اشتهرت ليلى العامرية بشعر قيس. وكذلك بثينة بشعر جميل وعزة بشعر كثير ولبنى بشعر قيس بن ذريح، لكن اشهر المعشوقات في التراث العربي ليلى صاحبة المجنون. ولشدة ولع الشاعر الفرنسي اراغون اراد ان يكون مجنوناً متشبهاً بقيس بني عامر فألف كتابه الشعري الجميل "مجنون إلسا". ويبدو ان موضوع الجنون بليلى لم يكن يخص قيس وحده، فقد جُنّ آخرون بليلى غير ليلى العامرية. وفي دراسة عن الاسماء النسائىة لمي علوش. وهو من اجمل الكتب عن الاسماء ومعانيها، نرى ان "ليلى" هو اسم لأكثر من امرأة شبب بها الشعراء. وان كانت - كما ذكرت - اشهرهن ليلى بني عامر، حتى ان ليلى الاصلية الشاعرة الشهيرة من المتقدمات في الشعر من شعراء الاسلام كانت عاشقة ايضاً لتوبة بن الحمير التي كادت تضحي بحياتها من اجله، عندما علمت ان اهلها كمنواله بعد ان اباح السلطان دمه بسبب تشببه بها، اذ لما علمت انهم مكثوا له في الموضع الذي كان يلقاها فيه، اذ خرجت سافرة حتى جلست في طريقه فلما رآها سافرة فطن لِما ارادت وعلم انه رُصد، فركض فرسه ونجا. وذلك قوله: وكنت اذا ما جئتُ ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سُفورها عليَّ دماءُ البُدن إن كان زوجها يرى لي ذنباً غير اني ازورها واني اذا ما زرتها قلت يا أسلمي فهل كان في قولي اسلمي ما يضيرها وبالعودة الى دراسة في علوش، فتشير الى ان "الشعراء الذين تغنوا بليلى كثيرون، واعظمهم مقاماً هو مجنون ليلى قيس بن ملوّح بن مُزَاحم الذي نُسب الى ليلى بنت سعد بن ربيعة فصار اسمه قيس ليلى. وعن كتاب "الاغاني" ان اكثر من شاعر احب فتاة اسمها ليلى. وأكثر من فتاة حملت اسم ليلى، وعن الاصمعي ان اعرابياً من بني عامر بن صعصعة سأل عن المجنون العامري فأجاب: عن ايهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رُموا بالجنون، فعن ايهم تسأل؟ فقال الاعرابي: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال كلهم كان يشبب بليلى. قال: فأنشدني لبعضهم فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون: ألا ايها القلب الذي لجَّ هائماً بليلى وليداً لم تقطع تمائمه أفق فقد أفاق العاشقون وقد أنى لك اليوم ان تلقى طبيباً تلائمه اجدك لا تنسيك ليلى ملمة تُلِمُّ ولا عهد يطول تقادمه قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون: ألا قد لاعبت ليلى وقادني الى اللهو قلب للحسان تبوع وطال امتراء الشوق عينيَّ كلما نزفْتُ دموعاً تستجد دموع فقال طال احساني على الكبد التي بها من هوى ليلى الغداة صدوع قلت، فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشدني لمهدي بن الملوح: لو أن لك الدنيا وما عُدِلت به سواها وليلى بائن عنك بيتها لكنت إلى ليلى فقيراً وانما يقود اليها ود نفسك حَيْنُها قلت له: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء فقال، حسبك، فوالله إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم. وعن ابن الاعرابي: كان معاذ بن كليب مجنوناً، وكان يحب ليلى وشركَهُ في حبها مزاحم بن الحارث العقيلي، فقال مزاحم يوماً للمجنون: كلانا يا معاذ يحب ليلى بغي وفيكَ من ليلى التراب شركتك في هوى من كان حظي وحظك من مودتها العذاب لقد خَبَلَتْ فؤادك ثم ثنّت بقلبي فهو مجنون مصاب وتتابع مي علوش في ذكر اسم ليلى، فتقول ان ممن حملن اسم ليلى وألهمت الشعراء شعراً ليلى النهدية التي احبها مُرّةُ بن عبدالله بن هليل، وليلى بنت سعد القضاعية التي عشقها صخر الهُذلي، وليلى بنت مؤازر التي هويها مزاحم بن العقيلي، وليلى بنت الجودي ملك من ملوك الشام التي شبب بها عبدالرحمن بن ابي بكر الصديق، وليلى بنت الخطيم التي شبب بها حسان بن ثابت في شعره، وأهم من حملت اسم ليلى من العربيات ليلى العفيفة التي كانت تحب ابن عمها البرّاق وخطفها كسرى ليتزوجها فاستنجدت البرّاق بقولها: ليت للبرّاق عيناً فترى ما أقاسي من بلاء وعناء وهي القصيدة التي غنتها اسمهان في فيلم "غرام وانتقام" مع يوسف وهبي في الاربعينات. وهناك ليلى بنت طريف التغلبية شاعرة من شواعر العرب في الدولة العباسية، وكان اخوها على رأس الخوارج وأشدهم بأساً، ولما اشتدت شوكته وجه اليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني فجعل يخاتله ويماكره حتى قتله فقالت ليلى ترثي اخاها وهو من اجمل الشعر في الرثاء: فقدناه فقدان الربيع فليتنا فديناه من دهمائنا بألوف ألا يا لقوم للنوائب والردى ودهر مُلحّ بالكرام عنيف وللبدر من بين الكواكب اذ هوى وللشمس همت بعده بكسوف وذكر فيما ذكر ممن حملن اسم ليلى وراويات الحديث: ليلى الانصارية وليلى زوجة بشر بن الخصاصية، وليلى بنت سعد، وليلى بنت سمعان، وليلى عمة عبدالرحمن بن ابي ليلى. وكانت ليلى بنت عروة بن زيد الخيل الطائي راوية من راويات الشعر، وليلى الناعطية من ربات النسك والتطهر والزهد والفصاحة والبلاغة، وليلى بنت حلوان بن عمران القضاعية يُنسب اليها بطن من مضر من العدنانية وهم بني الياس بن مضر. اما ليلى الاشهر بين هذه "الليلات" ليلى بنت سعد بن عامر وكانت من اجمل الناس وأظرف النساء وأحسنهن جسماً وعقلاً وأفضلهن ادباً والمحن شكلاً. قال الجاحظ: "ما ترك الناس شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه الى قيس بن الملوح. ولا شعراً هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه الى قيس بن ذريح" لذلك من الصعب جداً جمع شعر احدهما على انه له كله. لمّا شُهِر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء كما جاء في الاغاني وخطبها ورد بن محمد العقلي وبذل لها عشراً من الابل وراعيها، فقال اهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ودخلوا اليها فقالوا: والله لئن لم تختاري ورداً لنمثلن بك فاختارت ورداً على كره منها. وعندما بلغ الخبر قيساً فأيس منها وزال عقله جُملة، فقال الحي لأبيه: احجج به الى مكة وادع الله له، ومُرْه ان يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله ان يعافيه مما به ويبغضها اليه، فلعل الله ان يخلصه من هذا البلاء، فحج به ابوه ثم قال له: تعلق بأستار الكعبة واسأل الله ان يعافيك من حب ليلى، فتعلق وقال: اللهم زدني لليلى حباً وبها كلفاً ولا تنسيني ذكرها ابداً، فهام حينئذ واختلط ولم يضبط، وكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل الا ما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب الا مع الظباء اذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه. قيل مرّ المجنون بزوج ليلى وهو جالس في يوم شات، فوقف ثم أنشأ يقول: بربك هل ضممت اليك ليلى قبيل الصبح او قبلت فاها وهل رفَّت عليك قرون ليلى رفيف الاقحوانة في نداها فقال: اللهم، اذا حلفتني، فنعم، فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه وعض على شفته فقطعها. واللافت في شعر المجنون انه كان يذكر اسم ليلى في كل بيت من شعره فقد قيل ان المجنون مر برجلين صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها، فلما نظر اليها وهي تركض في حبالها دمعت عيناه وقال لهما: حُلاّها وخُذا مكانها قلوصاً اي الناقة الشابة من ابلي. فأعطاهما وخلاها فولت تعدو هاربة، فقال: أيا شبه ليلى لا تُراعي فإنني لك اليوم من وحشية لصديق ويا شبه ليلى لو تلبثّتِ ساعة لعل فؤادي من جواه يُفيقُ تفرُّ وقد اطلقتها من وثاقها فأنتِ لليلى، لو علمتِ، طليق وقيل عن ايامه الاخيرة: كان المجنون يقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه فيُلصق صدره به ويجعل يمرغ خديه على ترابه ويبكي ويعود الى البراري، وكانت امرأة تصنع له طعامه وتأتيه به، وجاءت يوماً الى الطعام فوجدته بحاله، وجاء اهله فطلبوه فلم يجدوه، وغدوا في الرابع يستقرون اثره فوجدوه في وادٍ كثير الحجارة خشن وهو ميت. فاحتملوه فغسلوه وكفنوه ودفنوه، فلم تبق فتاة الا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه. ومن اروع شعره في ليلى: تكاد يدي تندى اذا ما لمستها وينبت في اطرافها الورق الخضر هل الوجد إلا أن قلبي لودَنا من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر وقال: وكنت وعدتني يا قلب اني اذا ما تبتُ عن ليلى تتوب وها أنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذُكرت تذوب وقال: أوميض برق في الابيرق لاحا ام في ربى نجد ارى مصباحا ام تلك ليلى العامرية اسفرت ليلاً فصيرت المساء صباحا واليوم، يغيب شيئاً فشيئاً هذا الاسم الجميل عن نسائنا لتحل محله اسماء غربية لا معنى لها ولا طعم ولا مغزى.