أضحت إيران بؤرة خطرة لنشر وباء «كورونا» المستجد في الإقليم وحول العالم نتيجة إيمان الديكتاتورية الدينية في طهران بخزعبلات الباطنية والعرفان، وإهمالها شعبها، وتقديمها ما ترى فيه مصلحة النظام الظلامي الحاكم؛ فاستمرت بتوجيه موارد الدولة نحو دعم الإرهاب وميليشياته؛ ما تسبب في أن تتساقط جثث مواطنيها في الشوارع نتيجة تفشي المرض بينهم. ومع ذلك، وبدلاً من أن يصحح النظام وضعه، ويتجه بموارده للقطاع الصحي، إذا به يمعن في الإهمال، ويوجه جزءًا كبيرًا من تلك الموارد نحو آلته الدعائية، وإعلامه الخارجي، ويوجهه بالعمل على استغلال تفشي كورونا للادعاء بأن ذلك بسبب «العقوبات المالية الأمريكية» عليه، وأنه يستحق تخفيفًا فوريًّا من تلك العقوبات حتى يتمكن من مكافحة فيروس كورونا! - بحسب مزاعمه -. وكان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو قد سلط الضوء على هذا التناقض بداية هذا الشهر، من خلال نشره عبر حسابه الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» مقاطع فيديو للرئيس روحاني وهو يخبر كبار المسؤولين - وهم يرتدون الأقنعة الطبية الواقية - بأن وزارة الخارجية الإيرانية أطلقت «جهودًا متضافرة للتأثير على الرأي العام لقول (لا للعقوبات) بهدف (إعادة الأموال الإيرانية المحجوزة في بلدان أخرى)». وقد لاحظت وزارة الخارجية الأمريكية أن النظام الإيراني لا يريد إلا المال فقط؛ فقد رفض عروض المساعدة الطبية والعينية، ليس فقط من الولاياتالمتحدة، ولكن حتى من المنظمات والجمعيات الخيرية العالمية غير الدولية، مثل أطباء بلا حدود. وكان تقرير معلوماتي موثق، مهم ومعمق، نشره موقع «راديو فاردا»، حمل عنوان: «من يدير الآلة الدعائية الإيرانية في الخارج؟»، قد كشف عن حجم الإنفاق الرسمي الإيراني المهول على الآلة الدعائية الإيرانية ومؤسساتها الإعلامية حول العالم، الذي يقدر بمئات الملايين من الدولارات، وكيف أن هذه النفقات قد ارتفعت مؤخرًا بشكل ملحوظ في ظل تفشي فيروس كورونا، رغم ما يدعيه النظام الإيراني من ضائقة مالية. كما أشار التقرير إلى الدور المحوري الرئيس «الذي لا غنى عنه» للآلة الدعائية والإعلامية الإيرانية باعتبارها العماد الرئيس لاستراتيجية الجمهورية الإسلامية في محاولاتها «لهزيمة حملة الضغط القصوى التي تمارسها إدارة الرئيس ترامب» تجاه النظام الإيراني. وأوضح التقرير أن النظام الإيراني استثمر بشكل كبير، وعلى مدار العقود الأربعة الماضية، في بناء آلته الدعائية في الخارج، وأن الدول الغربية، وبالأخص الولاياتالمتحدةالأمريكية، كانت من أهم أهداف البروبغندا الإيرانية التي تبثها وكالات حكومية متعددة، ومؤسسات غير حكومية، يسيطر عليها النظام، وأنه «يجب على صانعي السياسة والمحللين في الولاياتالمتحدة الانتباه جيدًا إلى سعي النظام للتأثير على الرأي العام الأوروبي والأمريكي، ومحاولات تشكيله» نحو قضايا منطقة الشرق الأوسط لخدمة مصالحه. وكنت قد قدمت قبل ستة أشهر تقريبًا ورقة علمية معمقة حول الآلة الدعائية الإيرانية في الخارج، حملت عنوان: «البعد الإعلامي والدعوي للقوة الناعمة الإيرانية» في ندوة نظمها معهد «رصانة» للدراسات الإيرانية، سلطتُ الضوء من خلالها على استراتيجيات وتكتيكات تلك الآلة، ووسائلها، ورسائلها، وبؤر انتشارها، في الإقليم، وحول العالم، بشكل أوسع وأشمل من تقرير راديو فاردا الذي ركز فقط على الأنشطة الموجهة للولايات المتحدة، بيد أن الملاحظ هو تطابق العديد من النتائج بين ما أوضحه التقرير الأمريكي بالغ الأهمية ودراستي تلك، وأن لكل مؤسسة من المؤسسات الإعلامية التي تدير عمليات نفوذ طهران للرأي العام العالمي مهمة محددة مختلفة عن الأخرى، مع وجود بعض التداخل أحيانًا، وأن من أهم هذه المنظمات: «وكالة الدبلوماسية الشعبية (العامة) في وزارة الخارجية الإيرانية (MFA)، وإذاعة جمهورية إيران الإسلامية (IRIB)، والأذرع الإعلامية والمعلوماتية التابعة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي (IRGC)، ومجموعة من المنظمات الدعوية والتعليمية الدينية بما في ذلك منظمة التنمية الإسلامية، وجامعة المصطفى الدولية ومكتب الدعاية الإسلامية بكلية قم». والنظام الإيراني يولي تلك الآلة الدعائية عنايته الفائقة، ويضخ فيها المليارات، وهذا الدعم في ازدياد، وليس في تقهقر، رغم الضائقة المادية التي يمر بها.