هل الحب جنون؟ وهل من داخلته لوثته جن وفقد عقله وأصبحت المرأة التي تعلق بها همه وشغله الشاغل فلا يصرفه عنها هم آخر ولا رغبات في الدنيا سواها؟! ما سره؟ أليس له من تفسير شاف واف يقربنا من وجدانات العاشقين؛ لنعرف لم صغرت الدنيا وحقرت الملذات وأغلقت الأبواب وسدت المنافذ للحياة إلا لذتها وبابا موصلا إليها ونافذة لا تشرق الدنيا وتتسع وتتبرعم وتتورد إلا من نافذتها هي وحدها المحبوبة؟! ما سر أن يعزف مجنون بني عامر عن كل النساء إلا ليلى، وقيس بني ذريح إلا لبنى، وجميل بن معمر إلا بثينة، وكثير إلا عزة، وعروة بن حزام إلا عفراء، والقس الناسك إلا سلامة، وتوبة بن الحمير إلا ليلى الأخيلية؟! وهل ثمة جينات في دماء بعض البشر تجعله رقيقا مولها مدلها ينهزم ويستسلم قلبه عند أول نظرة تشغفه حبا فيخلص لمن أحبها حد الموت؟! ما الذي خص بني عذرة بالعشق والهيام في محبوباتهم إلى حد الموت؟! هل الحب وراثة في بني عذرة وإليهم ينسب الحب العذري؟ يروى أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة ممن أنت؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. ويروى أن سائلا سأل عروة بن حزام: أصحيح ما يقال عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا؟ فأجابه: نعم، والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب. لقد أخلص جميل لبثينة على الرغم من أنها تزوجت؛ وظل ينتظر فرصة قد تحدث؛ إما بموت زوجها أوطلاقها، غير أن الحظ لم يواته: وأخلص كثير لعزة، وزوجها أبوها من أول خاطب ليصد كثيرا عنها؛ إلا أن العاشق الموله ظل قلبه معلقا بها فلاحقها حتى بعد أن رحل بها زوجها هاربا منه إلى عبد العزيز بن مروان حاكم بني أمية على مصر، يقول كثير بعد رحيل عزة: والسؤال الذي لا نتمنى أن ينسف الصورة الشفيفة عن قصص الحب العذرية: لو تزوج المجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة وعروة عفراء هل ستطفئ جذوة الحب بالوصال؟ هل ستذوب جبال الثلج البيضاء التي راكمها الخيال المجنح وتتكشف تحتها الصخور الصلداء؟ وهل ستصبح المحبوبات نساء عاديات كبقية نساء الأرض بعد الغوص العميق في أوحال الحياة المعيشية المعتادة؟! إن أجمل صور الحب هي تلك التي تتشكل في الحِرمان.