كثيراً ما يدور الحديث في مختلف الأوساط عن «الذكاء الاصطناعي»، وخاصة بعد أن أصبحت ما تُسمى ب «الأجهزة الذكية» جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية. وحسب علوم التكنلوجيا الحديثة: لا يوجد تعريف للذكاء الاصطناعي، لأنه لا يوجد تعريف للذكاء بالأساس. ويوجد اعتراف بتطور الأجهزة الحديثة للقيام بوظائف جديدة، ولا يوجد حتى الآن مصطلح يعبر بشكل دقيق عن هذا النشاط الآلي. ولكن الأهم من ذلك كله هو الفكرة الشائعة، وخاصة لدى المتخصصين ب(الكمبيوتر) أو الحاسوب؛ وهي: أن الآلة الحديثة المسماة (روبوت) أو الإنسان الآلي ستحل محل البشر من جميع المهن، بل ستقوم هي بنفسها بكل النشاط الذهني الخاص بالإنسان، فهل هذا ممكن؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال ليست متاحة، حيث إنه يخص المستقبل أكثر مما يخص الماضي والحاضر، أي ستكون الإجابة أشبه بالتنبؤ. ولكن الإجابة حسب المعطيات المتوفرة لدينا ستكون أكثر واقعية. أي أن استعراض ظهور وتطور الآلات تاريخياً، سيوفر- على الأقل - تصور قريب من الواقع. في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ظهرت أول آلة تعمل بطاقة غير عضلية أو بشرية، وهي الآلة البخارية. وقد تم إثر ذلك تسريح المئات، بل الآلاف من العمال ذوي المجهود العضلي. وفي الوقت نفسه أصبح سوق العمل يتطلب مستوى من المعرفة أكبر من ذي قبل. أي أن تطور الآلة أدى إلى رفع مستوى «الوعي» لدى الإنسان الذي يعمل على تشغيل تلك الآلة. الأمر ذاته تكرر في نهاية القرن التاسع عشر بظهور الآلة الكهربائية، ثم بعد ذلك بتطور الآلة الكهربائية إلى «أوتوماتيكية» أو الأتمتة. وجرى الأمر ذاته أيضًا باختراع الحاسوب وتطوره إلى مختلف أنواع «الأجهزة الذكية» في القرن العشرين. وبقي حتى يومنا هذا «الوعي» الإنساني هو العامل الحاسم في تطور وتشغيل الآلة. ولكن «الوعي» الإنساني كما «الذكاء» ليس له تعريف أيضاً، إنما يوجد له مكونات تدل على مضمونه وهي: مخزون المعطيات في الذاكرة وعملية «تدوير» تلك المعطيات لخدمة «متطلبات» الإنسان. عملية «تدوير» المعطيات لخدمة «متطلبات» الإنسان تسمى «الأبستمولوجيا» أو العملية المعرفية، وهي تبتدئ بالملاحظة؛ ثم الفرضية أو الفرضيات؛ ثم التجربة؛ ثم النظرية. والنظرية تلك لا تبقى على حالها، إنما تخضع من جديد للملاحظة فالفرضية فالتجربة، وينتج عن ذلك نظرية لا تلغي سابقتها، إنما أكثر تطوراً من الأولى، وتستمر العملية في تطور تصاعدي. توجد بالحاسوب ذاكرة تستطيع احتواء المعطيات منذ حضارة وادي الرافدين الأولى في التاريخ (تسعة آلاف سنة قبل الميلاد) حتى يونا هذا. وهي ذاكرة لا يمكن أن يمتلكها إنسان فرد. كما يمتلك الحاسوب المقدرة على الملاحظة تفوق بأضعاف مضاعفة قدرة أي إنسان فرد. وهو قادر على وضع الفرضيات بالدرجة نفسها، ولكن هل يستطيع الحاسوب «التجريب»؟ ... وهل يستطيع تلبية «متطلبات» الإنسان العاطفية مثلاً؟ ... باعتقادي أن هذا أمر شبه مستحيل! تشن حالياً حرب معلنة ضد الصين بسبب صناعتها للجيل الخامس من الأجهزة الذكية. وهذه الحرب ليس لأن أجهزة الجيل الخامس قادرة على «التجريب»، إنما لأنها لا تتيح لأجهزة المخابرات العالمية؛ بما في ذلك الصينية؛ التجسس على مستخدميها! وقد تعاقدت بريطانيا مع الصين على إنشاء منظومة الجيل الخامس لحماية قواتها المسلحة من التجسس! ويقول الإعلام الأميركي: إن ذلك سيجعل بريطانيا أو أي دولة أخرى تتعاقد مع شركة هواوي، عرضة للتجسس الصيني! وكما يقول المثل الشعبي «كل يرى الناس بعين طبعه». فالولايات المتحدة هي من يتجسس على البشر جميعاً، عن طريق أجهزة الأجيال من الأول إلى الرابع! أشاع ويشيع الرأسمال العالمي فكرة إحلال الحاسوب محل البشر لهدف واضح؛ وهو أننا كرأسماليين سنستمر في نهب خيراتكم أيها البشر، وإذا لم ترتدعوا عن الاحتجاج؛ سنستبدلكم ببشر «آليين»! ** **