تعرف القوة الناعمة باعتبارها: القدرة على صياغة خيارات الآخرين والحصول على ما تريد عبر الجاذبية و"السحر"، بدلًا من القهر والإكراه والدفع القسري. وللقوة الناعمة دومًا عدة مصادر وأدوات منها القيم السياسية التي تصدرها الدولة والسياسة الخارجية والنموذج الاقتصادي، لكنَّ أبرزها المصدرين الثقافي والإعلامي. في أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني الصادرة عام 2005 "الخطة الإيرانية العشرينية، إيران 2025″ توضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا. تهدف الوثيقة إلى تحويل إيران إلى نواة مركزية لهيمنة تعددية داخلية في منطقة جنوب غرب آسيا، والتي تشمل المنطقة العربية. في هذا التقرير نموذجان لقوى إيران الناعمة في المنطقة. المصدر الثقافي هو الأبرز ------------------------------ تتعدد مصادر القوة الناعمة لإيران في المنطقة، لكنّ أبرزها هو المصدر الثقافي. في العام 2008 بلغت موازنة إيران الثقافية 2500 مليار تومان إيراني، ذهب منها فقط 386 مليار تومان إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي والباقي صرف على النشاطات الدعائية والترويجية للثقافة الإيرانية في عالمها الخارجي. من المعلوم أنَّ التأثير الثقافي الإيراني يعمل بكامل قوته في المناطق التي تعتقد بالمذهب الشيعي، بناءً على ذلك تعمل الآلة الدعائية الإيرانية من خلال توزيع نشاطات الحوزة العلمية في قمّ والقضاء على قوة ومرجعية حوزة النجف في العراق، عند المسلمين الشيعة. لا يقتصر الأمر على هذا فقط، وإنما تنتشر الحوزات العلمية الشيعية في بعض الدول العربية، كسوريا ولبنان والسودان والأردن، كذلك إقامة بعض الحسينيات في دول كمصر والأردن إضافةً إلى كل ما سبق تأسيس مساجد شيعية، وبطبيعة النظام الحالي في إيران يتداخل الدين والسياسة تداخلًا تامًا، ما يعني أن المساجد الشيعية تتحول لمنابر دعائية للمذهب، ثم للسياسة الشيعية المتمثلة في إيران. هذه هي الأدوات، أما عن المؤسسات الإيرانية المنوط بها الترويج للنسخة الإيرانية من التشيع عبر البلدان العربية، فهي كثيرة منها: المجمع العالمي لأهل البيت، ومنظمة التبليغ الإسلامية وتتلقى هذه المنظمة دعمًا مباشرًا من وزارة الثقافة وصل عام 2008 إلى 30 مليار تومان، كذلك مجمع التقريب بين المذاهب، كذلك مؤسسة الإمام الخميني الإغاثية والتي تؤدي خدمات اقتصادية، والتي تنشط في العديد من دول العالم، مؤخرًا انتشرت في أفغانستان. ويكفي لذكر الأثر الإيراني في المنطقة، أن الرئيس السابق لجمهورية جزر القمر العربية عبد الله سامبي قد تلقى تعليمه في الحوزة الإيرانية قُم، بينما انطلقت إيران للعمل "الخيري" في جزر القمر فأنشأت مستشفيات ومراكز تدريب مهني وبعض المؤسسات الثقافية الأخرى، ما فتح الحديث لنفوذ إيراني في جزر القمر. جدير بالذكر أن التواجد الثقافي لإيران يتركز بشكل خاص في لبنانوالعراق وسوريا واليمن وبعض دول الخليج، وثمة إحصائيات تؤكد أنَّ قوة جذب إيران لشباب خليجيين للمذهب الشيعي والمرجعية الخمينية في ازدياد مطرد. أذرع إعلامية ------------------ ربما لا يتوقع البعض أنَّ الإمبراطورية الإعلامية الأكبر في المنطقة من نصيب إيران، لكن هذه هي الحقيقة حيث تمتلك إيران إمبراطورية إعلامية تعتبر من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسيا وفي العالم. وكالة البث الإسلامية الإيرانية (irib) تسيطر على السياسات الإعلامية لجميع المحطات التلفزيونية وإذاعات الراديو التابعة للدولة، يشرف على هذه المؤسسة شخصيًا المرشد الأعلى علي خامنئي، يضاف على هذه الوكالة منظمات كمجلس تنسيق البروبغندا الإسلامية والذي يحصل على أكثر من 3 مليار تومان في السنة، ومنظمة العلاقات والثقافة الإسلامية التي تحصل على أكثر من 37 مليار تومان في السنة. تتلقى الوكالة ما يزيد على 500 مليار تومان في السنة من الحكومة، وتمتلك محطات دولية للخارج تبث بالعربية وغيرها من اللغات. على هامش هذه الوكالة توجد قنوات في العالم العربي تُحسب على نفس التيار الشيعي الإيراني كقناة المنار اللبنانية، ومن الجدير بالذكر أن حزب الله في لبنان – ورغم كونه أحد مراكز القوى الصلبة لإيران في المنطقة – إلا أنه يعتبر أيضًا أحد مراكز توليد القوى الناعمة في المنطقة. في النهاية نستطيع أن نقول إن القوى الناعمة الإيرانية وصلت لذروتها عام 2006 بينما انخفضت انخفاضًا ملحوظًا بعد العام 2008، وحسب دراسات فقد تدهورت بعد الثورات العربية 2010/2011. هذه القوة الناعمة زاد في تدهورها وانكماشها تمامًا اندلاع الثورة السورية بالتحديد وتطوراتها المختلفة والتي جرت معها إيران إلى آفاق بعيدة.