أضفت وأضافت تقنيات التصوير في الأجهزة الذكية خاصية جديدة لهواة التصوير، هذه الخاصية تعيد ضبط السيما والمظهر الخارجي، فتدفع بالشكل الى الوراء عمرًا أصغر، وتخفي نتوءات الزمن وأحافيره وأخاديده، والمحصلة تكون، وجهًا باسمًا وضاء ضاحكًا مستبشرًا يشرق بالنور والصفاء والضياء، ولكن يظل السؤال كم نسبة التشابه بين الأصل المجرد والصورة المعدلة تقنيًا؟ ،والتي يُصطلح على تسمية محسنها بالفلتر العجيب الذي يعود له الفضل في إعادة بعث صورنا الجديدة إلى الناس في هيئات أحسن وأكمل وأجمل؟. بالمثل كثيرة هي مواقف البشر والتي عندما نختزلها في موقف (لقطة) نراها الأكمل والأجمل، لماذا؟ لأنها زُينت (بفلتر) جعلها تبدو الصورة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان. المثقف على امتداد مسيرته الحركية تنتابه العديد من التحولات والتغيرات، وهذا شيء طبيعي، فالزمن كفيل بإعادة تصحيح المسار وتغيير اتجاهاته، وهنا السؤال: هل الانقلابات الفكرية التي يمارسها المثقف في مسيرته النضالية حقيقية نابعة من قناعة شخصية أم هي مجرد تحول وتحايل عن وعلى رفاق الأمس وأصحاب الأنس في زمن مضى؟. بعض هذه المواقف يخفيها الفلتر إياه الذي يعيد تشكيل الصورة وإرسالها من جديد الى المتلقي وكأنها هي الحقيقة وكأنها الصورة الأصل. المنافقون والانتهازيون من أكثر الناس قدرة على تجسيد الصور المفلترة والانغماس والانغلاق داخل إطارها، وفجأة ودون مقدمات نصحو على صورة جديدة مغايرة كليًّا لما ألفناه وعرفناه تبعًا للمرحلة ومقتضياتها. بعض المشاهير وأثناء مسيرهم ومسايرتهم للجماهير ينعطفون انعطافًا حادًّا، هذا الانعطاف يُظهرهم بشكل جديد، فى البدء يصدم الجماهير التي تعودت على خطاب راسخ قديم، واليوم هناك انعطاف جديد يعاكس المسير السابق ويصادمه. هو في الحقيقة شكل جديد خارج على النسق القديم وأجواؤه وأسبابه وصفاته، هذه الصورة قد تكون وبنسبة كبيرة هي الحقيقة والتي لا يقبلها رفاق الأمس ولا الجماهير التي كانت تشكل السلطة الآسرة والمأسورة للرمز والفكرة والمرحلة ومقتضياتها، وهذه الصورة قد تأتي في ثنايا اعتذار أوتوبة أوندم على مافات، المهم أنه انقلاب شجاع أعاد المشهد والمشاهدين للسير في مسار تفاعلي جديد يؤثّر ويتأثر ويؤثِر، وأعاد الصورة الى أصلها القديم بدون مؤثرات او محسنات بديعية أو تقنية. صورنا الذهنية عند الآخرين قد تكون رهينة لتقنيات التحسين والتجديد والتغيير، هذه الصور قد تصنع لنا قبولا عند الناس وفي المقابل قد تكون صورًا منبوذة عند الآخرين، ليظل هذا الفلتر العجيب هو الإطار الذي يشكلنا عند الآخرين ويجعلنا مجرد صورٍ لا تمثلنا ولا تعكس حقيقتنا، ننزعها عند الحاجة وننزع اليها في أحوالا أخرى، وقد نعود إلى الأصل القديم أو نبحث عن فلتر جديد، المهم أن نبقى في المشهد بأي صورة حقيقية أو (مفلترة) حتى حين!. ** **