عندما نتحدث عن الترفيه كفاعل مركزي في علاج البشرية من نتائج كورونا النفسية قد يرى البعض ذلك أمرًا غير ذي جدوى. والحقيقة لو قمنا بدراسة سوسولوجية للمشهد العالمي لخلصنا إلى ما يأتي: البشرية لم تتعلم من مدرسة الحياة، سواء بأفراحها أو أتراحها، ولم تستفد من الدروس التي قدمتها جائحة كورونا وما قبلها، حتى وإن كانت كورونا ضيفًا ثقيل الظل غير مأسوف على رحيله نظرًا لما خلّف من موتى، ومن ملايين المصابين، وما تركه من آثار نفسية على جميع سكان المعمورة. إضافة إلى الآثار الاقتصادية التي ستغيّر موازين العالم من وَهْم القوة إلى القوة الفعلية بعد أن بخرت كورونا وَهْم الازدهار الاقتصادي، وكشفت للعالم الحقيقة، ولم يعد بوسع أي كان مغالطة أي كان، سواء بالإعلام الموجَّه أو بأبواق الدعاية، أو حتى بالسينما والمنتجات الرمزية.. كورونا كشفت أن أوروبا لم تعد أوروبا، بل رجعت دويلات غنية وأخرى فقيرة، والتوافق العالمي الاقتصادي مكوَّن من معسكرين: شرقي متشدد أيديولوجيًّا، وغربي ليبرالي مترف اقتصاديًّا، كُشفت حقيقته وزيفه؛ فها هي كوبا الدولة التي طالما سكتت أوروبا على حصار أمريكا لها تعرض على أوروبا المساعدة في مقاومة الجائحة. وها هي الديمقراطية الغربية التي اعتُبر المواطن الأمريكي نموذجًا لها تسقط قبل عبور كورونا الباب الخارجي بحادثة مقتل جورج فلويد الأسود الأمريكي من أصول إفريقية؛ ليتعرى الوجه الحقيقي وكذب الشعارات الرنانة لمجتمع لم تخرج منه بعد عنصرية مقيتة، عنصرية يعيشها المجتمع في حيز المسكوت عنه الذي انتظر نقطة أفاضت الكأس. وكورونا لم تخرج هكذا، بل تركت في البشرية حالة توثب وقلق، لم تُعالَج بما تستحقه من ترفيه.. حالة أسهمت في اندلاع شرارة الاحتجاجات في عدد من دول العالم. العالم فكَّر في محاربة كورونا، ولكن لم يفكر فيما بعدها، وتلافي الآثار النفسية لها. فالعالم قد بدأ يتعافى من كورونا، ولكنه يحتاج إلى وقت طويل للتعافي من آثارها السلبية. مراكز البحث والجامعات وقامات الفكر والمعرفة لم تستثمر في إنسان ما بعد كورونا بعد، وهذا خطير؛ لأن علاج البشرية من الآثار النفسية لكورونا مسألة أخطر مما يتصوره أي عاقل. النقص الواضح في كم الترفيه عالميًّا نتيجة الحجر الصحي جعل العالم ينتظر أي سبب للتصعيد، ولإخراج طاقة عنف، تحتاج لوقت كبير حتى تفرغ.. لذا لا بد من التفكير فعليًّا في مجتمع ما بعد كورونا بلا فوارق أو تمييز عنصري أو ديني. لا بد من مجتمع متسامح، يجنح للحوار كخيار يثق فيه الجميع. لا بد للشعوب أن تتعلم أن الفوضى والخروج على القانون لن يكونا من الحلول، وأن القانون هو المرجع في حل أي خلاف. وعلى الشعوب أن تعي كذلك أن الرخاء الليبرالي هو نتيجة وسليل استقرار وتضامن اجتماعي، وأن النتائج السلبية للفوضى على السلم والنماء الاجتماعيَّين أكثر بكثير مما تُحدثه على النظام القائم بأمريكا. المسألة ليست مسألة جمهوري وديمقراطي، أو أسود وأبيض؛ المسألة أعمق بكثير، تعود إلى الكوجيتو الديكارتي «أنا أفكر إذن أنا موجود».. الاحتكام إلى العقل والتمسك بالمكتسبات أمرٌ لا يتحقق بالعاطفة أو التعاطف مع حدث من مشمولات العدالة والقانون.. كما أن العالم ليس في حاجة لعلماء نفس أو إلى فرويد معاصر؛ فكل مَن على الأرض مصاب بالآثار النفسية لكورونا التي غيّرت عاداته، وجعلته يعيش رعبًا وخوفًا من المجهول ومن الآخر. ما بعد كورونا هو عصر الترفيه؛ لذا على المجتمع العالمي أن يفكر في مجلس عالمي للترفيه، يقدم ما تستحقه البشرية من ترفيه، يتناسب مع مختلف محطات ولحظات البشرية؛ لأن الترفيه هو المضاد الحيوي الأنجع لمقاومة العنف والفوضى والإرهاب، والقادر على نقل الإنسانية من لحظة اللا سوي إلى السوي.