ابتلي كثير من الناس بالعشق والحب، وقلّة هم من استطاعوا كتمان أحاسيسه ومشاعره عن الناس، وحتى عن محبوبته التي لم تسمح له ظروف الحياة أن يبلغها بمكنون حبه وهيامه، فيمضي الزمن وتفوته فرصة الوصول لمن أحب، فيكتم آهات ألم الفراق، ويموت، فيموت معه سر قد طواه سنيناً بعد أن أخفى علته التي ربما أوردته الهلاك، ولكن هناك من لم يستطع بحسه المرهف أن يخفي مكنون صدره، فباح بحبه على الملأ، حيث ضاق صدره على كتمان ما يجد، وجلّ الشعراء وظفوا شعرهم في التحسر على فوات لقاء الحبيب بمن عشقه وهواه، وقد حمل لنا أدبنا العربي العديد من الذين ابتلوا بالعشق، حتى إذا سمع الشخص لشعرهم في وصف حالهم وحال من ابتلوا بحبه ملكته عبرة الأسى والحزن، فكيف بمن يكابد صبابة الشوق والعشق بنفسه؟ جيل مضى عاش «ألم الفراق» وبقي مضرب المثل: «قيس وليلى» و«جميل وبثينة» و«محسن وهيا» قيس وليلى يعدّ "قيس بن الملوح" ومحبوبته "ليلى العامرية" من مشاهير العشاق في العهد الأموي، ومازال جبل "التوباد" يحكي قصة حب "قيس وليلى" في قرية "الغيل" التي تقع على مسافة (35) كيلومترا عن شمال غرب محافظة "الأفلاج" (350) كيلومترا جنوب العاصمة الرياض، والتي يعود عمرها لآلاف السنين، ويحكي تاريخها الجميل قصة الحب راح ضحيتها أبطالها، وكان جبل "التوباد" ملتقى المحبين، وصار رمزاً خالداً بقي شاهداً بشموخه على فصول تلك الملحمة، وكأن "قيس" قد علم بأنّه باقٍ تشاهده الأجيال على مر الزمان، ليحكي روائع القصص عن الحب العذري الذى التظى بجحيمه، حيث خاطبه المجنون "قيس بن الملوح" بهذه القصيدة الجميلة: مهما حاولت أن تخفي مشاعرك تفضح عيناك من تحب أو ما تعاني أو من تتمناه معك وأجهشت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني وأذرفت دمع العين لمّا عرفته ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له أين الذين عهدتهم حواليك في خصب وطيب زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يبقى من الحدثان وإني لأبكي اليوم من حذري غداً فراقك والحيان مؤتلفان قالوا كذا مبسم هيا قلت لا لا بين البروق وبين مبسم هيا فرق وعندما لم يحصل "قيس" على مبتغاه ومنتهى أمانيه بالظفر زوجاً لمحبوبته "ليلى" رغم محاولات أبيه وإخوته وبني عمومته وأهل بيته، حيث أتوا "أبا ليلى" وسألوه بالرحم، والقرابة، والحق العظيم؛ أن يزوجها منه، وأخبروه أنّه ابتلي بها فأبى "أبو ليلى" ولج، وحلف ألاّ يفعل، فأخرجه أبوه إلى "مكة" كي يدعو الله في بيته الحرام أن يعافيه مما ابتلي فيه، فلما قدما "مكة" قال له أبوه: "يا قيس تعلق بأستار الكعبة"، ففعل، فقال: "قل اللهم أرحني من ليلى وحبها"، فقال قيس: "اللهم منّ عليّ بليلى وقربها"، فمرض وهام على وجهه، بعد أن اعتراه جنون الحب والهوى، فصار يمشي بلا هداية أو دليل، يقطع الفيافي والقفار، وبعد أيام يفيق فيقول: "أين أنا، فيقال: "بمكان كذا"، فيقول: "أين جبل التوباد"، فيشار إلى ناحيته، فيجوب الأرض حتى يصل إليه، فيستريح بقربه، ويسمعه أجمل أبيات القصيد التي تدمي القلب، قبل أن تجري الدموع على خدوده.. وهكذا عاش متنقلاً ما بين الفيافي والقفار إلى جبل "التوباد" حتى أدركت محبوبته المنية، فساء حاله بعدها، وبقي زماناً هائماً على وجهه، راثياً لها، حتى تخطفته يد المنون، فدفن الى جانب قبرها، ليجتمعا ميتين دون أن يجتمعا في حياتهما. المرأة سلبت لب العشاق وامتلكت قلوبهم وألهمتهم الشعر ويعدّ جبل "التوباد" معلماً تراثياً شامخاً وهو بحاجة إلى زيادة الاهتمام من قبل المسؤولين في الهيئة العليا للسياحة والآثار، وذلك بالتعريف به وإبرازه سياحياً، وتنظيم المنطقة المحيطة به، لينظم إلى المعالم السياحية الجميلة في مملكتنا الغالية التي تشرف عليها الهيئة. عروة وعفراء ولم يكن "عروة بن حزام" بعيداً عن "قيس بن الملوح"، حيث اشتهر بعشقه لمحبوبته "عفراء بنت عقال"، ولكن حال بينه وبين حبه وعشقه والظفر بمحبوبته المال، وجشع والدة "عفراء"، التي غالت في مهر ابنتها، حيث طلبت (100) ناقة من ابن عم عاشق معدم، فسافر في طلب مهرها بعد أن أخذ العهود من والدها والمواثيق ألاّ يزوجها سواه، وينتظر عودته، ولكن عمّه غدر به، وزوجها من موسر بعد إلحاح من أمها، فلما عاد وعلم بزواجها ورحيلها انتكس، وأصابه الهزال، وأحاطت به الأمراض والأحزان وأنهكت جسده، فظل في ذكراها يسطر أبيات الشعر، وهام على وجهه إلى أن مات، وقد قال مصوراً حاله: جبل «التوباد» مسرح لقاء أشهر عاشقين «قيس وليلى» وإني لتعروني لذكراك روعة لها بين جلدي والعظام دبيب وماهو الا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب وقلت لعراف اليمامة داوني فإنك إن داويتني لطبيب فما بي من سقم ولا طيف جنة ولكن عمي الحميري كذوب عشية لا عفراء منك بعيدة فتسلو ولا عفراء منك قريب كما قال أيضاً في قصيدة أخرى: تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان حتى قال: كأن قطاة علقت بجناحِها على كبدي من شدَّة الخفقانِ جميل بثينة وها هو "جميل بن معمر" المولع والولهان ب "بثينة بنت ربيعة" التي منعه والدها من الزواج بها، فتزوجت غيره، وعاش قصة حب وهيام حتى أودى به العشق كغيره من العاشقين، وهكذا مات "جميل بثينة" ومات معه حبه، ولكن ظل شعره نابضاً بالحياة يروي لنا قصته: لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها عشاق في الأدب سيدة تمر في أحد شوارع دخنة وسط الرياض قبل أكثر من ستين عاماً حيث كانت العلاقة مع الآخر قريبة وعفوية وتناقلت كتب الأدب كثيرٌ ممن اشتهروا بالعشق والغرام والفراق واللوعة ومنهم؛ "قيس بن ذريح" عاشق "لبنى الخزاعية"، و"توبة بن الحمير" محب "ليلى الأخيلية"، و"المؤمل" عاشق "الذلفاء"، "ومرقش" عاشق "أسماء"، و"مرقش الأصغر" عاشق "فاطمة بنت المنذر"، و"عمرو بن عجلان" عاشق "هند"، و"علي بن أديم" عاشق "منهلة"، و"المهذب" عاشق "لذة"، و"ذو الرمة" عاشق "مية"، و"قابوس" عاشق "منية"، و"المخبل السعدي" عاشق "الميلاء"، و"حاتم طيء" عاشق "ماوية"، و"وضاح اليمن" عاشق "أم البنين"، و"الغمر بن ضرار" عاشق "جُمل"، و"النمر بن تولب" عاشق "حمزة"، و"بدر" عاشق "نعم"، و"شبيل" عاشق "فالون"، و"بشر" عاشق "هند"، و"عمرو" عاشق "دعد"، و"عمر بن أبي ربيعة" عاشق "الثريا"، و"الأحوص" عاشق "سلامة"، و"أسعد بن عمرو" عاشق "ليلى بنت صيفي"، و"نصيب" عاشق "زينب"، و"سحيم عبد بني الحسحاس" عاشق "عميرة"، و"عبيدالله بن قيس" عاشق "كثيرة"، و"أبو العتاهية" عاشق "عتبة"، و"العباس بن الأحنف" عاشق "فوز"، و"أبو الشيص" عاشق "أمامة"؛ وغيرهم. قلعة بنيت على قارة «ابن عمار» تخليداً لذكراه ابن عمّار ومن أشهر العشّاق المعاصرين الشاعر "محمد بن راشد العمار" -صاحب ألفية ابن عمار المشهورة-؛ وهو أحد شعراء محافظة "ثادق" المعروفين، قال عنه الأستاذ "حمد بن ناصر الوهيبي" -مؤلف كتاب ثادق- انّه عاش جزءاً من حياته في "حائل" ثم عاد بعلةٍ في عقله، وكان ينقطع وحيداً في قارة بوسط "ثادق" تسمى "قويرة"، وهي التي يسميها الناس "قارة ابن عمار"، وأصبحت معلماً من معالم المحافظة، حيث سعت البلدية إلى الاهتمام بها ونشرت المسطحات الخضراء حولها، وتم بناء شلال مياه في أعلاها، وتمت انارتها حتى صارت درة تتلألأ ليلاً، ومنظراً جمالياً خلاباً، ومعلماً رئيساً بالمحافظة تستقبل به زوارها. وقد وردت "ألفية ابن عمار" في كثير من دواوين الشعر الشعبي، والملفت في هذه الألفية أنّ لكل حرف منها أربعة أبيات على قافية واحدة ويختم بقافية لجميع الأحرف يقول مطلعها: الف اولف من كلام نظيفى ودموع عينى فوق خدى ذريفى من لامني فى حب ذاك الوليفى دقاق رمش العين سيد الخوندات خوندات ياللى مابعد عاشرنه قلة تراهن بالهوى يذبحنه قلبى وقلبك يالمولع خذنه عزي لمن مثلى تعرض للافات الباء بليت بحب خلى على ماش ولا حصلى منه مايبرد الجاش غديت انا واياه طاسه ومنقاش بالوصف كنه يالمعزى سلامات سلامات للي هم يذكرونه يبغى المعزه منه وهي المهونه يقول طيب مار غارت عيونه سبب ولدكم واحد صابه ومات التاء تبعت الزين والزين مقفي أمشي وحتفى شايله فوق كتفى لا شفت مجدول وكتف وردفي ما أقوى التفت لو طوحوا لي بالاصوات أصوات قالوا يا هبيل وسايح طرد المقفي يالشقاوى فضايح قلت ماطعت اشوارهم والنصايح مثل المطر فوق السحال المكفات قارة «ابن عمار» في محافظة ثادق مأوى الشاعر ومقر خلوته ابن لعبون ومن العشاق المعاصرين الشاعر "محمد بن حمد بن لعبون"، الذي نشأ في محافظة "ثادق"، وترعرع فيها، وشهدت على طفولته وصباه، وعرفت نشأته الأولى بعناية ورعاية عائلته، ففي أزقتها وساحاتها لعب وترعرع مع أقرانه رفاق الطفولة والشباب، وقد قال في "ثادق": علمي بهم قطن على جو ثادق سقاها مرنات الغوادي ركومها مرابع لذاتي وغايات مطلبي ومخصوص راحاتي بها في عمومها منازل مي شعبت البين حيها وهبت ثمان سنين فيها حسومها وترك "ابن لعبون" قصيدة غزلية عفيفة تعدّ من روائع شعر الغزل العفيف في وقتنا المعاصر، وقد اكتسبت شهرة واسعة، ولشهرتها وجمال كلماتها تغنى بها عدد من الفنانين من أشهرهم "سلامة العبدالله" -رحمه الله-، وأنشدها المبدع "حامد الضبعان"، وتقول بعض أبيات القصيدة: يا علي صحت بالصوت الرفيع يا مرة لا تذبين القناع يا علي عندكم صفرا صنيع سنها يا علي وقم الرباع نشتري يا علي كانك تبيع بالعمر مير ما ظني تباع شاقني يا علي قمرا وربيع يوم انا آمر وكل امري مطاع يوم اهلنا واهل مي جميع نازلين على جال الرفاع ضحكتي بينهم وانا رضيع ما سوت بكيتي يوم الوداع هم بروني وانا عودي رفيع يا علي مثل ما يبرى اليراع طوعوني وانا ما كنت اطيع وغلبوني وانا ظفر شجاع وجد عيني على ظبي تليع عندكم كن في خده شماع شيبتني وانا توي رضيع جاهل تو في سن الرضاع سايمن الهوى يا من يبيع سايمن الهوى لاهل الرفاع وانت يا لايمن جعلك تضيع ما تماري بها مثل الشعاع ودي اسلاه والكون الفنيع سلوتي يا علي ما تستطاع دون مي الظبي وام الوضيع والثعالب وتربيع الشراع أمير شعراء الغزل ومن العشاق الذين خلّد الشعر ذكرهم الشاعر "محسن الهزاني"، الذي ولد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر في محافظة "الحريق"، ويعده البعض أمير شعراء الغزل، وله قصيدة مشهورة تعد من روائع الشعر الشعبي قال فيها: قالوا كذا مبسم هيا قلت لا لا بين البروق وبين مبسم هيا فرق ويالله.. بنوٍ مدلهم الخيالا طافح ربابه مثل شرد المها الزرق لا جا على البكرين بنا الحلالا ولاعاد لا يفصل رعدها عن البرق يسقي غروسٍ عقب ماهي همالا وحط الحريق ديار الاجواد له طرق يسقي نعامٍ ثم يملا الهيالا ويصبح حمامه ساجعٍ يلعب الورق ولاشك أنّ هناك العديد من العشاق المعاصرين؛ مما لا يتسع المجال لذكرهم ولكن نورد عدداً منهم وذلك من ضمن أبيات غزلية للشاعر "عبدالله بن محمد الضويحي" من محافظة "مرات" حيث قال في ذكر بعضهم: يا بوفهد طرد الهوى به معاناه معك خبر باللي رمتهم سهومه فيما مضى لمجنون ليلى وما جاه عقب الجنون اصبح يشقق هدومه وعزيز خاله يوم بالبير دلاه باسباب عليا صار يندم ليومه ومحسن بحب قويت لا فته دنياه ومحمد القاضي كونه همومه وكم واحد ما باح بالسد وابداه دش الهوى والوجد خابت حلومه