عندما نقرأ رواية عربية كُتبت بلغة شاعرية مُتجليّة، بلا شك سنقول (الله) بكل ما أوتينا من نشوة. سنُحلّق مع بديع الوصف وجمال التشبيهات والصور البلاغية والفلسفية التي تنساق ضمن الأحداث وحبكتها. ما أسلفت ذكره قد يستمتع به القارئ النهم المتقدم وهو من سيملك اللياقة القرائية العالية للبقاء على قيد الدهشة دون الإصابة بالملل أثناء انتظاره لتواتر الأحداث. أما القارئ المبتدئ فاحتمالية إصابته بالملل سريعة، وإن كان الروائي يستهدف القراء المبتدئين فعليه وضع ذلك في اعتباره، فهم لا يملكون لياقة كافية لما سيحشو به سطوره. كما وقد اختلف النُقاد في آرائهم حول جدوى شعرنة الرواية وما إذا كانت عنصرًا أساسيًا فيها أم لا، وغالبيتهم يرون بأن عناصر الرواية واضحة ولا أهمية لشعرنتها وكل ما يلزم الروائي هو كتابة رواية رصينة بلغة صحيحة وعناصر مكتملة ليخرج بنتاجٍ بديع. لكن يذهب الكثير من الروائيين إلى الكتابة بلغة شاعرية وبعضهم قد يسهب فيها إلى الحد الذي قد ينشق فيه عن النص ويحيد عن خط عمله فيصيب عمله بالترهل والحشو الممل. دار مثل هذا الحديث مؤخرًا في أمسية حوارية ضمن فعاليات مهرجان نور للثقافة والفنون والذي نظمته الشركة السعودية للكهرباء في بادرة جميلة تُشكر عليها وأشرف عليه الدكتور سعد البازعي، كانت تلك الأمسية حول الرواية الفائزة والمتحدثان فيها هما الروائيان القديران: الأستاذ عبده خال والأستاذة أميمة الخميس. وأثناء المداخلات كان هناك حوار بين الدكتور سعد والروائيين حول جدوى تلك الشاعرية فكان لما قاله الأستاذ عبده وقع في نفسي: الرواية كالأغنية ولن تكتمل الأغنية إلا بصوت الكورال، واللغة الشاعرية هي الكورال. فعلًا فتطعيم الرواية بلغة شاعرية عذبة يعطي للنص بعدًا أنيقًا فاخرًا وسحرًا مُغايرًا. وإني أرى بأن الروائي قد يصل لمجده الروائي إن هو استطاع الإمساك بخيوط حبكته الروائية والسير بالنص كما ينبغي له أن يكون دون أن يفقد سيطرته على عناصر الرواية محافظًا بذلك على رصانة حبكتها في الوقت الذي يسردها فيه بكل ما أوتي من شاعرية تسلب لُب القارئ دون أن يملّ، ودون أن يترهل نصه. فالتركيز على شعرنة النص وحده لا يجدي في حال غابت أهم أسس الرواية وعناصرها فالناتج سيكون رواية بلا هدف ولا معالم مجرد نص سردي شاعري لا يشبه الرواية بشيء. كما أن بعض الروايات تتصف بالرصانة واللغة الخالية من الشاعرية وهذا بلا شك لا يقلل من شأنها فهي صحيحة إن اكتملت عناصرها، كما وقد يتطلب موضوع الرواية وفكرتها هذه الصرامة السردية. إذًا الشعرنة حرفة جمالية تزيد من ألق الرواية إن اُستخدمت بالقدر اللذيذ فلا إفراط ولا تفريط. ** ** - حنان القعود