4 دولارا للبرميل في شهر أبريل، ثم تحسنت إلى أن بلغت 44,7 دولارا للبرميل في نهاية شهر أغسطس من العام الجاري. وفيما يتعلق بالإنتاج، تشير تقارير منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك إلى التزام المملكة، بصفتها أكبر منتج ومصدر للنفط والقائدة لتحالف أوبك+، باتفاقيات الإنتاج حيث بلغ متوسط إنتاج النفط الخام للمملكة منذ بداية العام 2020م حتى نهاية شهر أغسطس 9,33 ملايين برميل يومياً بتراجع مقداره 511 ألف برميل يوميا ونسبته 5,2% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ويأتي ذلك تتويجاً للجهود المبذولة من دول الأوبك والمنتجين خارجها المشكلين مجموعة تحالف أوبك+، لدعم استقرار أسعار النفط، تزامناً مع تراجع الطلب العالمي من النفط بسبب الجائحة. الشمس تنير مصانع الجبيل الصناعة قريباً