بعد أن سلّم المحقق الخاص، روبرت مولر، تقريره إلى وزير العدل، وهو التقرير الذي برأ ترمب من تهمة التواطؤ مع روسيا، ومن محاولة عرقلة سير العدالة، أصيب خصومه بصدمة عنيفة، جعلتهم يتخبطون، فهم يطالبون الآن بالاطلاع على كامل التقرير، في محاولات مستميتة للبحث عمَّا يمكن أن يدين ترمب، ولا أدري كيف سيجد الديمقراطيون ما يدين الرئيس، بعد كل الجهود الكبيرة، التي بذلها محقق خاص من طراز رفيع، تمتلئ سيرته بالنجاحات، واستغرق تحقيقه قرابة العامين، وساعده عشرات المحامين البارزين، في تحقيق تجاوزت تكلفته ثلاثين مليون دولار، وكأنه يخفى عليهم أن مولر لا يقل حرصاً عنهم على مصالح أمريكا العليا، ولن يتجرأ ويبرئ ترمب من تهمة التواطؤ وعرقلة سير العدالة، لو كان لديه شك ولو بنسبة ضئيلة، أنه متواطئ مع دولة مثل روسيا. كان مشهد مذيعي قنوات التلفزيون، وهم يعلنون نتائج تقرير المحقق مولر مثيراً للانتباه، فلم يستطيعوا كبح جماح غضبهم وخيبة أملهم، وخصوصاً أنهم لا يستطيعون نقد المحقّق مولر، وهو المحامي البارع، الذي كانوا يشيدون به وبنزاهته على مدى زمن طويل، ونحن هنا نتحدث عن معظم قنوات التلفزيون، وعلى رأسها قنوات سي ان ان، وام اس ان بي سي، ومذيعوها ومقدمو برامجها، فنتائج التقرير كانت واضحة بلا لبس، وكم كان مشهد المعلّقين، الذين لا يكنّون ودّاً لترمب، محزناً، وهم يحاولون تبرير تأكيداتهم السابقة بإدانة ترمب، فقد كانوا في حالة يرثى لها، وفي حالة ارتباك لا تخطئها العين، وهم يعلقون على نتائج التقرير، لأنهم يعلمون أن الجمهور لا يرحم، ولن يغفر لهم محاولات استغفاله، ومحاولات حرف مسار الحقيقة مع سبق الإصرار والترصد. إن ما حدث لخصوم ترمب بعد ظهور نتائج التقرير، يحكي بوضوح عواقب الانحياز المبالغ فيه، فمع الاعتراف بأنه لا يوجد إعلام محايد في هذا العالم الذي نعيش فيه، إذ هناك انحياز تلقائي بشكل أو بآخر، إلا أن الانحياز ضد ترمب منذ فوزه كان صارخاً وواضحاً، بل وعنيفاً وعدائياً، يدركه المتابع العادي، ناهيك عن المطلع، دون عناء، وها هي نتائج هذا الانحياز ترتد عليهم، وللهروب من هذا المأزق، بدؤوا مسيرة التبرير والترقيع، فمنهم من يتحدث عن أهمية الاطلاع على كامل تقرير مولر، على أمل أن يكون فيه ثغرات، ومع أنه قد يكون في التقرير ما يشير إلى أخطاء ارتكبها ترمب، إلا أنها لا ترقى أبداً لما يبحث عنه خصومه، أي التواطؤ وعرقلة سير العدالة، لأن مولر برّأه من هذه التهم بلغة واضحة وصريحة، وبالتالي فإنهم سيستمرون في الدوران بحلقات مفرغة، تعرقل عمل إدارة ترمب، وعملهم أيضاً، ولا أظن ترمب سيسمح بذلك، وسنواصل الحديث.